فى عجلة مغلوبة على أمرها مستسلمة لقدرها لملمت الزوجة الشابة أغراضها وما استطاعت حمله وجرت طفليها الصغيرين وهما يتابعان بدهشة وترقب ما يدور بعيون وجلة تحفها البراءة التى تعجز عن فهم ما يجري. يسرعون الخطى خلف الأب الذى سيطرت على وجهه علامات الشرود وهو يحمل بعضا من عزالهم على عربة صغيرة ليغادروا مستقرهم فى منزل الجد الى مكان آخر مجهول على أثر خلاف بلغ منتهاه مع كبير العائلة ليواجهوا مصيرهم المحتوم.
حالة الصمت المطبق والسكون التى طغت بطول الطريق وصرير عجلات السيارة وسط الدروب الضيقة والنظرات الحائرة لم يقطعها سوى صوت الصغير يتساءل ببراءة: «هو احنا خلاص هنسيب بيت جدي؟!»
ليرد والده فى هدوء وهو يربت عليه: «أيوه ياحبيبى احنا رايحين بيت جديد فى مكان تاني»، منزل بسيط متواضع بالطابق الأرضى بإحدى العزب المجاورة ابتغوا فيه حياة جديدة هادئة، علها تكون أكثر حظا.
فالانتقال لمكان جديد بعيد عن المشاحنات والخلافات كان هو أمل الأسرة بعدما وصلت الأزمة لطريق مسدود كان لابد معه الانفصال والابتعاد ولو إلى حين.
لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فعين ذئب جائع طامع كانت لهم بالمرصاد منذ الوهله الأولى لحلولهم، تتابعهم ترمقهم وتترصدهم وكأنها تستنكر عليهم دفء الأسرة وحالة الصفو التى بدت عليهم رغم ما ألم بهم.
فى البداية حاول صاحب البيت أن يلقى بشباكه على الزوجة الشابة لكنها صدته، أغلقت باب بيتها عليها ولم تسمح لعيونه المتلصصة أن تخترقه، إعتقد واهما أنه بإلحاحه وعرضه المساعدة قد يخدعها، لكنها كانت منتبهة. أوصدت كل الأبواب فى وجهه حينما شعرت برغبته فيها عبر نظراته المريبة وعيونه الوقحة التى تحاول دوما ملاحقتها كلما غدت أو راحت، وظن أنها قد تستجيب له مع تكرار المحاولة، لكنه لم يكن يعرف أن العفيفات ليس لهن من طريق مهما تعددت السبل. كان ينتهز فرصة ذهاب زوجها لعمله محاولا رؤيتها متعللا بشتى الحجج، لكنها كانت يقظة لألاعيبه ولم تسمح له بالدخول، بل تزجره ليتراجع، وهكذا ظل بابها موصدا طوال الوقت لا تفتحه إلا مع عودة زوجها حتى تسترد أمانها المفقود.
ومع كل هذا لم تستطع البوح لشريكها عما تتعرض له، خشيت أن تثقل عليه، لم يكن وجودهما قد طال لتشق عليه بالبحث عن مكان آخر أو تضيف لمعاناته وقلقه عليها وطفليها وتحكى له عن مضايقات المالك، ظنت أنها قد تستطيع وحدها التصدى للذئب فأطبقت شفتيها وآثرت الصمت لتتحمل وحدها مسئولية الدفاع عن شرفها وعرضها، معتقدة أنها تستطيع إثناءه أو رده عما يدور بعقله.
لكن لاتستسلم مثل تلك الفصيلة الشرسة من الذئاب البشرية بسهولة. أيام قليلة مضت كان الطمع فيها قد تملك منه، لم يتحمل أكثر فاتخذ قراره متماشيا مع ميوله الحيوانية وكصياد جائر ينتظر الفريسة، تربص بها، انتظر مغادرة زوجها لعمله لينقض عليها ويفترسها بالقوة. توجه إلى بابها. طرقه. أخبرته أن زوجها غير موجود، ولا يمكنها فتح الباب. فعمد للحيلة. ادعى أنه لابد له من العبور لتشغيل موتور المياه الرابض بمسقط الطابق الأرضى لضخ المياه لكامل العقار ولا نفاذ له إلا من شقتها، والأمر لا يحتمل الانتظار.
ولم تجد خيارا من فتحه وما إن قامت بتدوير المفتاح حتى انقض عليها كاشفا عن أنيابه وبيده مطواة ليطرحها أرضا وتسقط رغما عنها وكحمل صغير ضعيف فى مواجهة وحش كاسر حاولت باستماتة الدفاع عن شرفها صرخت مهددة إياه لكنه قام بلطمها بقوة لتسقط غائبة عن الوعى وتستيقظ بعدها لتجده جوارها.
وبكل ما أوتيت من قوة رغم ضعفها وانهيارها سارعت إلى حجر كبير لتضربه على رأسه ثم غرست به المطواة التى قام بتهديدها بها حتى لفظ أنفاسه، ثم سارعت لزوجها مستجيرة به وتخبره بما فعلت وهى ترتجف حتى يتصرفا فى الجثة وسرعان ما هرول إليها ليجدا حلا لمصيبتهما، ففكرا فى إخراجها تحت جنح الليل والقائها بجوار المقابر وإلقاء السكين بالمصرف وعادا لمنزلهما يحاولان التقاط أنفاسهما من الرعب والخوف على طفليهما. وما هى إلا ساعات حتى عثر على الجثة ليقفا أمام ضباط المباحث ويعترفا بجريمتهما دفاعا عن الشرف.
وكان اللواء عبد الله خليفة مدير أمن الشرقية قد تلقى إخطارا بالعثور على جثة شخص فى الخمسين من عمره بعزبة رمسيس التابعة لمركز صان الحجر وبها آثار طعنات عدة، فأمر بسرعة تشكيل فريق بحث لكشف غموض الواقعة بقيادة اللواء محمد والى مدير المباحث الجنائية، حيث توصلت التحريات التى قام بها الرائد أحمد عبد العزيز رئيس مباحث صان الحجر ومعاونوه إلى أن الجثة لشخص من عزبة رمسيس، وأنه قام بايجار مسكنه حديثا لزوجين من أبناء المركز وأنه غالبه الطمع فى الزوجة الشابة التى لم تتجاوز العشرين، وقام باغتصابها فى غيبة زوجها فقتلته، وقامت وزوجها بإلقاء جثته بالطريق انتقاما لتجرؤه على عرضها.
رابط دائم: