رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

على طريق القمة الثقافية العربية

أعيد مجددا بعث الفكرة الخاصة بعقد قمة ثقافية عربية، وتضمن البيان الصادر عن القمة العربية التى استضافتها مدينة الظهران فى شهر أبريل الماضى بنداً يرحب بدعوة المملكة العربية السعودية لعقد قمة ثقافية تسهم فى دفع عجلة الثقافة والتنوير وتذكى القيم العلمية والأخلاقية, أملا فى اللحاق بركب النهضة الذى طال تخلف العرب عنه بفعل الصراعات والحروب. فكرة هذه القمة ليست جديدة، فلقد سبق أن طُرِحَت فى القمة العربية التى عقدت فى مدينة سرت الليبية عام 2010 ومن بعدها تفجرت موجة الاحتجاجات الشعبية العربية ففرض الهم السياسى نفسه على الجميع.

ولما كانت مؤسسة الفكر العربى هى إحدى ثلاث جهات تم تكليفها بالإعداد للقمة الثقافية العربية جنبا إلى جنب مع كل من الإدارة الثقافية بالجامعة العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، فلقد نظم مركز الدراسات السياسية والاستراتيچية بالأهرام بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربى يوم الأحد 30سبتمبر ندوة بعنوان: نحو نموذج ثقافى عربى جديد فى عالم متحول. افتتح الندوة الدكتور هنرى العويِط الأمين العام لمؤسسة الفكر العربى والدكتور وحيد عبد المجيد مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيچية، وحضرها نحو 25مشاركا من خلفيات متعددة أدبية وتاريخية وسياسية واجتماعية. جدير بالذكر أن عنوان الندوة مستمد من عنوان الكتاب السنوى الرابع لمؤسسة الفكر، وهو كتاب ضخم حافل بإسهامات عرضت للمسألة الثقافية من زوايا متعددة. وفى جلسة الافتتاح تم التأكيد على أن الندوة لا تهدف لمناقشة الكتاب، لكنها تأخذ أطروحاته بعين الاعتبار وهى تثير أسئلة من نوع: هل يمكن بناء نموذج ثقافى عربى؟ وإن كانت الإجابة بنعم فكيف السبيل إلى ذلك؟ وماهى القيم العليا المطلوب تضمينها فى النموذج المقترح؟

فيما يخص إجابة سؤال: هل يمكن بناء نموذج ثقافى عربي؟ يلاحظ أن النقاش بدأ بالتشكيك فى إمكانية إنجاز هذا البناء لأسباب مختلفة، أحدها نظرى ويرتبط بصعوبة نمذجة الثقافة والانحياز للأحادية الثقافية على حساب التعددية الثقافية. وتجاوزا لهذه الصعوبة اقترح المشاركون استخدام مصطلح بديل للنموذج كمصطلح المشروع الثقافى العربى أو الرؤى الثقافية العربية. السبب الآخر للتشكيك فى إمكانية بناء نموذج له طابع عملى لأنه يرتبط بطبيعة السياق العربى الراهن، وهو سياق متحول فى حده الأدنى متأزم فى حده الأعلي، وبالتالى فليس ثمة ما يدعو للتفاؤل بقدرة المثقفين العرب على النجاح فى إنجاز المشروع التنويرى المأمول . وأضاف بعض المشاركين أن الغرب الذى كان قِبلة التنويريين العرب فى القرنين التاسع عشر والعشرين هو نفسه صار غير قادر على إنتاج أفكار أو سرديات كبري. لكن هذه الرؤية التشاؤمية التى خيّمت على الندوة فى بدايتها لم تلبث أن انزاحت بالتدريج مع توالى الإسهامات التى أوضحت أن حركة التاريخ دائما ما تكون للأمام وأن الرهان هو على تحقيق النهضة الثقافية فى المدى البعيد ، هذه واحدة. والأخرى أن المثقف لا يملك الاستقالة من وظيفته حتى وإن بدا الواقع محبطا لأن المشروع الثقافى الحقيقى هو أن يقوم كل مثقف بمهمته. والثالثة أن أوروبا مازالت تنتج الأفكار والسرديات وآخرها الشعبوية، أما دخول الهند والصين وغيرهما على الخط فهذا يفتح أفق التجديد الثقافى وينوع مصادره ، فهو إذن ميزة لا عيب.

نأتى لسؤال كيف نصنع مشروعا ثقافيا رافعا؟، وهنا اهتم النقاش بسياق المشروع بمعنى أهمية رسم خريطة معرفية للعالم بأفكاره الصاعدة وتلك الآفلة, ومن ثم تحديد موقع العرب منها، وزاد البعض فطالب برسم خريطة معرفية للعرب أنفسهم قبل الشروع فى تحديث هذه الخريطة. اهتم النقاش أيضا بالوسائط الحاملة للمشروع، فالأطر الثقافية التعبوية التى اعتُمِدَ عليها فى خمسينيات القرن الماضى لم تعد صالحة لهذا العصر بعد أن فرضت الثورة المعلوماتية نفسها على الجميع، وبالتالى فما لم يستفد المثقفون من الفضاء الإلكترونى فى التواصل مع مجتمعاتهم لن ينجحوا فى التأثير. لكن هذا التأثير أيضا لابد أن يمر عبر مؤسسات التنشئة وأهمها المؤسسات الدينية والتعليمية وهى تحتاج إصلاحا لا شك فيه. ومع الوعى بصعوبة هذا الأمر, فلقد أشير إلى وجود بعض البوادر المُبشرة ومنها: تطوير جزئى للسياسات الدينية فى بعض الدول العربية، وظهور اتجاهات نقدية ومراجعات لعدد من كتب التفسير، والاهتمام بالبعثات والترجمات ، وإدراك أهمية النهوض باللغة العربية.

وأخيرا نصل للسؤال عن: أى القيم أولى بالاهتمام؟ مبدئيا لا مفاضلة بين القيم الإنسانية، لكن بما أن هدف السؤال كان هو وضع أچندة لمشروع ثقافى عربى متعدد المراحل, فإنه حين طُرِحت على المشاركين قائمة من خمس قيم هى العدالة والحريّة والمواطنة والعقلانية والمساواة لاختيار من أيها نبدأ..انحازت الأكثرية لقيمة الحرية بشقيها العام والخاص كشرط للإبداع الثقافي.

لقد كانت الندوة المشتركة بين مركز الدراسات السياسية والاستراتيچية ومؤسسة الفكر العربى غنية بأفكارها ونقاشاتها، وأظنها خطوة جيدة على طريق القمة الثقافية العربية.


لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد

رابط دائم: