رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حتى زوجات رسول الله.. «اشتكيْن»!

فاجأتنى صحفية شابة ــ مع اثنتين من صويحباتها ممن وقفت أمامهن يوما محاضرا فى نقابة الصحفيين بدعوة كريمة من العزيز الغالى عبدالمحسن سلامة  نقيب الصحفيين ــ بزيارة إلى مكتبى فى «الأهرام» ليطرحن سؤالا لم أتوقعه ممن فى مثل سنهن وحلمهن: هل حدث فى بيت النبوة أن تمردت زوجات النبى (صلى الله عليه وسلم) عليه.. كما تفعل كل الزوجات فى كل زمان وفى كل مكان الآن وغدا وبعد غد؟!...



قلت لهن دهشا: لم السؤال.. وكل بيت يعيش مشاكله التى نعرفها والتى قد تصل إلى حد الخناق والقطيعة والتمرد والفراق لأسباب نعلمها كلنا.. وأسباب أخرى خافية علينا قد تصل بالزوجين إلى ساحة المحاكم؟.
قلن: لأننا كما طلبت منا نجرى تحقيقا صحفيا عن البيت المصرى.. شجونه وهمومه.. وصحوه وفرحه.. ولماذا يصل الأمر بالزوجين إلى طلب الطلاق.. وقد أصبح لدينا طابور طويل يسد عين الشمس من المطلقات.. حتى إنه كل 6 دقائق تحدث حالة طلاق فى بلدنا!
قلت لهن: الطلاق يابناتى «حل» مشروع للرجل والمرأة معا.. إذا استحالت العشرة بينهما.. حتى بعض زوجات النبى صلوات الله عليه وسلامه اشتكين!
قلن فى صوت واحد: ياه حتى زوجات النبى صلوات الله عليه وسلامه.
قلت: نعم.. والنبى كما تعلمون كان متزوجا بأكثر من زوجة..
يقاطعننى بقولهن: حدثنا عن زوجات النبى ولماذا تزوج بداية بكل هذا العدد من الزوجات؟
<><
قلت لهن: سأحيلكن إلى واحد من أعظم كتاب مصر العظام وهو عباس محمود العقاد.. وقد قابلته مرة واحدة فى شبابى.. قال فى كتابه الرائع عن المرأة فى حياة سيدنا رسول الله:  «لم يحدث قط أن اختار زوجة واحدة لأنها مليحة أو وسيمة، ولم يبن بعذراء قط إلا العذراء التى علم قومه جميعا أنه اختارها لأنها بنت صديقه وصفيه وخليفته من بعده: أبى بكر الصديق «رضى الله عنه».
«هذا الرجل الذى يفترى عليه الكاذبون أنه الشهوانى الغارق فى لذات حسه، قد كانت زوجته الأولى ـ السيدة خديجة ـ  تقارب الخمسين.. وكان هو فى عنفوان الشباب لايجاوز الخامسة والعشرين وقد اختارته زوجا لها، لأنه الصادق الأمين فيما اشتهر به بين قومه من صفة وسيرة، وفيما لقبه به عارفوه وعارفو الصدق والأمانة فيه، وعاش معها إلى يوم رحيلها على أحسن حال من السيرة الطاهرة والسمعة النقية، ثم وفى لها بعد موتها فلم يفكر فى الزواج حتى عرضت عليه سيدة مسلمة رقت له فى عزلته فخطبت له السيدة عائشة بإذنه، ولم تكن هذه الفتاة العزيزة عليه تسمع منه كلمة لاترضيها غير ثنائه على زوجته الراحلة ووفائه لذكراها».
«وما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بواحدة من أمهات المسلمين لما وصفت به عنده من جمال ونضارة، وإنما كانت صلة الرحم والضن بهن على المهانة هى الباعث الأكبر فى نفسه الشريفة على التفكير فى الزواج بهن. ومعظمهن كن أرامل فقدن الأزواج أو الأولياء، وليس من يتقدم لخطبتهن من الأكفاء لهن إن لم يفكر فيهن رسول الله».
«فالسيدة سودة بنت زمعة: مات ابن عمها المتزوج بها بعد عودتها من الهجرة إلى الحبشة، ولا مأوى لها بعد موته إلا أن تعود إلى أهلها، فيكرهوها على الردة عن الاسلام أو تتزوج بغير كفء لها».
«والسيدة هند بنت أمية أم سلمة: مات زوجها عبدالله المخزومى، وكان أيضا ابن عمها، أصابه جرح فى غزوة أحد فقضى عليه، وكانت كهلة مسنة فاعتذرت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بسنها، لتعفيه من خطبتها، فواساها قائلا: سلى الله أن يؤجرك فى مصيبتك، وأن يخلفك خيرا فقالت: ومن يكون خيرا لى من أبى سلمة؟
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن أبابكر وعمر قد خطباها فاعتذرت بمثل ما اعتذرت به إليه، فطيب خاطرها، وأعاد عليها الخطبة حتى قبلتها».
«والسيدة رملة بنت أبى سفيان: تركت أباها وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة، فتنصر زوجها وفارقها فى غربتها بغير عائل يكفلها، فأرسل النبى صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى يطلبها من هذه الغربة المهلكة، وينقذها من أهلها إذا عادت إليهم راغمة من هجرتها فى سبيل دينها، ولعل فى الزواج بها سببا يصل بينه وبين أبى سفيان بوشيجة النسب فتميل به من جفاء العداوة إلى مودة تخرجه من ظلمات الشرك إلى هداية الإسلام».
«والسيدة جويرية بنت الحارث سيد قومه: كانت بين السبايا فى غزوة بنى المصطلق، فأكرمها النبى صلى الله عليه وسلم أن تذل ذلة السباء، فتزوجها وأعتقها وحض المسلمين على إعتاق سباياهم، فأسلموا جميعا وحسن إسلامهم، وخيرها أبوها بين العودة إليه والبقاء عند رسول الله.. فاختارت البقاء فى حرم رسول الله».
«والسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب: مات زوجها، فعرضها أبوها على أبى بكر فسكت، وعرضها على عثمان فسكت. وبث عمر أسفه للنبى فلم يشأ أن يضن على صديقه ووليه بالمصاهرة التى شرف بها أبابكر قبله، وقال له: «يتزوج حفصة من هو خير لها من أبى بكر وعثمان».
«والسيدة صفية بنت سيد بنى قريظة: خيرها النبى بين أن يردها إلى أهلها، أو يعتقها ويتزوجها، فاختارت البقاء عنده على العودة إلى ذويها، ولولا الخلق الرفيع الذى جبلت عليه نفسه الشريفة، لما علمنا أن السيدة صفية قصيرة يعيبها صواحبها بالقصر، ولكنه سمع إحدى صواحبها تعيبها بقصرها، فقال لها ما معناه من روايات لا تخرج عن هذا المعنى : إنك قد نطقت بكلمة لو ألقيت فى البحر لكدرته. وجبر خاطر الأسيرة الغريبة أن تسمع فى بيته ما يكدرها ويغض منها».
«والسيدة زينب بنت جحش إبنة عمته زوجها من مولاه ومتبناه زيد بن حارثة، فنفرت منه وعز على زيد أن يروضها على طاعته، فأذن له النبى فى طلاقها، فتزوجها عليه السلام، لأنه هو المسئول عن زواجها، وما كان جمالها خفيا عليه قبل تزويجها بمولاه، لأنها كانت بنت عمته، يراها من طفولتها ولم تفاجئه بروعة جمال لم يعهدها».
«والسيدة زينب بنت خزيمة: مات زوجها عبد الله بن جحش قتيلا فى غزوة أحد، ولم يكن بين المسلمين القلائل فى صحبته من تقدم لخطبتها، فتكفل بها عليه السلام، إذ لا كفيل لها من قومها».
«ولقد عاشت هذه الزوجات فى بيت لا يجدن فيه من الرغد ما تجده الزوجات فى بيوت الكثيرين من الرجال، مسلمين كانوا أو مشركين. وعلى هذا الشرف الذى لا يدانيه عند المرأة المسلمة شرف الملكات أو الأميرات، شقت عليهن شدة العيش فى بيت لا يصبن فيه من الطعام والزينة فوق الكفاف، والقناعة بأيسر اليسير، فاتفقن على مفاتحته فى الأمر، واجتمعن يسألنه المزيد من النفقة، وهى موفورة لديه لو شاء أن يزيد فى حصـته من الفئ، فلا يعترضه أحد ولا يحاسبه عليه. إلا أن الرجل المتحكم فى الأنفس والأموال سيد الجزيرة العربية لم يستطع أن يزيدهن على نصيبه ونصيبهن من الطعام والزينة، فأمهلهن شهراً وخيرهن بعده أن يفارقنه، ولهن منه حق المرأة المفارقة من المتاع والحسني، أو يقبلن ما قبله لنفسه معهن من ذلك العيش الكفاف».
<><
ولو أن هذا الخبر من أخبار بيت النبى كان من حوادث السيرة المحمدية التى تخفى على غير المطلعين المتوسعين فى الاطلاع، لقد كان للمبطلين بعض العذر فيما يفترونه على نبى الاسلام من كذب وبهتان، إلا أنه خبر يعلمه كل من أطلع على القرآن الكريم ووقف على أسباب التنزيل، وليس بينها ما هو أشهر فى كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآيات فى سورة الأحزاب :
(ياأيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً». (الأحزاب: 28 ــ 29)
الفتيات الصحفيات يسألن سؤالا فوق مدارك فتيات فى مثل عمرهن.. قلن كأنهن خالات أو عمات أو حتى جدات:
هل حدث أن اشتكت نساء النبى من العيشة الحاف والجفاف داخل بيت نبى الله؟
قلت: حدث والله.. وكما تقول رواية عمنا وتاج راسنا عباس محمود العقاد:
المتحدث هنا هو الصادق الصدوق الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كنا تحدثنا أن غسان تنعل النعال لغزونا، فنزل صاحبى يوم نوبته ، فرجع عشاء ، فضرب بابى ضربا شديدا وقال : أنائم هو ؟ ففزعت فخرجت إليه ، وقال حدث أمر عظيم!
قلت : ماهو ؟  أجاءت النوبة غسان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول ... لقد طلق النبى صلى الله عليه وسلم نساءه..» ! «بعد أن تألبت ربات البيت يشكون ويلحفن فى طلب المزيد من النفقة، لبث النبى فى داره مهموما بأمره، وأقبل أبو بكر فوجد الناس جلوسا لا يؤذن لأحد منهم ، فدخل الدار ولحق به عمر بن الخطاب ، فوجد النبى واجما وحوله نساؤه ، فأحب أبو بكر أن يسرى عنه بكلمة يقولها، وكأنه فطن لسر هذا الوجوم من النبى بين نسائه المجتمعات حوله فقال: «يارسول الله، لو رأيت ابنتى خارجة سألتنى النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها.. !
فضحك النبى وقال: هن حولى كما ترى يسألننى النفقة . فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، ويقولان: تسألن رسول الله ما ليس عنده ؟
 فقلن: والله لا نسأل رسول الله شيئا أبدا ليس عنده ...»
«وهجر النبى نساءه شهرا ، يمهلهن أن يخترن بعد الروية  بين البقاء على ما تيسر له ولهن من الرزق، وبين الانصراف بمتعة الطلاق .
وبدأ بالسيدة عائشة فقال: «إنى أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألا تتعجلى فيه حتى تستشيرى أبويك» فسألته : وما هو يارسول الله؟ فعرض عليها الخيرة مع سائر نسائه فى أمرهن . فقالت : «أفيك يارسول الله أستشير قومى ؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة . وأجابت أمهات المسلمين بما أجابت به السيدة عائشة ، وانتهت هذه الأزمة المكربة بسلام ، وما استطاع صاحب الدار وهو يومئذ أقدر رجل فى العالم المعمور أن يحل أزمة داره بغير إحدى اثنتين : أن يجمع النية على فراق نسائه ، أو يقنعن معه بما لديهن من رزق كفاف» .
قلت :
< «أعن مثل هذا الرجل يقال إنه حلس شهوات وأسير لذات ؟».
< «أعن مثله يقال إنه ابتغى من رسالته مأربا يبغيه الدعاة غير الهداية والإصلاح ؟».
<><
قلن فى صوت واحد: ياليتنا عشنا عصره.. كنا قد دخلنا بإرادتنا الكاملة ضمن زوجات الرسول.. لو أرادنا لتكون الجنة مثوانا.. ياسبحان الله }

-------------------------------------------------

>> وهجر النبى نساءه شهرا ، يمهلهن أن يخترن ــ بعد الروية ــ بين البقاء على ما تيسر له ولهن من الرزق ، أو الانصراف بمتعة الطلاق >>

Email:[email protected]

Email:[email protected]
لمزيد من مقالات عزت السعدنى

رابط دائم: