رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

البيت.. الوطن

عاد تسبقه فرحته.. إلى بيته الذى تحول إلى كومة من التراب.. إلى مدينته التى تحولت إلى أطلال.. إلى شارعه الذى فقد معالمه.. لايهم كل هذا.. المهم أنه عاد إلى بيته.. إلى أرضه.. إلى جذوره.. إلى الوطن.. إلى سوريا.. إنها اللحظة التى ظل يحلم بها منذ أن اضطر إلى الرحيل إلى لبنان.. الدولة التى استضافته عندما انضم لقوافل اللاجئين النازحين الفارين من جحيم الحرب التى اندلعت فى سوريا منذ سنوات ولم تخمد نيرانها حتى الآن.. وهو يقف أمام كاميرات التليفزيون التى كانت تسجل فى الأسبوع الماضى مشهد عودة سكان احدى مدن جنوب سوريا إلى منازلهم.. لم يجد كلمات يعبر بها عن مشاعره.. أشار إلى بيته الذى كان يقف أمامه.. والذى تحطم سقفه وجدرانه قائلا بثقة: «سأبنيه من جديد.. المهم أننى عدت»..

جاره الذى عاد معه قال: «لايوجد أجمل من بيت الإنسان.. حتى لو نام فيه على حصيرة.. حتى لو كان كوخا صغيرا.. فى الغربة كنت أدعو الله كل مساء أن أعود إلى بيتي.. إلى فراشي.. إلى مقعدى الذى اعتدت أن أجلس عليه بجوار النافذة»..من ضمن العائدين رجل تقترب سنه من الثمانين قال: «كل يوم كنت أقول لابني.. لما أموت ادفنى يابنى فى بلدي.. ادفنى فى سوريا».. عائد آخر قال: «أشعر بأنى محظوظ لأنى عدت إلى بيتى سالما أنا وأولادي».

نعم.. هو محظوظ.. فهناك من فقدوا أبناءهم وهم ينتقلون من مكان إلى آخر بحثا عن مأوى آمن مثل السورى «عبدالله الكردي» الذى قرر ذات صباح حزين أن يترك بيته قبل أن ينهار فوق رأسه وأن يرحل إلى بلد لايستيقظ فى صباحه على دوى المدافع وصراخ الجرحي.. ولاينام فى مسائه على صوت الانفجارات وأنين المنكوبين.. وهو يغلق باب منزله للمرة الأخيرة بكت زوجته.. وغضب طفلاه «آلان» و «غالب» لأنه منعهما من أخذ اللعب.. هذا الرجل لو كان على قيد الحياة وقدر له أن يعود إلى سوريا فسيعود دون ابنه «آلان».. طفله الملاك البريء الجميل ذو السنوات الثلاث الذى ظهرت صورته منذ نحو ثلاثة أعوام فى معظم صحف العالم وهو يرتدى سروالا قصيرا أزرق وقميصا أحمر.. بعد أن لفظته أمواج البحر.. لتستقر جثته على شاطيء يقع قرب أحد المنتجعات التركية الشهيرة.. صورة جسدت المأساة المروعة التى تعيش فيها سوريا منذ عدة أعوام.

نعود إلى العائدين الذين أجمعوا على أن حلم العودة لم يفارق خيالهم خلال سنوات الغربة لحظة واحدة.. فلا شيء فى العالم يوازى بيت الإنسان.. بكوا جميعا لحظة أن وطئت أقدامهم أرض الوطن.. غمرتهم فرحة لامثيل لها ولايمكن وصفها.. فسجدوا لله شاكرين.. مشهد يدفع كل من ينام فى بيته تحت سماء وطنه إلى أن يسجد هو أيضا شاكرا لله.


لمزيد من مقالات عايدة رزق

رابط دائم: