زار القاهرة الأسبوع الماضى مسئول سابق وباحث بارز فى أحد مراكز التفكير الكبرى بالولايات المتحدة، وشارك فى حوار مهم مع مجموعة من الباحثين والأكاديميين المصريين حول العديد من القضايا الإستراتيجية، وبعدها بأيام قليلة كان هناك حوار آخر فى ملتقى أبوظبى الإستراتيجى بين باحثين ومسئولين سابقين عرب ونظرائهم من العديد من دول العالم. أهمية مثل هذه الحوارات الإستراتيجية هو أن مضمونها كثيرا ما يفسر الواقع، ويطرح أيضا ملامح المستقبل. ومن متابعة النقاش فى هذه الحوارات الأخيرة يمكن رصد الأطروحات التالية - التى قد نتفق أو نختلف بشأنها ــ حول حال المنطقة التى نعيش فيها، وتوقعات المستقبل بشأنها. لاتزال القضية الفلسطينية تحتل جانبا رئيسيا من النقاش، والجدير بالانتباه أن العديد من الباحثين الأمريكيين يعتقدون أن إدارة ترامب سوف تطرح مبادرة صفقة القرن خلال الشهور المقبلة، رغم أن هؤلاء الباحثين لا يعرفون تفاصيل هذه الصفقة، ولكنهم يرون أن أحد دوافع ترامب لطرحها هو قناعته الشخصية أنه يملك القدرات التى ستمكنه من إنجاز ما فشل فيه سابقوه من الرؤساء فى ملفات عديدة ومنها حل الصراع العربى ــ الإسرائيلى، بالإضافة لاعتقاده بوجود بوادر لتقارب عربى ــ إسرائيلى فى مواجهة إيران يمكن أن يشكل أساسا لصفقة كبرى فى المنطقة. الباحثون الأمريكيون يرون أن الصفقة سوف تتضمن حل الدولتين الفلسطينية بجانب الإسرائيلية، ولكنهم لا يتوقعون أن يتحقق ذلك خلال ما تبقى لهم من العمر!! ويتحدثون عن أن الإدارة الأمريكية تتوقع دورا عربيا مساندا، يكون بمنزلة الغطاء لأى تنازلات فلسطينية، أو على الأقل لإقناع الفلسطينيين بالنظر فى الجوانب الإيجابية للمبادرة والتعامل معها، وليس رفضها عند لحظة إعلانها. الباحثون العرب الذين عقبوا على هذا الطرح الأمريكى يتشككون فى إمكانية قبول مثل هذه المبادرة خاصة بعد الموقف الأمريكى من قضيتى القدس واللاجئين، ويرون أن الطرف الفلسطينى هو سيد قراره، ولن يؤدى أى غطاء عربى لتغيير الموقف الفلسطينى. وكذلك لا يجب إغفال رد فعل الرأى العام العربى من الصفقة الأمريكية، والتأثير المحتمل لذلك على موقف القيادات العربية تجاهها. القضية الثانية إيران، والعقوبات الأخيرة التى فرضتها الولايات المتحدة عليها. الأمريكيون يرون أن سلوك ترامب تجاه إيران يعود لاعتقاده أيضا أنه يستطيع أن يصل لصفقة أفضل معها من تلك التى وقعها أوباما بشأن برنامجها النووى، وأن تعامل ترامب مع هذا الملف وغيره من الملفات ــ كما مع الصين وفنزويلا ــ يقوم على تعظيم الضغوط، والتركيز بالأساس على استخدام العقوبات دون أى حوافز لتغيير السلوك (أى استخدام العصا فقط دون الجزرة). البعض يتحدث أيضا عن وجود انقسام داخل الإدارة الأمريكية بشأن العقوبات على إيران، وأن الرئيس ترامب هدفه هو عودة إيران لطاولة المفاوضات للتوصل لصفقة أفضل، ولكن مستشاره للأمن القومى بولتون وبدرجة أقل وزير خارجيته بومبيو يستهدفان أن تؤدى العقوبات إلى تغيير النظام الإيرانى وليس تغيير سياساته فقط. ولكن وجهة النظر الغالبة هى أن العقوبات قد تضعف النفوذ الإيرانى بالمنطقة ولكن لن تؤدى لسقوط النظام. كان هناك أيضا بعض الأطروحات الغربية والخليجية عن أن الأزمة اليمنية ناضجة للحل السياسى، وأنه من المرجح احتواء الأزمة مع قطر. وأخيرا فإن مصر لا تغيب عن مثل تلك الحوارات، والكثير من المحللين يتحدثون عن الحاجة لدور مصرى أكبر، يعبر عن صوت العقل وسط الأجواء العاصفة التى تشهدها المنطقة، وأن هناك دورا مأمولا لمصر فى العديد من القضايا الإقليمية ومنها ليبيا وسوريا واليمن. وفى الختام، هل يمكن أن يكون لدينا منتدى إستراتيجى دولى يعقد بالقاهرة بشكل دورى، يضيف لقوة مصر الناعمة، ويساعدنا على فهم العالم، والاستعداد للمستقبل.
لمزيد من مقالات د. محمد كمال رابط دائم: