رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تمشى فى البياض حتى الغرق

غرق النفس فى الروح ارتفاع بالحياة إلى درجة الملائكية، وتطهير للجسد مما يعلق به من حقد وكره وجزع وكذب ورياء. إن الوظيفة الكبرى للفن بكل أشكاله هى عودة النفس للروح لتطهير الجسد من أدرانه ليمضى فى رحلة العبادة إلى النهاية. فالفيلسوف اليونانى أرسطو المتوفى سنة 322ق.م الذى له أكثر من 400 مؤلف قد أخرج لنا نظرية التطهير التى أخذ مصطلحها العلمى من نفس الاسم العلمى اليونانى (كاثار سيس) أى التنقية والتنظيف، حيث كان أبوه طبيبا فى بلاط الملك أمينتاس فتأثر وهو الفيلسوف بعمل والده وسحب المصطلح إلى العلوم النظرية التى تعنى بفهم دواخل النفس البشرية وما تحتاجه من تعقيم وتطهير لأدران الحياة التى تعلق بها فى رحلتها القصيرة على الأرض المتجهة فيها إلى اكتمال دورتها بالموت والعودة مرة أخرى إلى الله نور الكمال. إن هذه النظرية الفلسفية تضعنا أمام أمرين. الأمر الأول: أن العلوم جميعها والفكر الانسانى كله دوائر تتشابك وتتكامل. الأمر الآخر: الذى دعا له أرسطو فى نظريته تلك هو تمثل الفن: أى أن الانسان يضع نفسه مكان بطل العمل الفنى سواء كان مسرحا أو غناء أو شعرا. عندما يستشعر الانسان أخلاقه التى يود لها أن تكتمل باستقامة الجمال فيه، أو حتى برؤية فجورها واعوجاجها من خلال العمل الفنى فيلتمس طريق النجاة بنبذ ما لا يتفق مع الجمال، وقد أوضح هذا أرسطو من خلال كتابه «فن الشعر».

عندما يقترب الانسان من جوهر الفن وخصوصا الغناء والشعر تنصهر روحه وتطرب حتى تعود إلى استقامتها، إذ إن الموسيقى هى مفتاح الكون وأصله. و لا أنسى (أوبريت) كان يقدم من خلال إذاعة البرنامج العام للأطفال اسمه «عيد ميلاد أبو الفصاد» تأليف وتلحين إبراهيم كجلة وقد أخرجه للإذاعة بابا شارو، هذا الأوبريت البسيط فى عمق علم كل الأطفال وقتها أن أصل الغناء تقليد أصوات الطبيعة، هكذا دون صخب يعلمنا الفن المعضلات الكبرى فى الحياة ربما بقى للأجيال الجديدة من هذا الأوبريت عبارة (يالا حالا بالا هنوا أبو الفصاد) التى يتندر بها الأصدقاء عندما يهنئون بعضهم بعضا بأعياد الميلاد. ونجد الموسيقى أيضا حاضرة بشكل خفى فى ترانيم الكنائس وتلاوة القرآن، وحلقات الذكر.

هكذا قلد الإنسان الطبيعة لترتاح نفسه بمؤانستها ومحاكاتها. وليس غريبا عن وضع قواعد الموسيقى أن تبدأ النوتة »بمفتاح صول« وكأن كلمة مفتاح تعنى مفتاح النفس لترقيق المشاعر والارتقاء عن الدنايا البشرية. كلما تطورت الحضارة وعلت أبدع الانسان لبلوغ الكمال بالموسيقى والغناء، فلحظات اليأس الكبرى وكذلك لحظات الفرح أنجبت لنا ميراثا ضخما من الموسيقى انتفعت به البشرية بالمحاكاة والتطهير، لقد لفت نظرنا ول ديور انت فى »قصة الحضارة« إلى أهمية الشعر والغناء عبر القرون الوسطى فى أوروبا والتى أنتجت شعرا جميلا ربما كان له أثره الفعال فى تجربة دانتي. ولدينا فى التراث العربى كتاب من أهم الكتب التى أبقاها لنا التاريخ ألا وهو «الأغاني» لأبى الفرج الأصفهاني.

وأشير فى النهاية إلى ضرورة الغناء الراقى وتعليمه لطلابنا فى المدارس لترفل النفس فى بياض وشفافية تصل بهما إلى حقيقة وجود الله الحق المطلق. فلا أعتقد أن من ترقى روحه يكون معولا للهدم الأخلاقى أو الانسانى بل سيكون يدا للبناء.


لمزيد من مقالات شيرين العدوى

رابط دائم: