بعيدًا عن المبالغات فإن الأمر عندى هو أهم خبر خلال القرنين الفائتين، وهو فاتحة خير أو بالبلدى بشرة خير بغير حدود، وبه ومنه يكون الضمان الوحيد لمستقبل مضيء لهذا البلد.. إنه ما قاله الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم ونصه: إحنا مش ناويين ننجح حد فى الابتدائية من غير ما يتعلم القراءة والكتابة.. هسقطه 1000 مرة لحد ما يتعلم، ثم وبالأهمية نفسها ما جاء منسوبًا للسيد الوزير بأن هناك تغييرًا فى ثقافة المعلمين من التلقين إلى الحوار.. وأن هناك اتفاقًا مع فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على تدريب المعلمين، وتطبيق مناهج النظام الجديد نفسها، والتابلت على طلاب الأزهر، وتطبيق آليات النظام الجديد، وتوحيدها خلال الفترة المقبلة!.
وتسألنى حضرتك لماذا منذ قرنين؟! فأجيب باختصار شديد أن محنة التعليم، ومن ثم الثقافة والوجدان، ومن ثم الواقع الاجتماعى والاقتصادى والبعد الحضاري، بدأت فى مصر الحديثة عندما لم يستطع محمد على باشا أن يقيم نظامًا موحدًا للتعليم، ولم تستطع الحكومات المصرية المتعاقبة بعد ذلك توحيد آليات النظام التعليمى فى مصر، ولذلك فأن تأتى لحظة يصدر فيها كلام كالذى يقوله الوزير طارق شوقي، ويتحول إلى إجراءات تنفيذية، فهى عندى لحظة التحول التاريخى الجذري، الذى سيقود كل الجوانب فى حياتنا، وفى مقدمتها الثقافة وضمنها الخطاب الدعوى الدينى والعقلية الجمعية المصرية بوجه عام!.
وقبل أن استطرد أحكى واقعة حدثت منذ أقل من عشر سنوات، وكانت حوارًا بينى وبين وزير التعليم العالي- آنذاك- وكان الوزير يتكلم فى أحد الصالونات الثقافية، ومما قلته للوزير- آنذاك- إن محنة مصر تكمن فى ازدواج النظام التعليمى بين جهة تعتمد على الحفظ والتلقين والاستظهار وبين جهة أخرى تعتمد الفهم والحوار والنسبية فى الأمور.. ولأنه تعليم مزدوج متوازى الخطوط فلم يحدث أى التقاء بين النموذجين، وحدث ازدواج فى الثقافة والوعى ليؤول حالنا إلى المحنة التى نحياها الآن.. وكان رد الوزير شديد الأدب والتهذيب: لا تؤاخذنى فلان بك. أنا لم أفهم كلمة واحدة مما قلت.. وضحك الحضور وازداد ضحكهم عندما قلت شكرًا هكذا يطمئن المرء على التعليم العالى فى المحروسة! ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الأذهان والأقلام المهمومة بما نحن فيه من مصيبة فادحة عن الحديث فى شأن التعليم وقضية الازدواج المنهجى فى نظامنا التعليمى بين التعليم العام والجامعى وبين الأزهر بمعاهده وكلياته.. ثم جاءت الطامة الكارثية بالإرهاب، وشهد الجميع كيف لم يتوقف رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى عن المناداة بالتجديد، خاصة فى الخطاب الديني، وكدنا بصراحة تامة أن يفتك بنا اليأس.. أو هو بالفعل بدأ منذ زمن فى الفتك!. لذا فأن تأتى ونحن على قيد الحياة لحظة يعلن فيها المسئول الأول عن التعليم ما أعلنه عن أمية المتعلمين، وعن التنسيق مع الأزهر ليصبح لدينا آليات واحدة للنظام التعليمي، وتطبق فى مختلف أنظمة التعليم فهذا أهم وأخطر خبر وإنجاز عبر القرنين، أى منذ محاولة عمنا الشيخ حسن العطار إصلاح النظام التعليمى بالأزهر ولم ينجح، وخشى محمد على بكل جبروته من المشايخ التقليديين- آنذاك- فاتجه لتأسيس تعليم موازٍ. ولأن حديث الأمية أطول من الليلة السوداء، فإن هناك استكمالًا حتميًا للمشوار الذى يبدأ بنجاح ما أعلنه الوزير الفذ طارق شوقي، بأنه لن يسمح بنجاح أى تلميذ فى الابتدائية بدون إجادة القراءة والكتابة حتى لو رسب ألف مرة، ويستمر إلى القضاء على مختلف أنواع الأمية، وعندى أقرب مثال هو ذلك الوزير الذى كان صريحًا وواضحًا بأنه لم يفهم كلمة واحدة عن ازدواج التعليم وازدواج الثقافة والوجدان، لأننى متأكد أن معاليه كان متفوقًا فى دراسته ومتعمقًا فى تخصصه، ولكنه يعانى من الأمية الثقافية، وقس على غراره حالات بغير حصر للمصابين بالأمية السياسية والأمية الدينية، والأمية الثقافية، وكذلك وللأسف الأمية الأخلاقية، التى تتجلى أكثر ما تتجلى فى السلوك اليومي، لأنك قد تجد ممتطيًا سيارة آخر موديل من أغلى وأقوى الأصناف التى لا يجرؤ أمثالنا على التفكير فى اقتنائها، وتجده منتفخًا تتدلى الإكسسوارات الذهبية حول رقبته ومعصميه وفى أصابعه، ومعها فصوص الجواهر الثمينة، وتجده مُصرًا على مخالفة قواعد السير وآداب المرور، وتجده أيضًا لا مؤاخذة يمارس توسيخ الشارع النظيف بعلب السجائر وأعقابها!
لقد أعلن الرئيس السيسى أن الفترة المقبلة ستشهد التركيز على بناء الإنسان.. وأول لبنة فى هذا البناء هى التعليم.. وأول «مدماك» هو التعليم.. وأول حائط متين هو التعليم، وأقوى سقف هو التعليم.. ويكفى أننا أمة هجرت عن عمد وعن إهمال.. وعن استهبال أول أمر إلهى لا يقل وجوبًا عن الأوامر بإقامة الصلاة والصوم والحج والزكاة، وهو اقرأ.. الذى هو أيضًا فى البدء كان الكلمة!. تحية من الأعماق للوزير الواعى الشجاع.. وليتنا نجد سبيلًا لدعمه عمليًا، لأن ما لدينا هو دعم العاجز.. أى الكلام!.
لمزيد من مقالات ◀ أحمد الجمال رابط دائم: