رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إصلاح الأمم المتحدة.. أم نظام دولى جديد؟

فى الدورة رقم 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، غاب الرئيسان الروسى والصيني، فلاديمير بوتين وشى جين بينج، وحضر سؤالان: هل اقترب ظهور نظام عالمى جديد ينهى مرحلة الاحتكار الأمريكى للقرار الدولي؟ وهل يتمكن هذا الثنائى القوى من حشد تأييد دولى لهذا النظام، فى مواجهة الأمم المتحدة الخاضعة للهيمنة الأمريكية؟

مصر كانت، ولا تزال، بين أكثر الدول الأعضاء حرصًا على بقاء وقوة وفاعلية الأمم المتحدة، التى شاركت فى تأسيسها منذ 73 سنة. وجعلتنا رومانسيتنا الزائدة، نحلم بأنها يمكن أن تكون بيتًا للدول والشعوب ومظلة واحدة ووحيدة يجتمع تحتها البشر على اختلاف أجناسهم، وألوانهم ولغاتهم، وعلى تباين أهدافهم السياسية أو حتى تناقضها. ونادت مصر، مع من نادوا، بأن تظل أعمدة المنظمة الدولية قائمة، وأن يتم تأمين تمويلها بما يضمن لها الاستمرار. وطالبنا مع من طالبوا بإعادة ترتيب البيت الأممي، وإعطائه قبلة حياة، كانت ولا تزال فى أمسِّ الحاجة إليها. ولا نزال نؤمن بأن المنظمة قادرة على تجاوز التشكيك فى جدواها ومصداقيتها من خلال استعادة المبادئ السامية التى تأسس عليها ميثاق المنظمة، والعمل وفقا للأولويات التى تناولتها، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، الثلاثاء الماضي، فى كلمته أمام الجمعية العامة.

قال الرئيس ذلك، بينما قال الواقع إن قواعد ومبادئ ذلك الميثاق الأممي، لم توضع إلا ليتم خرقها، لو لم تحقق أهداف الدول الخمس الكبار، دائمة العضوية فى مجلس الأمن. وغير أن الأمم المتحدة لم تستطع منع نشوب حروب، فقد ظهر عجزها وعدم فاعليتها فى مواجهة تحديات كثيرة، بسبب اختلافات رؤى تلك الدول، أو تضارب مصالحها. كما لم يحدث، أبدًا، أن التزمت دول عديدة، أبرزها الولايات المتحدة، بقرارات صدرت عن غير رغبتها أو تعارضت مع مصالحها، ولم يحدث أن ووجه خرقها للشرعية الدولية، وانتهاكاتها المتكررة لقرارات أممية، بأى رد فعل. والأكثر من ذلك، هو أن الأمم المتحدة صارت نذير شؤم، وبات شائعًا أن مندوبيها إذا دخلوا دولة أفسدوها، أو اصطحبوا معهم الخراب، ومنهم مَن كانوا شهودًا متفرجين على حروب ومذابح، أو أطرافًا متورطين فيها.

النظام الدولى العادل والفاعل، لن يتحقق إلا بتوازن المصالح والمسئوليات. وبالتالى لا يمكن الحديث عن إصلاح بدون «تمثيل متوازن» داخل الأمم المتحدة. إذ ليس معقولًا أن تظل الدول الخمة التى خرجت منتصرة فى الحرب العالمية الثانية هى المسيطرة على كل الأمم. وليس مقبولًا أو معقولًا أن يستمر العمل بمبدأ يرجح كفة العضو الدائم، حتى لو كانت كل دول العالم فى الكفة الأخري. وعليه، ظهرت منذ تأسيس الأمم المتحدة فى اكتوبر 1945، أصوات عديدة، طالبت بتغيير الأنظمة واللوائح التى تحكم عمل المنظمة، وظهرت مشروعات كثيرة لـ«التطوير الأممي». لكن كل تلك المحاولات اصطدمت بالمادة 108 من الميثاق التى تشترط لإجراء أى تعديلات موافقة ثلثى أعضاء الجمعية العامة، بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين. هكذا، ظلت الأمم المتحدة عاجزة وعديمة الفاعلية، وظل أمينها العام لا يكاد يفعل شيئًا غير إبداء قلقه مما وصلت إليه الأوضاع فى هذه الدولة أو تلك المنطقة، بعد أن تمكنت الدول الدائمة العضوية، والولايات المتحدة تحديدًا، من تحجيم وتقزيم دوره. وهناك ما يؤكد أن واشنطن تملى عليه الخطوط العريضة للسياسة التى يتعين عليه اتباعها. كما أن المنظمات الفرعية أو المتخصصة، يسيطر عليها موظفون دوليون وسياسيون حاليون وسابقون، ورؤساء جماعات ضغط، ومنظمات غير حكومية ومستثمرون ووسطاء. وعبر هؤلاء، استطاعت دول صغيرة، بأموالها، توجيه سياسات تلك المنظمات، وجعلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، مثلًا، تحترف التشهير الإعلامى وتقوم بتسييس بياناتها، وتتجاوز صلاحياتها، وتتشدق بعبارات وشعارات غير منضبطة، يمليها عليها مَنْ يدفع أو مَنْ يُمسك بـالـ ِ«ريموت كنترول» الذى يحركها. إصلاح الأمم المتحدة، إذن، يظل مرهونًا برغبة الدول الخمسة، التى لا ترغب ثلاثة منها إلا فى بقاء الوضع على ما هو عليه: الولايات المتحدة، إنجلترا وفرنسا. بينما تتجه العلاقات بين الصين وروسيا نحو الشراكة الشاملة سياسيًا واقتصاديًا، بعد قفزة كبيرة حققتها علاقات البلدين العسكرية خلال السنوات الأخيرة. ولعبت سياسات واشنطن دورًا أساسيًا، فى تعزيز التقارب بين موسكو وبكين ووضعتهما أمام حتمية الرد المشترك على التهديدات التى أطلقها الرئيس الأمريكى واستراتيجية العقوبات والحرب التجارية مع الطرفين.

مع استعادة روسيا الاتحادية بعض ما كان لها زمن الاتحاد السوفييتي، ومع تمدّد الصين شرقًا وغربًا وسعيها إلى ملء أى فراغ تتركه الولايات المتحدة، ومع النشاط المشترك للدولتين فى المجموعات الإقليمية المختلفة التى ترتبط بهما بشكل وثيق مثل مجموعة شانغهاى للتعاون، ومجموعة التكامل الاوروآسيوي. مع كل هذا وذاك، يمكننا أن نتوقع ظهور نظام عالمى جديد ينهى مرحلة احتكار الولايات المتحدة للقرار الدولي. ويمكننا الرهان على أن يتمكن هذا الثنائى القوى من حشد تأييد دولى واسع لهذا النظام، يجعله قادرًا على مواجهة الأمم المتحدة، بل وعلى كتابة شهادة وفاتها.


لمزيد من مقالات ماجد حبته

رابط دائم: