يبدو أن الوقت لم يحن بعد فى زيمبابوى لأن تقود المرأة بلادها على غرار ما حدث فى العديد من الدول الإفريقية الأخرى ،فمازالت المرأة تعانى من السياسيات المعرقلة لتحقيق طموحاتها السياسية، وهو ما تجلى بوضوح فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى جرت الأسبوع الماضى . فقد كشفت قائمة المرشحين فى الانتخابات الأخيرة، عن استمرار تراجع دور المرأة، حيث خاضت السباق الانتخابى أربع مرشحات فقط من بين 23مرشحا ، وقد قوبل هذا الترشيح غير المسبوق لهؤلاء النساء لمنصب الرئيس برد فعل عنيف ومراوغ من الأحزاب السياسية فى زيمبابوى ، وهو عكس ما كان متوقعا بأن الإطاحة بموجابى الذى حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود كاملة سوف تخلق مساحة كبيرة وفرصا عديدة للمرأة كى تحتل شأنا أكبر على المسرح السياسى فى زيمبابوى ولا سيما أن المرأة تمثل أكثر من نصف سكان زيمبابوى و 54٪ من أعداد الناخبين البالغ عددهم 5.7 مليون ناخب .
وخلال المشهد الانتخابى فى ذلك البلد المحافظ واجهت المرشحات الكثير من التحديات والعراقيل مقابل نظرائهن من الرجال، وكان من ضمن هذه الصعوبات على سبيل المثال وليس الحصر الإهانات التى وجهت إليهن، واتهامهن بالانخراط فى شئون خارج إطار محيطهم العائلي، علاوة على ذلك فقد شنت وسائل التواصل الاجتماعى أيضا حربا نفسية كبيرة من خلال الهجوم عليهن والإقلال من عزيمتهن، وهو ما يشير بوضوح إلى الأوضاع السيئة التى وصل إليها حال المرأة هناك نتيجة البيئة المعادية لها والمتحيزة للرجال. وقد أثارت التجاوزات التى واجهتها المرشحات خلال فترة الانتخابات إدانة عامة من المراقبين الدوليين، والعديد من المنظمات الحقوقية حيث قامت المؤسسة الدولية للدراسات الانتخابية (IFES) بالولايات المتحدة الأمريكية بنشر تقرير لها الأسبوع الماضى رصدت فيه التحديات المستمرة التى واجهت المرشحات فى الانتخابات الرئاسية، ويشير التقرير إلى أن عدم المساواة بينهن وبين المرشحين الذكور والعنف الموجه ضدهن كان عبئا على كاهلهن فى هذه الأحداث التاريخية «وأضاف التقرير» أن المرشحات والناخبات والصحفيات فى زيمبابوى تعرضن للابتزاز والعنف الجسدى والمضايقات والترهيب من جانب رؤسائهن وزملائهن فيما يتعلق بممارسة حقوقهن السياسية والمدنية .
وبغض النظر عن الظروف التى أحاطت بالنساء, ، إلا أن الواقع يشير إلى أنهن صنعن بالفعل تاريخا جديدا للمرأة فى زيمبابوى حين أقدمن على الترشح لأعلى منصب فى البلاد .وقد شملت قائمة المرشحات لمنصب الرئاسة مرشحتين لهما خبرة كبيرة فى مجال العمل السياسى فى زيمبابوي، الأولى هى «يويس موجورو» والتى تعرف بأيقونة حرب التحرير وتعد واحدة من النساء المخضرمات سياسيا بزيمبابوى، حيث كانت أصغر وزيرة تولت هذا المنصب عام 1980. وكان برنامجها الانتخابى يدور حول التصدى للتحديات الاقتصادية والسياسية التى تواجه البلاد. أما الثانية فهى «ثوكوزانى خوبي» وهى أول امرأة تشغل منصب نائب رئيس الوزراء فى زيمبابوي، وقد خاضت «خوبي» معركة سياسية مؤخرا أمام «نلسون تشاميسا » رئيس حزب الحركة من أجل التغيير الديمقراطى» ، حين أرادات أن تخلف مورجان تسفانجيراى فى رئاسة الحزب بعد رحيله، وهو ما أدى إلى اندلاع العديد من الاشتباكات بين أنصارها وأنصار «شاميسا» وتعرضت بسبب ذلك لعاصفة من الإهانات سواء من أنصار شاميسا أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى لينتهى الأمر بعدم حصولها على رئاسة الحزب وفوز تشاميسا بها .
وأما «فيوليت مارياتا» المرشحة الثالثة وهى سيدة أعمال ومؤلفة أغان، فقد تعهدت فى برنامجها الانتخابى بتمكين شعب زيمبابوى اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا من خلال تطوير وتنفيذ برامج الصحة والتعليم والعمل على إعادة زيمبابوى إلى موقعها السابق كونها سلة غذاء إفريقيا. بينما كانت رؤية المرشحة الأخيرة فهى «ميلبا دزابازي» مصممة أزياء وسيدة أعمال ، قائمة على اتباع سياسة قومية تمنح زيمبابوى السيطرة على قطاعات الزراعة وتحرير زيمبابوى من الاستغلال الاقتصادي.
وأخيرا يمكن القول إن المعركة الانتخابية التى خاضتها المرأة فى زيمبابوى والتى لم تحقق فيها أى نصر انتخابى ليست نهاية المشوار، فمازال أمامها مشوار طويل من النضال للحفاظ على مكتسباتها وأهمها على الإطلاق التمسك بحصتها البرلمانية التى أقرها دستور البلاد عام 2013 والتى تشكل نسبة 35 % من البرلمان يتم توزيعها بين الأحزاب على أساس نسبي، حيث إن هذه الحصة سوف تنتهى عام 2023 ما لم يتم التصويت لإقرارها مرة أخرى من البرلمان. كما يجب عليها أن تعمل على توجيه الحكومة القادمة والأحزاب السياسية باحترام مواد الدستور بشأن المساواة بين الجنسين وعدم التمييز بينهما، والحصول على كافة حقوقها المهمشة، والتصدى للتحديات التى تعوق مشاركتها مثل العنف وعدم المساواة.
رابط دائم: