سؤال واحد يتردد فى أذهان سكان كوكب الأرض منذ قديم الزمان وإلى هذا الزمان وإلى ما بعد هذا الزمان. إنه السؤال عن وجود الله. ومن حيث هو كذلك فالأجوبة متعددة إذ ليس من بينها جواب حاسم يريح العقل فيركن إلى اليقين الذى يُفضى بدوره إلى الشعور بالأمن والأمان. ومن حيث هو كذلك أيضاً تمرد على مبدأ عدم التناقض الذى يعنى ضرورة إقصاء أحد الطرفين المتناقضين إذا ثبت صدق الطرف الآخر. وتعدد الأجوبة مع عدم قدرة العقل على معرفة الجواب الصادق يعنى إبطال إعمال مبدأ عدم التناقض.
ومع بداية العصر الحديث أراد الفيلسوف الفرنسى ديكارت الذى قيل عنه إنه أبو الفلسفة الحديثة أن يتجنب إعمال مبدأ عدم التناقض، ومن ثم يتجنب إقصاء أحد الطرفين المتناقضين فى شأن السؤال القائل بأن الله إما موجود وإما أنه غير موجود فارتأى إثارة هذا السؤال ولكن على نحو مغاير وهو أن يكون السؤال عن وجوده هو ذاته، ومن ثم تساءل: هل هو موجود أم غير موجود؟ وكان جوابه أنه موجود لأنه فى حالة تفكير دائم، ومادام هو كذلك فهو اذن موجود. ثم اتجه بعد ذلك من إثبات وجوده إلى إثبات وجود الله. إلا أن هذا الاتجاه لم يكن متسقاً مع السلطة الدينية إذ ارتأت فيه مخالفة غير مشروعة لأن اثبات وجود الانسان يلزم أن يأتى بعد إثبات وجود الله. ومعنى ذلك أن الله له الأولوية على الانسان. وفى هذا المعنى بدأت هذه السلطة فى مطاردة ديكارت فهرب إلى هولندا التى كان يقال عنها فى حينها إنها دولة ملحدة بدعوى أن حرية الرأى فيها مكفولة للكل بلا حدود. والجدير بالتنويه هنا أننى عندما ارتحلت إلى امستردام عاصمة هولندا للمشاركة فى مؤتمر فلسفى لمحت لوحة معلقة على إحدى الشقق فى إحدى العمارات مكتوباً عليها بيت ديكارت. وفى هذه الشقة تمكن ديكارت من الانتهاء من كتابه المعنون قواعد المنهج فى عام 1928. ثم انشغل بعد ذلك فى إجراء بحث فى علم الفيزياء فى السنوات الخمس التالية لذلك العام. إلا أنه فى ذلك الانشغال لم يكن جباناً ولكنه كان حريصاً للغاية ودبلوماسياً إلى أقصى حد، إذ نما إلى علمه خبر استدعاء ديوان التفتيش لجاليليو فى 13 فبراير 1633 وبسؤاله عن موقفه من نظرية بطليموس الخاصة بدوران الشمس حول الأرض أقر بصحة النظرية فطُلب منه أن ينكر نظرية كوبرنيكس الخاصة بدوران الأرض حول الشمس وأن يقسم بأنه سيواصل هذا الانكار فأنكر وأقسم وهو راكع على ركبتيه، ثم وقع بامضائه على صيغة الانكار والقسم. ويروى أنه بعد التوقيع ضرب الأرض برجله وقال ومع ذلك فهى تدور. وإثر ذلك تذكر الحكم على العالم الفلكى الايطالى جيوردانو برونو بالاعدام حرقاً فى 17 فبراير 1600 لتأييده نظرية كوبرنيكس، كما تذكر الحكم بالحبس مدى الحياة على العالم الفلكى الايطالى تومازو كمبانيلا لنشره كتاباً عنوانه دفاعاً عن جاليليو فى سنة 1622. وفى هذا السياق أحجم ديكارت عن نشر كتابه المعنون مقال فى العالم أو فى الضوء فى عام 1933، ولم ينشر إلا بعد وفاته بسبع وعشرين سنة، أى فى سنة 1977. إلا أنه تجرأ بعد ذلك على إصدار كتابه المعنون تأملات فى أسس الفلسفة« فى عام 1941، وكتاب آخر بعنوان مبادئ الفلسفة فى عام 1944. ومع ذلك قيل عن ديكارت إنه ملحد. ومع ذلك أيضاً ظل السؤال عن وجود الله مشروعاً وبلا إدانة فى القرن العشرين.
فقد صدر كتاب فى عام 1978 عنوانه: هل الله موجود؟ لأشهر عالم لاهوتى مثير للجدل فى القرن العشرين اسمه هانس كنج. فكرته المحورية أن فى إمكان الانسان الذى يستهويه العلم والتقدم أن يكون مؤمناً بوجود الله ولكن بشرط أن يكون على وعى بتعدد صور الله فيما بين الفلاسفة والأديان. فصورة الله عند الفلاسفة مجردة وغير محددة وفى الأغلب بلا اسم, أما صورة الله فى الأديان فهى وإن كانت واضحة إلا أنها مختلفة من دين إلى آخر. وهذه إشكالية يلزم أن تكون مقبولة وإن كانت تنطوى على شيء من التوتر.
وفى عام 1993 صدر كتاب عنوانه الرئيسي: هل الله موجود؟, وعنوانه الفرعى مناظرة بين المؤمنين والملاحدة, ويقول محرر الكتاب فى مقدمته إن الغاية من تأليفه لفت الانتباه إلى ما يحدث من تغيرات فى أحوالنا الحياتية والمرتبطة بمسألة وجود الله، وإلى أن يجتهد القارئ فى المفاضلة بين براهين وجود الله وبراهين عدم وجوده بأسلوب عقلاني. وأيا كان الرأى فالمطلوب من القارئ قبل كل شيء أن تكون مسألة وجود الله فى مقدمة المسائل.
وفى هذا السياق يكون الفيلسوف الانجليزى أنتونى فلو نموذجاً على ما يطلبه محرر الكتاب. فقد انغمس هذا الفيلسوف فى الدعوة إلى ما كان يطلق عليه مصطلح الانسانية الملحدة والذى عبر عنه فى كتاب أصدره بنفس المصطلح فى العام ذاته، أى فى العام الذى صدر فيه كتاب هل الله موجود؟ وفيه أشار إلى أسس الالحاد التى بمقتضاها لا يمكن الاعتقاد بأن هذا الكون مخلوق من الله. ومع ذلك فقد فاجأ هذا الفيلسوف عالم الفلاسفة بإصدار كتاب عنوانه: الله موجود وكان ذلك فى عام 2007، وفيه يحكى مادار فى ذهنه من أفكار جديدة دفعته إلى التحول من ملحد إلى مؤمن. وفى عام 2009 صدر كتاب عنوانه: مسألة الله, للمفكرة كارن آرمسترونج. فماذا ورد فى ذلك الكتاب؟
لمزيد من مقالات ◀ د. مراد وهبة رابط دائم: