رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بدعوة من «الأهرام».. سارتر فى مصر

رانيا حفنى;

جون بول سارتر..هو أكثر مثقفى العالم شعبية فى القرن العشرين نظرا لتأثيره الواسع كفيلسوف وكاتب فى الشارع العربى ولتحوله الى ظاهرة تأرجحت بين القبول والرفض.. كما كان لجان بول سارتر تأثير واسع فى تجارب المثقفين المصريين والعرب الذين أعجبوا بموقفه عندما رفض جائزة نوبل وانحازوا له ولأفكاره، وتأثروا ايضا بأفكار سيمون دى بوفوار التى كانت نموذجًا يحتذى بالنسبة للفتاة المصرية والعربية..فكتاباتهما قد تركت آثارًا بالغة فى الوجدان والعقل المصريين من خلال الترجمات التى كانت تصدرها دار الآداب اللبنانية.

بدأ سارتر يهتم بالقضية العربية وبمصير الشعب الفلسطينى المضطهد وأدان الاستعمار الفرنسى فى الجزائر وفضح ما يقوم به من التعذيب والتخريب، وألوان السلب والنهب والاعتداء. وفى سنة 1965 عبّر سارتر من جديد عن تعاطفه مع الثورة المصرية معلنا رغبته القيام بزيارة إلى مصر وإسرائيل وتسخير عدد خاص من مجلته «الأزمنة الحديثة» لفتح حوار بنّاء بين اليسار العربى واليسار الإسرائيلى يوضح أطروحات كل منهما.

وقامت مجلة الطليعة التى كانت تصدرها «الأهرام»، بتوجيه الدعوة التى حملت اسم كاتبنا الكبير توفيق الحكيم أيضا.. إلى الفيلسوف الفرنسى العالمى الشهير سارتر، والكاتبة الفرنسية سيمون دى بوفوار لزيارة مصر فى مارس 1967. وحسب محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام» وقتها فى كتابه «الانفجار 1967»: «كان الزائران طليعة حركة التجدد الثورى فى فرنسا وأوروبا، فضلًا عن أن سارتر كان مؤسس المدرسة الوجودية فى الفلسفة، وكانت دى بوفوار حليفه الضخم فى معركة إعادة اكتشاف وتجديد حيوية المجتمعات الأوروبية فى فترة منتصف الستينيات وما حولها».

قام الكاتب لطفى الخولى رئيس تحرير «الطليعة» بالإشراف على الزيارة، وصرح بأن لها هدفين، هما معايشة التجربة المصرية الثورية التى يقيم بها الشعب العربى المصرى، تجربته الاشتراكية لأول مرة فى هذه المنطقة.وأن سارتر ورفاقه طلبوا أن يتعرفوا على المعلومات الدقيقة عن القضية الفلسطينية ومشكلة اللاجئين، وطلبوا زيارة غزة التابعة للإشراف المصرى،وكان معهما ضيف ثالث هو لانزمان، الكاتب اليهودى الشيوعى صديق إسرائيل وقد جاء الضيوف بطائرة خاصة، واستمرت الزيارة 16 يومًا. وجاءت زيارته تلك بعد رفض دعوات كثيرة من قبل بدعوى تشككه فى جدوى التجربة الاشتراكية المصرية والقائمين على تطبيقها، كما كان مطالبا بابداء الرأى فى النزاع العربي-الإسرائيلى..وبالطبع كان من المعروف أنه سيزور اسرائيل بعد زيارته القاهرة. وفى موْتمر صحفى عقد فى المطار أعلن سارتر أنه لم يأت ليعلم الناس الوجودية وإنما جاء بهدف التعرف على الطريق العربى للاشتراكية..وفى فندق شبرد يجد احتفالا كبيرا فى استقباله. وفى الصباح قام بزيارة معهد الفنون المسرحية ليشاهد مسرحيته الشهيرة «جلسة سرية» وفى مكتبة المعهد رأى عرضا لكتبه ومسرحياته ومنها ثلاث ترجمات مختلفة للمسرحيه التى رأى أحد مشاهدها، فمرة تحت عنوان «رفعت الجلسة» ومرة تحت عنوان «الجحيم هم الأخرين» والثالثة بعنوان «من ثقب الباب».

زيارته الزعيم عبد الناصر

فى 9 مارس 1967 تم اللقاء بين سارتر والرئيس جمال عبدالناصر و حضره هيكل وإن كان فى كتابه «الانفجار 1967»، لم يشر إلى شخص لانزمان. الذى حضر اللقاء، لانه كان من المفروض أن يقتصر على سارتر ودى بوفوار، وفجأة أعلن عبدالناصر أنه لا ضير أن يكون معهم لانزمان.

الطريف أنه تم حذف صور لانزمان لأنه كان يرتدى قميصا مفتوحا وكان طوال الوقت يضع يده فى جيبه يراقب الحوارات ولا يشارك فيها، بل كان فى بعض الصور يجلس وساقه فوق الأخرى ولم يأبه عبدالناصر إلى هذه التصرفات،.. وعن هذا اللقاء قال سارتر إنه لم يكن يعرف الكثير عن الثورة المصرية، وما كان يعرفه كان من مصادر إسرائيلية أو غربية قد تكون معادية لمصر، بل إنه يستطيع أن يشهد بهذا العداء بعد أن رأى ما رأى، لكنه يرى من واجبه أن يثير موضوعًا آخر يتعلق بحقوق الإنسان، فمنذ وصل تلقى فى فندقه خطابات يشكو أصحابها من ضغط واقع عليهم. فرد عبدالناصر: « أنت وأنا نستطيع أن نتصور نوع الناس الذين يعرفون فى مصر عنك وعن السيدة سيمون دى بوفوار، بالطبع إنهم الطبقة التى تقرأ الفرنسية أو تقرأ غيرها من اللغات الأجنبية وتتابع الأدب العالمى، وأنا لا ألومهم إذا وجدوا سببًا لأن يكتبوا إليك.. أستطيع وتستطيع معى أن تقطع أنهم من كبار الملاك السابقين، وقد حددنا ملكياتهم ولا أظنهم يحبون ذلك أو يقبلونه، وهم لا يستطيعون وقف حركة الثورة، وبالتالى فإنه لا مانع عندهم من أن يشتكوا إلى كل من يتصورون أنه قادر على سماع صوتهم وعلى إسماعه، فهذه هى الطبيعة الإنسانية وأنا أفهمها، ولكنى فى الوقت الذى أرى فيه دموع الأغنياء لابد أن أتذكر قهر الأغلبية التى كانت غريبة فى وطنها لا تملك فيه شيئًا».

كما سألت دى بوفوار عن تعليم المرأة، وتعدد الزوجات، وتأثير الدين فى حياة المجتمع، ومشكلة زيادة السكان، فقال عبدالناصر: «لا أريدك أن تأخذى بمقولة أن الإسلام يمكن أن يكون عائقًا للتطور، فميزة الإسلام فى رأيى أنه دين مفتوح على كل العصور وكل مراحل التطور، وأنا دائمًا أنقل عن النبى محمد قوله داعيًا الناس إزاء مستجدات العصور «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، وبالنسبة لتعدد الزوجات، فأنا لا أرى أن الإسلام يتركها رخصة مفتوحة، وإنما مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبًا بل تكاد تجعله مستحيلًا، والدليل على ذلك ما نراه عمليًا أمامنا، ومؤداه أن ظاهرة تعدد الزوجات تتلاشى تدريجيًا فى المجتمع المصرى».

وتحدث سارتر عن ان هناك مجموعات فى إسرائيل، خصوصًا من اليسار، يتفهمون قضية الشعب الفلسطينى، فرد عبدالناصر: الموضوع ليس مشكلة تفهم، وإنما يتلخص فى مشكلتين، الأولى هى الهجرة إلى إسرائيل، فإسرائيل لن تتسع للقادمين إليها، وستلجأ للتوسع، وهذا يؤدى إلى الحرب، والمشكلة الثانية أنه إذا كان هناك من يتفهم مشكلة الشعب الفلسطينى كما تقول من اليسار الإسرائيلى، فلا أظن أن لديهم ما هو أكثر من الألفاظ والتعاطف بها، ببساطة لأن أهم حقوق الشعب الفلسطينى هى حق العودة، فإذا عادوا سيصبحون أغلبية، وعندئذ تذوب فكرة دولة إسرائيل، وتعرض اللقاء إلى قضايا أخرى.

زيارته الأهرام

وكان سارتر مثار إعجاب كثير من الكتاب المصريين، وكانت الفلسفة الوجودية تعمل فى الكتابات المصرية بشكل واسع، وتركت أفكارًا ومشاعر فيما يكتبه المصريون، ولا نستطيع إنكار أثر هذه الفلسفة فى كتابات جيل الستينيات. وكان الاحتفاء الصحفى كبيرا للكاتبين، فأصدرت مجلة «الهلال» عددا كاملا عن جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار، وخصصت مجلة «الفكر المعاصر» ملفا شاملا عنهما، كما أفردت مجلة «الطليعة» اليسارية ملفا أيضا، ونشرت محاضرة سارتر التى ألقاها فى جامعة القاهرة فى حشد كبير من المثقفين المصريين، كما نشر لطفى الخولى كتابا صدر عن سلسلة «اقرأ»، عبارة عن حوار طويل مع الفيلسوف الفرنسى المرموق جان بول سارتر. وقد حضر سارتر الى جريدة «الأهرام»، وكان فى استقباله عدد كبير من كبار الكتاب المصريين. وذكر هيكل أنه طلب من توفيق الحكيم أن يكون مضيفه باسم الأهرام ورفيقه طوال فترة وجوده فى مصر.. ووافق الحكيم ولكنه جاءه فى اليوم التالى غاضباً وقائلاً: «أنا لست أقل من سارتر حتى أكون مرافقاً له فى رحلته إلى مصر». فكان رد هيكل: أنت لست مرافقاً ولكنك المضيف باسم الأهرام « وهنا اقتنع. ولقد اكتشف هيكل فيما بعد أن الحكيم كان خائفاً من أن تخونه لغته الفرنسية أمام سارتر، وقد كان بالفعل متشككا فى البداية ولكنه انطلق بعد ذلك ليتحدث بطلاقة.

وأوضح سارتر خلال زيارته الأهرام سبب انقطاعه عن كتابة الرواية واتجاهه لعالم المسرحيات مشيرا إلى أنها الأنسب لعرض أى قضية. كما أشار إلى قراءته مسرحيات الحكيم المنشورة بالفرنسية موضحا أنه استشعر أن النساء فى تلك المسرحيات اذكى من الرجال وهو أمر لم يلاحظه النساء فى مصر وبالعكس وصفوه بأنه عدو للمرأة.

سارتر فى جامعة القاهرة

القى سارتر أيضا محاضرة فى جامعة القاهرة فى حشد كبير من المثقفين المصريين، كما قام بحوار مع التليفزيون المصرى، و أجرى الحوار معه الدكتور على السمان، رئيس لجنة حوار الثقافات والأديان.

و تم تسجيل الحلقة فى باريس عام 1966، وتحدث فيها سارتر حول زيارته مصر، ورؤيته للأوضاع السياسية فى المنطقة العربية خلال تلك الفترة. فى زيارة سارتر جامعة القاهرة.. وقف لطفى الخولى أعلى درجة من الدرجات إلى مدخل قاعة الاحتفالات الكبرى فى جامعة القاهرة، التى احتشدت بكبار المثقفين مثل توفيق الحكيم، ومحمد القصاص، وعبدالرحمن بدوى، وعشرات من رجال الاعلام الذين كانوا يمثلون الأطياف المختلفة لتيارات الثقافة العربية المعاصرة. وقد القى محاضرة بعنوان «دور المثقفين فى المجتمع المعاصر» نشرتها مجلة الطليعة فى ملف خصصته عنه فى أبريل من ذات العام.

«كمشيش والحرانية» لهم نصيب

كما زار سارتر «كمشيش» إحدى قرى مركز تلا فى محافظة المنوفية، تلك المدينة الثورية، التى توافق هوى هذا الرجل اليسارى، وكان لها نصيب كبير من تلك الزيارة.. لمقابلة شاهندة مقلد زوجة المناضل صلاح حسين، الذى قتل فى أثناء مقاومته للإقطاعيين من عائلة الفقى.

كما زار منطقة الحرانية واعجبه صناعة الكليم الذى نسجته أنامل الفلاحين والفلاحات، وغزت شهرته أوروبا،. وقد تدخل لانزمان مدير تحرير مجلته، لينهى حالة الانبهار التى تولدت لدى سارتر، مذكرا إياه والحاضرين بأعمال مارك شاجال. ومن الحرانية إلى هرم سقارة إلى الأقصر، لا يخفى سارتر إعجابه بالآثار المصرية، لينطلق إلى السد العالى حيث يقف أمام حشد ضخم وينتهى اللقاء بدعوة من عمال السد العالى..

وبعد عودتها إلى فرنسا كتبت سيمون دى بوفوار عن رحلتها إلى مصر،و فصلا ضمن كتاب صدر عن دار جاليمار.

ما كتبته سيمون يكتسب أهمية لأنه يضم انطباعات عديدة تشمل نواحى سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية..فقد أتيح لها برفقة سارتر ولانزمان أن يتنقلوا بين القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان وبين قرى مثل كمشيش واحياء شعبية كحى القلعة وشارع محمد على..وقد امتلكت عينا فاحصة واهتمت بكل صغيرة وكبيرة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 3
    ابو العز
    2018/09/07 10:07
    0-
    0+

    زار جامعة الأسكندرية ...
    فقمنا بالتصفير له , فلم يعجبه صفيرنا , وقام المترجم بافهام الطلبة ان الصفير بالغرب علامة استهجان لا اعجاب ؟! ..
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 2
    ابو العز
    2018/09/07 09:15
    0-
    0+

    كلية الاداب جامعة الاسكندرية
    غاب عن محدثنا ان سارتر كان قد القى محاضرة في كلية الاداب جامعة الاسكندرية وقد حظيت بالاستماع لها وكذلك بالسلام عليه.ان اخطر ما في الموضوع هو ما قاله سارتر بعد زيارته لقطاع غزة واقواله عن حق اسرائيل في البقاء والوجود ليت الراحل الكبير عبد الناصر فضل ان تكون زيارة هذا الفيلسوف وصاحبه الاسرائيلي بعيد زيارته للاراضي المحتلة حتى يتسنى له وللمثقفين المصريين حسن الرد عليه وعلى افكاره وافكار من معه .رحم الله جمال عبد الناصر وغفر له .
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 1
    د.سعـد بساطة
    2018/09/07 06:55
    0-
    0+

    عملااااق
    كان ناصر عملاقا لم يأل جهدا في تحسين صورة المصر لدى الغرب
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق