رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مربعات سكنية لاكتشاف الأمل

قبل التعديل الوزارى الأخير خرج خبر فرحت به لأنه فتح بوابة أمل سياسية سافر بها خيالى إلى حلم بناء تنظيم سياسى قادر هادر يمكنه الكشف عن قيادات فاعلة فى كل أنحاء المحروسة. كان الخبر يكشف عن تعاون بين وزارتى البيئة والحكم المحلى لتصوير مصر من أعلى وتقسيمها إلى مربعات سكنية ويتم جمع قمامة كل مربع سكنى وتسليمها إلى وزارة البيئة ليعاد تدويرها لتعود بالنفع المادى علينا جميعا بدلا من وجودها كتلال متناثرة تكشف عن اتكالية غير محبوبة. وصحا فى القلب الحلم المغدور به كثيرا وهو اكتشاف قيادات محلية فى كل انحاء المحروسة يمكنها أن تكون نواة لمجالس محلية قادرة على قياس نبض كل مربع سكنى وعن نوعية السكان وكيف يتعاملون مع مخلفات بيوتهم، ويمكنهم ان يشاركوا فيما يطلب منهم من مهام. وسنعرف عدد التكاتك فى كل مربع وسيصبح من السهل على الشرطة أن تضبط إيقاع الأمن فى تلك المربعات السكنية.

وجاء التعديل الوزارى لأجد كلا من الوزيرين خارج الخدمة ولابد ان القيادة قد وجدت من يقوم بالمهام بشكل أعمق وأكثر فاعلية. وبقى فى القلب غصة إهدار فكرة مهمة شاهدت انا عبر رحلة العمر جدواها السياسية؛ فانا لا انسى شهر اغسطس عام1963 حين نادانى أستاذى إحسان عبد القدوس ليناولنى برقية وصلته من اهالى قرية بالمنصورة يشكون من جبروت عائلة تقرض الفلاح الجنيه الواحد لتأخذه منه أربعة جنيهات فور أن ينضج المحصول الذى زرعه. وقمت بتوجيه نداء لاهل القرية كى يجتمعوا ويكتبوا ما يعانونه, ولما كان نظام الاتحاد الاشتراكى يتيح عقد مؤتمر لكل وحدة سكنية أو عمالية لذلك فليكن اجتماع أهالى تلك القرية الواقعة تحت سطوة عائلة ترتبط بالزيجات بين بناتها وكبار ابناء احزاب ما قبل يوليو1952؛ ومن بعد الثورة ارتبط بعض ابنائها وبناتها بالزواج مع بعض من الكبار.

وكان المريب والغريب ان هذه العائلة هى من قامت بتسليم عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية للإنجليز. وصدرت روز اليوسف بالتحقيق ومعه صورة لتوقيعات وأختام سكان القرية. وكانت مصر أيامها تعانى قلة أدب من كسروا وحدة مصر وسوريا, فراحت إذاعة دمشق تعاير القاهرة بجوع قرية تحيا تحت وطأة الربا الجسيم ليأمر جمال عبدالناصر بالتحقيق والتأكد من سطور التحقيق الصحفى وعندما ثبت صدق ما كتبت وضعت تلك العائلة تحت الحراسة، وتم توزيع الاراضى المهربة من قانون الإصلاح الزراعى على فلاحى القرية المعدمين. لكن المفكر الراحل وسيم خالد وهو من أبرز كتاب جريدة الجمهورية اتصل بى وأبلغنى أنى أطلقت رصاصة قاتلة للاتحاد الاشتراكى بكامله، لأن مثل تلك العائلات لابد وأنها ارتبطت بعد ثورة يوليو بشخصيات ذات تاثير سياسى ضاغط. وبالفعل حدث ان إحدى بنات تلك العائلة كانت متزوجة من قائد حراسة شمس بدران مدير مكتب عبد الحكيم عامر وصدر أمر بمنع مؤتمرات الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكى .

وأشهد أنه لم تقم قائمة من بعد ذلك لهذا التنظيم السياسى الذى لم تتح له فرصة ملامسة الواقع وظل أسير مؤتمرات للهتاف فقط. ولابد عدم نسيان مشهد تاريخى حين صحبت وفدا سياسيا لسيناء يضم السيد شعراوى جمعة وزير داخلية عبدالناصر وعضوية المثقف المقاتل حسين ذو الفقار صبرى نائب وزير الخارجية وعددا آخر من الساسة وفور نزولنا لمطار العريش لنحضر مؤتمرا لإعادة انتخاب عبد الناصر لفترة رئاسية جديدة, استقبلتنا لافتات الاهالى مكتوب عليها مرحبا بالضيوف. وما إن وطئت اقدامنا أرض المطار حتى خرجت لافتات اخرى مكتوب عليها نطلب التحقيق مع تعمير الصحارى الذين يحبسون عنا الماء العذب ولا أنسى الليلة الطويلة التى قضاها شعراوى جمعة مع رؤساء قبائل سيناء والتواصل مع القاهرة لحل مشكلة وصول المياه لسيناء.

والذاكرة تحمل فى جعبتها الحلم الكامن بتاسيس تنظيم سياسى جامع وشامل؛ وقد دار السياسى منصور حسن مصر من أقصاها إلى أقصاها ليجمع قرابة سبعين مثقفا وقياديا ليمضوا فى ضيافة السادات بالإسماعيلية يومين تحدث فيهما شخص واحد هو منصور حسن عن خلاصة افكار السبعين. ومن الرائع أن السياسى فى عقل السادات قبل فكرة إعادة تنظيم الحزب الوطنى على ضوء توصيات مجموعة المثقفين تلك. ومن الغريب ان تسجيلات هذا اللقاء قد اختفت تماما بما تحتويه من كشف كامل لعورات الانفتاح الاقتصادى ولعلها ظلت أسيرة دهاليز ذاكرة صفوت الشريف لتخرج علينا بوجوه معظمها شديد الرغبة فى تغيير وجه الحياة السياسية بمصر المحروسة, فجاءت لجنة السياسات بالحزب الوطنى لكن شرط قيامها كان سببا اساسيا فى اغتيال الحلم بتنظيم سياسى فاعل. ولتتجمع الخطايا فانطلق لهيب الغضب عند الجيل الشاب المتراكم عبر تعليم بلا جدارة وعجز التنمية عن توفير أسس حياة لائقة فى ظل فلسفة رأسمالية تكسب سنويا ثلاثين بالمائة من دوران رأس المال لينزف الواقع جوعا وعجزا أتاح لتيارات التأسلم العملية فرصة التغلغل فى وحل القرى والنجوع.

وهكذا جاء الغليان الاجتماعى لتظل ثورة الخامس والعشرين من يناير وليمضى تيار التأسلم عاما من الكذب باسم الدين ويترصد اردوغان الثمرة التى يرغب بها ليروى عطشه للخلافة التى تجسدت فيما بعد فى تنظيم داعش؛ هذا الذى اختفى مؤسسة من دائرة الأخبار فلم نعد نعرف هل هو ميت أم حي. وتنقذ مصر نفسها بالثلاثين من يونيو لتلقى الجموع فى يدى عبدالفتاح السيسى بكرة أحلام ملتهبة تطلب خريطة وضع حلول لها على ارض الواقع وسط خريطة شرق أوسطية يزعق انين الموت من كل الجهات.

وطبعا أدعو السماء لتوفيق عبدالفتاح السيسى الذى طلب تفويضا فى الرابع والعشرين من يوليو ليخرج ما يزيد على الثلاثين مليون إنسان يسألونه تولى زمام إدارة واقع الوطن. وما إن تأتى سيرة القوات المسلحة حتى تقفز فى الذاكرة تفاصيل مهمة كل مقاتل التى وضعها الفريق الشاذلى فى يد كل من عبر قناة السويس يوم العبور المنتصر. هل تستطيع مؤتمرات الشباب التى يعقدها عبدالفتاح السيسى ان تهبنا تنظيما سياسيا قادرا ومقتدرا؟ حلم لا أراه بعيدا وأتمناه قريبا.


لمزيد من مقالات منير عامر

رابط دائم: