رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مسافة السِّكة فى مواجهة الابتزاز الأمريكى

ابتزاز الولايات المتحدة للدول ليس جديدًا. ولم يكن مفاجئًا أن يقوم الرئيس الأمريكى بتهديد دول عربية، أو أن يستخدم تلك اللغة الخشنة، وهو يطالبها بأن تدفع مقابل الحماية الأمريكية. غير أنك تجامل دونالد ترامب لو اعتقدت أنه يبتز تلك الدول العربية فقط، وتظلمه حين تتجاهل أن من سبقوه قاموا بالشيء نفسه مع كل دول العالم الواقعة تحت مظلة الحماية أو السيطرة الأمريكية. كما تظلم المملكة العربية السعودية ودول الخليج إجمالًا، حين تتجاهل دولًا أخرى مهمة وكبيرة خضعت لذلك الابتزاز.

العاصمة السعودية، الرياض، كانت هى محطة «ترامب» الخارجية الأولى بعد توليه الحكم. ولم يكن ذلك مصادفة، كما لم يكن غريبا أن يتقدم البيزنس على السياسة فى علاقة رئيس أمريكى «أيّ رئيس أمريكي» بالمملكة. فالثابت هو أن الولايات المتحدة تولى اهتمامًا خاصًا، وخاصًا جدًا، بالمملكة، وبدول الخليج إجمالًا، منذ جلس الملك عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت، فى 14 فبراير 1945 على متن المدمرة الأمريكية «كوينسي» فى البحيرات المرة بقناة السويس. والثابت أيضًا، هو أن تأسيس «اللجنة الاقتصادية السعودية الأمريكية المشتركة»، سنة 1974، كان الهدف الأساسى لأول زيارة يقوم بها رئيس أمريكى إلى المملكة.

منذ تلك الجلسة، وبعد هذه الزيارة قال كل الرؤساء الأمريكيين، بصيغ وصياغات، مختلفة إن «الولايات المتحدة لن تتردد فى استخدام القوة لحماية دول الخليج العربى من أى اعتداء خارجي»، وقالها نصًا جيمى كارتر، يوم 23 يناير 1980، فى خطاب حالة الاتحاد. ووحده «ترامب» هو الذى قالها بشكل معكوس أو أكثر وضوحًا، أواخر أبريل الماضي، فى ذلك المؤتمر الصحفى الذى عقده فى البيت الأبيض مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وقام فيه بصراحة أو بوقاحة، بتهديد بعض دول منطقة الشرق الأوسط بأنها «لن تصمد أسبوعًا دون الحماية الأمريكية»، قبل أن يبتزها ويطالبها بدفع مزيد من الأموال.

لم يذكر «ترامب» دولًا بالاسم، فى ذلك المؤتمر، لكنه كان قد كتب فى حسابه على تويتر فى ديسمبر الماضي، أن واشنطن «صرفت بسخافة سبعة تريليونات دولار فى الشرق الأوسط». كما سبق أن شكا فى تصريحات، نقلتها كل وسائل إعلام الدنيا، بينها وكالة «رويترز»، من أن «واشنطن تخسر أموالًا هائلة للدفاع عن السعودية» وأن المملكة «لا تتعامل بشكل عادل مع الولايات المتحدة».

وفى التصريحات نفسها طالب كوريا الجنوبية بأن تدفع مليار دولار، هى ثمن منظومة «ثاد»، أو الدرع الصاروخية الأمريكية، التى اتفق الحليفان على نشرها للتصدى لتهديدات كوريا الشمالية. وفى أوقات وسياقات مختلفة مارس الابتزاز نفسه مع اليابان ومع كل الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) وكانت ألمانيا صاحبة النصيب الأكبر!.

لم تكن هذه أو تلك، هى المرة الأولي، فمنذ كان «ترامب» مرشحًا للرئاسة وهو يردد تصريحات شبيهة. وسبق أن قال، مثلًا، خلال مؤتمر انتخابى فى «ويسكونسن»: «لن يعبث أحد مع السعودية لأننا نرعاها.. مع أننا نخسر الكثير من المال ولا نأخذ ثمنًا عادلًا فى المقابل».

ولا يختلف «ترامب» عن سابقيه إلا فى تسميته للأشياء بمسمياتها. وما طالب ويطالب وسيطالب به لم يكن جديدًا، لأن المال مقابل الحماية، ليس أكثر من نظام معمول به من قديم الأزل، معروف فى اللغة الإنجليزية باسم «Tribute» أو «Royalty» وتصفه اللغة العربية بالـ«إتاوة» أو «الجزية». وقيل ضُربت عليهم الإتاوة أو الجزية إذا دفعوا لحاكم أو لأمَّة، ثمن أمنهم. وصولًا إلى هذا الهدف، اعتادت الولايات المتحدة أن تبالغ فى تقدير (وتصدير) الخطر، حال وجوده. أو تقوم باختراعه، وصناعته، ليكون تكئة، «تلكيكة» أو «فزاعة»، تبتز بها الدول الواقعة تحت مظلتها أو سيطرتها وتجبرها على دفع مزيد من الأموال مقابل حمايتها. كأن تبالغ فى تقدير الخطر الروسي، الصيني، أو الكورى الشمالي. أو كأن تخلق (أو تستغل) حالة عدم الاستقرار التى عاشتها المنطقة العربية فى السنوات الأخيرة. أو كأن تتيح لدولتين إقليميتين، مثلًا، إنشاء مناطق نفوذ فى دول المنطقة. أو كأن تقوم بتحريض وتشجيع دول صغيرة أو قوى محلية تابعة، على التآمر وعلى دعم وتمويل تنظيمات إرهابية وطائفية.

بهذا الشكل، صارت المنطقة العربية فى مواجهة تهديدات وتحديات، وجودية ومصيرية، تنذر بخرابها، أو تضعها على الأقل تحت مظلة أو «ضرس» الولايات المتحدة. ولم يعد بالإمكان مواجهة تلك التهديدات أو التحديات أو الخروج من تحت المظلة، دون توافر الإرادة السياسية الجماعية، التى كثيرًا ما طالبت ونادت بها مصر. ولا داعى لـ«تقليب المواجع» أو إعادة النبش فى كيفية إجهاض مشروع تشكيل «قوة عربية مشتركة»، الذى طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى 24 فبراير 2015، والذى كان على جدول أعمال القمة العربية السادسة والعشرين، التى انعقدت بمدينة شرم الشيخ، فى 28 مارس 2015 وجاء فى بيانها الختامى أن القادة العرب أقروا تشكيلها «لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومى العربي».

الخلاصة، هى أن الابتزاز الأمريكى لم يكن سيحدث أو سيستمر، إلا بعد قطع الطريق أمام القوة العسكرية الأكبر فى المنطقة، التى قالت بلسان قائدها الأعلي: «مسافة السكة وحاتلاقونا موجودين..

ما حدّش يتهدد واحنا موجودين أبدًا». وعليه، يكون الحل المناسب، بل الأنسب، هو أن تستمع الدول العربية لصوت العقل، وتستجيب لواحدة من المبادرات العديدة التى سبق أن طرحتها مصر لبناء استراتيجية شاملة للأمن القومى العربي، وتوفير مقومات القوة المشتركة القادرة على صد أى اعتداء وإجهاض أى محاولة للتدخل فى شئوننا الداخلية.


لمزيد من مقالات ماجد حبته

رابط دائم: