لأمة العرب خصوصيات تتميز بها عن كل الأمم فى أركان الدنيا... والأمن القومى العربى وحدة واحدة لا تنفصل... ومصر الحضارة هى صمام القلب النابض والمحورى الذى يحافظ على التوازن فى الوطن العربى... والأمة العربية عندما اتجه اليها المستعمر قصدها جميعامن المحيط إلى الخليج... فقامت حروب خاضتها مصر إما بمفردها أو بالتعاون مع كل أو بعض العرب ضد الاحتلال العثمانى والاستعمار الإنجليزى والفرنسى. ثم الصراع العربى الإسرائيلى الذى لم يفرق بين دول المواجهة والدول العربية الأخرى البعيدة عن منطقة الصراع. على أن أمة العرب لم تكن أبداً من دعاة الحرب إلا إذا كان طلب الحق والدفاع عن الأرض يعتبر رغبة فى شن الحروب... فعندما خضنا حرب عام 1948 كان ذلك دفاعاً عن فلسطين وما ذاقه أهلها من مذابح وأضرار وطرد من الديار. وفى عام 1956 وقفت مصر بقوة فى مواجهة العدوان الثلاثى وأبت أن تتورط أى من الدول العربية فى هذه الحرب حتى لا تصيبها آلة العدوان. وكان صمودها الشامخ سبباً فى بداية لتغيير تاريخى كبير... فانطلقت القومية العربية, وتحررت الكثير من الدول الواقعة تحت نير الاستعمار... ثم فى 22فبراير 1958 انطلقت الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا لترسى قواعد الوحدة والتضامن العربى. وفى سبتمبر 1962 ساندت مصر ثورة اليمن من اجل إزالة مظاهر التخلف ليعيش الشعب العربى فى اليمن حضارة العصر. وفى عام 1967 واجهت مصر ودول المواجهة (سوريا ـ الأردن) العدوان والتآمر من أجل ايقاف المد الثورى وتيار التحرر والتضامن الذى ساد المنطقة فى ذلك الوقت, فكانت نكسة يونيو فى هذا العام. وكان التضامن العربى فى مواجهة هذه النكسة هو البداية الحقيقية لتضامن عربى قوى قبل وأثناء حرب اكتوبر 1973 وما بعدها. فقد سارع العديد من الملوك والرؤساء العرب إلى القاهرة لمؤازرتها, وزاد الاقتناع العربى بأن المواجهة العسكرية هى أمر حتمى ولابد من الإعداد لها جيداً. واجتاحت الساحة العربية موجة من الغليان أدت إلى قيام ثورة يوليو بالعراق عام 1968، وثورة مايو بالسودان ثم ثورة الفاتح من سبتمبر فى ليبيا عام 1969... كما تم الاتفاق فى مؤتمر الرباط بالمغرب عام 1969 على خطة عربية موحدة إلى أن قام الاتحاد الفيدرالى بين مصر وليبيا وسوريا عام 1970... هذا فى الوقت الذى رفضت فيه الإرادة المصرية أن تتقبل الهزيمة وطالبت قياداتها وقواتها المسلحة بإعادة البناء وتحرير الأرض. وتحّمل شعب مصر كل المسئولية من أجل معركة التحرير وليتحول الاقتصاد القومى إلى اقتصاد حرب مضحياً بضرورياته الاساسية. ثم واجه الشعب وقواته المسلحة بكل شجاعة العربدة الإسرائيلية وغارات العمق. ثم أدارت قواتنا حرباً ضارية للردع والاستنزاف من خلال مئات المعارك الدفاعية فأشاعت الذعر وعدم الاستقرار بالقوات الإسرائيلية الرابضة على الضفة الشرقية للقناة وفى أعماق سيناء يومياً وعلى مدى 500يوم تكبدت القوات الإسرائيلية خلالها خسائر فادحة. وكان الهدف المبدئى لمصر فى هذه المرحلة الحافلة بانتصارات قواتنا فى معارك حرب الاستنزاف هو تنقية المناخ العربى لتحقيق أكبر قدر من التضامن العربى... فبذلت الجهود لتنسيق العمل العربى المشترك إلى أن تبلورت استراتيجية عربية شاملة تحددت فى:
ـ تحمل كل من مصر وسوريا مسئولية القيام بالدور العسكرى الحاسم فى كل من سيناء ومرتفعات الجولان مهيأة الظروف الملائمة لاستخدام باقى عناصر القوة العربية وتحقيق أهداف الحرب.
ـ بعد اشتعال الحرب يبدأ التحرك العربى مرة اخرى من أجل توسيع دائرة الصراع باستخدام جوانب القوة الاقتصادية والسياسية ممثلة فى: استخدام سلاح البترول والأرصدة مع تنفيذ عمل سياسى عربى مشترك يظهر الوحدة العربية فى أقوى صورها. وكان للتحرك السياسى والجهود الدبلوماسية والعربية والمصرية بصفة خاصة قبل شن الحرب فى أكتوبر 73 أثره البالغ فى تأييد دولى للحق العربى... فعلى المستوى الإفريقى تنامت الجهود فى أعقاب مؤتمر القمة فى يونيو 1971 والتى أفرزت لجنة العشرة ثم لجنة الأربعة من رؤساء الدول الإفريقية لتقصى الحقائق... وقد ادت جهود هذه اللجان إلى تحول قطاع كبير من الرأى العام الإفريقى مؤيداً للحق العربى وقام عدد من دولها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل... ثم فى نفس الاتجاه كانت الجهود العربية نحو دول عدم الانحياز... وعلى مستوى المؤتمر الإسلامى... وكذلك على المستوى الأوروبى والذى كان أكثر تضرراً عن غيره من هذا الصراع الدائر فى المنطقة حيث طالبت العديد من الدول الأوروبية بضرورة الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى المحتلة واحترام حقوق الشعب الفلسطينى. والخلاصة ... أنه عندما حدث هذا التضامن العربى القوى قبل وأثناء وبعد حرب أكتوبر أضاف ذلك بُعداً جديداً مدعماً للأمن القومى العربى وظهرت أمة العرب وقتها فى أمجد مواقفها ونالت احترام العالم وتأييده.
لمزيد من مقالات لواء أ .ح مسعد الششتاوى رابط دائم: