رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الإنسان وسر الخير والشر

سأعرض اليوم عزيزي القارئ قصتين تصف الإنسانية المتناقضة بين الخير والشر، أبطالها من عائلات أباطرة روما وأوروبا. الأولى لشقيق الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير إمبراطور روما عام 378م وهو الذي أغلق كل المعابد الوثنية في أنحاء الإمبراطورية ومنها مصر.

وقد مرضت زوجته مرضا حار فيه الأطباء، وكانت شهرة رهبان مصر وقديسيها قد بلغت ذروتها في العالم كله. فأشار عليه البعض أن يرسل زوجته إلى أديرة مصر علها تنال الشفاء بصلاتهم. فأوفد الإمبراطور أخاه الأمير كاراس مع جنود وحملة كبيرة إلى أديرة وادي النطرون، وهناك تقابلوا مع قديس يدعى أباهور وبصلاته تم شفاء زوجة الإمبراطور.

وكان الأمير كاراس يراقب الرهبان والصلاة وهو متفكر في نفسه ما قيمة حياة القصور وأفخم الأكلات والثياب والمناصب والصراعات أمام الحقيقة التي تجلت أمامه، فقد شعر بأنه قد وجد حقيقة الحياة. وبعد أيام أرادت زوجة الإمبراطور الرجوع إلى روما، أما هو فقد أخذ قراره وقال لزوجة أخيه: أخبري أخي الإمبراطور أنني لن أعود إلى تلك الحياة الزائفة لقد وجدت طريقي. وتخلى الأمير كاراس عن المجد والكرامة وأفخر الطعام والثياب وطلب أن يعيش راهباً وسط الرهبان.

وتمر السنوات ويرسل اللـه له أحد الآباء القديسين ليعرفه أنه سيرحل عن العالم بعد أن أمضى في البرية ثمانية وخمسين عاماً يحيا مع اللـه فقط. وعرف هذا الأب ما وصل إليه الأمير السابق والقديس الحالي أنبا كاراس من قداسة فقد عاش الحقيقة باستنارة خاصة وحول حياته من مجرد صورة استهلاكية ترابية إلى حياة عميقة في حب الإله.

والقصة الثانية لأمير في القرن الخامس عشر يدعى فلاد في إقليم ترانسلفانيا يتبع رومانيا الآن ابن ملك تلك المقاطعة دراكولا في زمن بداية اجتياح الأتراك هذه المنطقة، فأخذ مراد الثاني السلطان العثماني أبني دراكولا عنده ليضمن ولاءه له.

وبعد زمن قتل الأب في حركة تمرد فأرسل السلطان العثماني فلاد ليسترد عرش أبيه لنرى ونسمع قصصا مرعبة عن هذا الشخص الذي من حياته استمد الروائي الإنجليزي برام ستوكر شخصية كونت دراكولا مصاص الدماء الصادرة عام 1897، وقد سبقه الشاعر الألماني مايكل بيهايم في سرد جرائمه ووحشيته في قصيدة عام 1463تدعى قصة مجنون يدعى دراكولا.

ويقال إن سر وحشيته هو ما لقيه من معاملة الأتراك له وقت احتجازه. وكان يعاقب من لا ينفذ كلامه بالسلخ ووضعه على الخازوق حتى إن التاريخ أطلق عليه أمير الخوازيق، ففي حربه مع الأتراك وضع على الخازوق خمسة وعشرين ألفا من جيش الأتراك. وحين أرسل السلطان العثماني وفداً ليتفاوض طلب منهم أن يخلعوا عمائمهم في حضرته فرفضوا فأمر بأن تدق العمائم بالمسامير وماتوا بالطبع.

وذات يوم نادى في مملكته بإحضار كل فقراء ومحتاجي المملكة لوليمة، ففرح الجميع بالدعوة وحضر عشرات الآلاف ووقف هو وقال لهم: هل تريدون أن تتخلصوا من فقركم ومعاناتكم الدائمة، فرد الجميع بالإيجاب، فأمر أن تغلق الأبواب ويحرق الجميع وبذلك أنهى معاناة الفقراء.

ومع أنه استطاع أن يحقق انتصارات كثيرة على الأتراك إلا أنه قد خانه أخوه الأصغر واستطاعوا بمساعدة أخيه أن يهزموه في النهاية. وانتحرت زوجته وهرب هو إلى المجر وطلب المساعدة من الملك ولكنه قُبض عليه وأسر.

ويقال إنه كان في الأسر يقضي وقته بسلخ الحيوانات الحية ويضع الطيور على الخوازيق (إعمالاً بالمثل يموت الزمار). وكانت نهايته على أيدي الأتراك عام 1476م حيث قطع رأسه السلطان التركي وعلق رأسه على رمح وعرضه على الشعب ليتأكدوا من موته ونهايته.

ويبقى السؤال المهم: تُرى ما الفارق بين الأمير كاراس والأمير دراكولا؟ الفارق في الروح، فالروح هي نسمة الحياة الخارجة من اللـه كما يقول سفر التكوين: جبل الرب الإله آدم من تراب ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار نفساً حية (تكوين 2: 7).

فأجسادنا ترابية ولكن أرواحنا هي نسمة الحياة التي من اللـه، أما النفس فهي القوى الحيوية التي تجعل الأعضاء الجسدية تعمل بحيوية. لذلك فالحيوان فيه جسد ترابي مثلنا، ونفس لها قوى حيوية، ولكنها كيانات لا تحمل روحا، لذلك لا تدرك ذاتها، ولا تحمل سمات الروح التي بها أعطى اللـه للإنسانية أن تحمل شبهه ومثاله، وهذا ما يتكون به كياننا الداخلي العميق ويجعل كل منا له عالمه الخاص وإدراكه لذاته ووعيه بالحقيقة، ومعنى الحياة ينبع من الإدراك الروحي الذي نقول عنه الاستنارة. فالروح الإنسانية هي التي تجعل العقل والمشاعر لها إدراك خاص، ولأن الإنسان مخلوق حر فهو الذي يحدد هويته حسب طريقة إدراكه حياته ووجوده.

فإما أن يسمو بحياته ويتفاعل مع الإله الذي صنعه على شبهه في الخير والحب والحق أو يرفض هذا ويختار أن يحيا ككيان شرير، كنجم رفض أن يسير وفق المدار المخلوق له فهرب من تدبير وجوده فاحترق وتاه في الكون وأصبح بلا معنى.

وما يزيد المشكلة تعقيداً وجود كيانات للشر الروحية يحكمها إبليس وهو كائن شرير يريد أن يفسد عمل اللـه، فيحاول أن يتسلط على أرواح البشر ليتمموا عمله وخطته في نشر القبح بدل الجمال، والكراهية بدل الحب، والهدم بدل البناء. فكل الذين رفضوا الخضوع لعمل اللـه وتدبيره يكونون آلات سهلة وطيعة لنشر الشر والفساد.

فالروح الإنسانية هي التي تحمل البصيرة الداخلية التي تعمل أيضاً على التصالح بين قوى النفس والجسد في الداخل وبين الإنسان والحق الإلهي.

حين قُبض على جيفارا في مخبئه بوشاية راعي غنم، سألوه: لماذا وشيت عن رجل قضى حياته كلها للدفاع عنكم وعن حقوقكم؟، أجاب: لقد كانت حروبه مع الجنود تروع أغنامي. نعم هو كيان لا يفهم ولا يدرك معنى الحرية لأنه لا يحمل روحاً مستنيرة.

يقول جلال الدين الرومي: دع الماء يسكن وسترى نجوماً وقمراً ينعكس فى كيانك.


لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس

رابط دائم: