رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أنا.. و«الكاميرا البوكس»

أنا من المؤمنين بأن الصحة والتعليم هما طرفا عملية التنمية البشرية فى أى مجتمع، وبرفعة شأنهما ترتقى المجتمعات، تماماً كما اعتمد عليهما مهاتير محمد فى تحقيق نهضة بلاده. أخيرا أضاف الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى التنمية البشرية، عنصر الثقافة، ليكون ثالث أطراف التنمية البشرية بجوار الصحة والتعليم، وهو ما أتفق تماماً معه، وكنت قد نفذته بالفعل فى الأقصر عندما كنت محافظا لها، ونجحت فى تطوير 150 مدرسة فى عامين، لتضاهى مدارس الأقصر، بعد ذلك، جميع المدارس فى المحافظات الأخري، بل وتفوقت عليها.

وأُدين بالفضل لذلك الفكر الإصلاحى فى المدارس، إلى أيام طفولتى فى محافظة بورسعيد، وتحديدا عندما كنت طالبا فى مدرسة بورسعيد الإعدادية للبنين، التى كانت تتميز، مثل عموم مدارس مصر فى ذلك الحين، بنهضتها التعليمية القائمة على التطور فى مفاهيم تعليم الطالب، ليس فقط من خلال المناهج الدراسية، ولكن، أيضاً، من خلال الأنشطة الفنية والثقافية، وتنمية الهوايات.

فالمناهج العلمية تسير بصورة رائعة، سواء من حيث المحتوي، أو من حيث التطبيق من خلال معلمين ومدرسين على أعلى المستويات، أو من خلال البنية الأساسية للمدارس المتوافر بها معامل الكيمياء، والطبيعة، ومصباح بنز، وغير ذلك مما يتيح التطبيق العملى للمنهج. وبالتوازى مع ذلك، كانت المدارس مجهزة بالمسارح المدرسية، وفرق النشاط الموسيقي، والرسم، والنحت، والتصوير، علاوة على الأنشطة الرياضية، التى كانت جميعها تلاقى نفس مستوى الاهتمام والجودة من إدارة المدرسة.

أثناء دراستى فى مدرسة بورسعيد الإعدادية كان يُخصص لنا، ساعتان كل أسبوعين للهوايات، وفى السنة الدراسية الثانية، قررت أن التحق بقسم هوايات التصوير، وفى اليوم الأول كان المطلوب منى شراء كاميرا، وعدت إلى أمى لأطلب منها شراء الكاميرا، فلم تتوان لحظة، وقامت، بالفعل، بشراء كاميرا بوكس، وكان سعرها 4 جنيهات، وتعتبر أبسط الأنواع، آنذاك، فلها ثلاث سرعات لتشغيلها، ويعتمد زر الإضاءة على ثلاث علامات، شمس وغيوم وظل، وتحديد المسافات يعتمد على ثلاث علامات أخري. وبالرغم من بساطة تلك الكاميرا البوكس، وبدائيتها بمقاييس عالمنا المعاصر، إلا أن سعادتى بها، جعلتها الأحدث والأهم بالنسبة لي.

والتحقت بجماعة التصوير، وأنا فى الصف الثانى الإعدادى وتعرفنا فى اليوم الأول على معمل التحميض بالمدرسة، وتعلمنا تحميض الفيلم الفوتوغرافي، بإدخاله فى السائل المظهر، ثم المثبت، وكل ذلك فى الغرفة المظلمة. ثم بدأت دروس زوايا التصوير، وتجنب الظل، وتأكيد التلقائية فى الصورة، والاعتماد على الطبيعة. بعدها بدأنا الخروج إلى الشارع مع المدرس، وكانت مجموعتنا تتكون من 10 طلاب، أخذنا نتجول فى شوارع بورسعيد، وكان كل منا حريصاً على اختيار المناظر التى سيلتقطها، لأن فيلم الكاميرا يسع 12 صورة فقط. فهناك من اختار البلكونات الخشبية، التى تشتهر بها عمارات بورسعيد، وهناك من اهتم بتصوير سوق السمك وعملية البيع والشراء فيها. أما أنا فاخترت أن أصور عددا من الأطفال، انتهزوا فرصة سطوع الشمس، بعد أن كانت الأمطار قد هطلت فى ذلك اليوم، فخرجوا إلى الرصيف، بملابسهم البسيطة، يحملون أعواد القصب، وسعادتهم بالدفء لا تخفيها أعينهم البريئة، وبعض قطرات مياه الأمطار مازالت تغطى شوارع المدينة، فالتقطت لهم ثلاث صور، من ثلاث زوايا مختلفة. وعدنا، سريعاً، لمعمل التحميض بالمدرسة، وكلنا شغف لرؤية أول أعمال فنية لنا. وخرجت الصور رائعة، ولحسن الحظ، كان من المقرر، بعدها بأيام، إقامة المعرض السنوى للتصوير للمحترفين فى المدينة، فى مبنى البيت الحديدي، وهو من أقدم المبانى البورسعيدية، المصمم على الطراز الفرنسي، ونجح أستاذنا الجليل فى وضع الصور الفوتوغرافية لمجموعة المدرسة، فى قسم الهواة بالمعرض، وهكذا عرضت صورى لأول مرة فى المعرض السنوى ببورسعيد.

وكانت سعادتنا بعرض صور المدرسة الإعدادية فى بينالى بورسعيد مع العمالقة، سعادة غامرة، قد تعجز الكلمات عن وصفها. ولقد كان الحظ حليفي، فلقد كانت والدتي، رحمة الله عليها، من ستقوم بافتتاح هذا المعرض، بصفتها ناظرة مدرسة البنات ببورسعيد، وافتخر بأن لها الآن مدرسة فى بورسعيد تحمل اسمها، وهى مدرسة نبوية الجابرى الإعدادية للبنات. وافتتحت والدتى المعرض، ومرت تتابع صور المعرض، وأنا أقف بين زملاء مدرستى من مجموعة التصوير الفوتوغرافي، ورأيت السعادة فى عينيها، وهى ترى ابنها يقف أمام صوره، ومازحتنى قائلة، الأربعة جنيهات لم تذهب هباء.

ومرت الأيام، وأصبحت رئيساً لدار الأوبرا المصرية، أقوم بافتتاح العديد من معارض التصوير، فأتذكر فى كل مرة ما كان يدرسه لى أستاذى فى السنة الثانية فى مدرسة بورسعيد الإعدادية بنين، واذكر تشجيعه لنا، وتفانيه فى إبراز مواهبنا وصقلها.

أقول ذلك، لأن مصر تقود، حالياً، عملية جديدة لتطوير التعليم والنهوض به، وأريد أن أؤكد أن التعليم ليس مجرد كتاب، وكراسة، ومنهج دراسي، التعليم ثقافة، وقراءة، وتنمية مواهب، ليتعود الطالب على الابتكار والإبداع، وهذا ما نريده من الجيل الجديد. ولكن السؤال هل مدارسنا مجهزة بما يصقل المواهب وينميها، سواء من حيث البنية الأساسية، أو من حيث المدرس المؤمن بأهمية صقل الموهبة، وما لها من تأثير على القدرات الإبداعية للطالب؟ ليت التعليم يعود يوماً لما كان عليه فى الماضى.


لمزيد من مقالات ◀ د. سمير فرج

رابط دائم: