رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رحيل مر لفارس الدراما البدوية العربية بلا منازع..
«يحيي البرمكى».. الملقب بـ«ياسر المصرى»!

محمد حبوشة

هل كان يدرك أنه اقترب من النهاية، فأجاد ببراعة وإتقان في آخر أعماله الدرامية «هارون الرشيد» بشخصية «يحيي البرمكي؟

سؤال لا يعلم إجابته سوي الخالق، فبالنظر إلي آخر أعمال الراحل الكبير «ياسر المصري» في أدائه شخصية «يحيي البرمكي»، ذلك الرجل الطاعن في السن محني الظهر طوال الوقت يخطط ويحيك المؤامرات الكبري التي تزلزل بلاط قصر الرشيد، وهو ما قاده إلي نهاية ماساوية غاية في التراجيديا بقطع رأسه، إلا إنك حتما تدرك علي الفور بأن إحساسا دفينا قد انتاب هذا الممثل بأن أجله اقترب فأجاد في أداء آخر أدوراه .. وكأننا نقف أمام خلاصة تجربة حياة بكاملها لممثل استثنائي.

في تأدية الشخصية التاريخية تكون مسئولية الممثل كبيرة إذ يجب أن يكون مقنعا ليس في الأداء فقط لكن في الشكل والمظهر أيضا، وهو ما تجلي واضحا عند «ياسر المصري» مع «يحيي البرمكي» ذلك الثعلب العجوز الذي تواري خلف شخصية غاية في التعقيد، محاولا أن يحقق التماثل الشكلي كشرط أولي للدخول في الشخصية، لتصبح المعضلة الأساسية في تأدية شخصية تاريخية هي تلك الأفكار المتصورة سلفا إلي حد التحيّز والتحامل.

«ياسر المصري» حكاية من الصعب تكرارها، حيث عرف بصوته الرخيم والهادئ، عندما يتحدث يتحول إلي سيد الخصوصية بالقول، وقد تسجل السينما العربية في تاريخها ثلاثة أشخاص، أثروا في العقل الباطن للجمهور العربي، وهم المصري أنور وجدي، واللبناني عبد المجيد مجذوب، والأردني ياسر المصري، لأنهم الثلاثة استطاعوا إعادة حضور عّمر الأربعين بين الصبايا، فأصبح هذا العمر هدف الفئات المختلفة.

وقد أظهر الرحيل المباغت حجم تأثير «ياسر» بين الناس، عبر أعمال اتسمت بالجدية، ليبقي «المصري» حالة استثنائية في مسلسل «نمر بن عدوان»، درة الأعمال الدرامية البدوية العربية علي الإطلاق، يلاحظ المراقب أداء ياسر المصري لدور أمير شعراء البادية، أنه يتمتع بنوع من الفضول الفطري، وكأنه يقول للمراقب: الثقافة أمر بالغ الأهمية بالنسبة لي، وهكذا أظن، بل أرجح ذلك علي وجه الدقة، لأنه أدرك كما أسلافه من قبله، معني أن يعرف، فلم يكن مجرد صوت يكرر ما يقرأ علي الجمهور، بل كان حريصا علي حفظ الشعر، وإدراك المعني العميق لجميع المعاني والأهداف البلاغية، وبالتالي أظهرت تلك المميزات الجوهر الأصلي للفنان الحقيقي والاستثنائي في الوقت نفسه . لقد لمع - رحمه الله - في حاضرنا التمثيلي عبر مسلسلات أردنية وخليجية مثل: « عرس الصقر، ذي قار، إمرؤ القيس الثأر المر، الحجاج، الطوفان، زمن الوصل آخر أيام اليمامة، الطريق الوعر، راس غليظ، أبو جعفر المنصور، نمر بن عدوان، عيون عاليا، رجال الحسم، بوابة القدس، إخوة الدم، رعودة المزن، أبناء القلعة، مالك ابن الريب، ودعاة علي أبواب جهنم ذلك المسلسل الذي دشن دراما عنف الجماعة الإسلامية المسلحة عام 2006»، إلي جانب اشتراكه في أعمال مصرية مثل: « تحت الأرض، العهد، الكلام المباح، دهشة، الجماعة 2 بشخصية الزعيم جمال عبد الناصر، والتي تعامل معها بمنطق الجملة الموسيقية - فهو دارس للموسيقي وعازف كلارينت وراقص فنون شعبية.

ومن ثم بدا لنا من خلال الأداء انه صنع إيقاعا خاصا للشخصية، بدا هادئا وتتصاعد نغماته حتي تصل إلي الكريشندو، فجسد ببراعة كيف كان يجلس يمشي، يحني كتفه يمسك بالسيجارة وهو ضابط لا يملك سوي الحلم لبلده ولنفسه ويتساءل عن الخلاص، وكيف تغيرت كل هذه التفاصيل بعد نجاح ثورة يوليو وتصدره المشهد، وهو ما جعل «ياسر» يتمكن من الإمساك بروح الشخصية ويعيش معها كل حالاتها.

عرف «المصري» كيف يتسلل إلي عقول وقلوب الجمهور العربي، وتربع علي عرش الأداء الصعب بهدوئه المعهود دون صخب أو ضجيج، وقد يكون الموت غيبه، لكن إبداعه لن يغيب وسيظل علامة بارزة في تاريخ الدراما العربية التي اختتمها بشخصية «يحيي البرمكي» في مسلسل «هارون الرشيد»، وكذلك دوره في مسلسله الاجتماعي الأردني «شيء من الماضي» الذي يتعرض لنسيج إنساني بين شخصيات اختلطت عليها مشاعر الحب والكراهية، الضياع واللقاء، الحياة والموت حيث تتقاطع وتتنافر في دولاب الزمن المرتبط بمأساة أرواح سجينة معذبة في المناطق المعتمة حيث تستحضرها صحوة الأحداث من ظلمة الماضي إلي رحم الحاضر محملة بالوجع وخبايا الأسرار.

رحم الله «ياسر المصري» الذي قال في أحد حوارته الأخيرة إن منهجي في التمثيل يقوم دائما علي تدريب نفسي علي تصفية الذهن، والفصل بين الواقع الذي نعيشه والشخصية التي اقدمها، أعيش حالة من التجلي والتصوف. ما جعله حتي في وفاته، لم يتخل عن عنصر الصدمة، ليموت بشكل مفاجئ في حادث سير، مخلفًا وراءه 60 عملًا إبداعيًا، تظل علامات في أذهان الجمهور العربي، ليصبح من قليلين يغردون في منطقة خاصة، ويحققون نقلة فنية ونوعية في مشوارهم، وبالطبع كل عمل فني جديد لأي ممثل هو تحد، فما بالك لو كان هذا التحدي محفوفا بروح المغامرة، ليس فقط لصعوبة الدور لكن لأن هناك قائمة تضم أسماء فنية، يشار لبعضها بالتفرد، ومنهم بالطبع الأردني «ياسر المصري»، والذي يعد واحدًا من هؤلاء النجوم الذين يحركهم التحدي وحس المغامرة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق