رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ثقافة العمل والمسئولية الغائبة فى حياتنا!

من الأخبار التى تبدو عادية فى متابعة الحياة السياسية فى بعض دول جنوب شرق آسيا تقدم وزير أو حكومة أو رئيس مؤسسة كبرى باستقالته لوقوع خطأ جسيم ترتب عليه حادثة من بعضهم، على نحو يبدو من هذا السلوك، وكأنه جزء من التقاليد السياسية والمهنية، ويرتبط بالنظام القيمى السائد فى اليابان والهند وبعض الدول الآسيوية الناهضة. ستصاب بالدهشة والصدمة ثم الاعتياد إذا قارنت بين استقالة وزير هندى للمواصلات والنقل على أثر حادثة قطار ما، وبين ما يحدث لدينا من أحداث خطيرة وأخطاء مهنية وسياسية ضخمة، ولا نجد من الوزير أو رئيس المؤسسة إلا تصريحات تُحيل الخطأ/ الكارثة إلى أسباب عامة، ومنها نقص الموارد المالية اللازمة لتطوير هذا القطاع أو ذاك، وأن البنية الأساسية قديمة ولم تتطور منذ عقود، وأن الحادثة هى نتاج عدم التطوير، وأن الأخطاء التى تقف وراء وقوع الحادثة سوف تخضع للتحقيق الفنى لتجنب حدوثها مستقبلاً، بالإضافة إلى المحاسبة القانونية والإدارية. غالبا ما يتم الحديث الإعلامى عن الكارثة، وسرعان ما يتم نسيانها، ولا يتم تذكرها وغيرها إلا عندما تحدث أخرى! من المثير للملاحظة أننا نادرا ما نجد رد فعل الوزير أو المسئول يتمثل فى تقديم الاستقالة أو التلويح بها. والسؤال الذى يطرحه هذا النمط السلوكى، هل الإحجام عن تقديم الاستقالة عند الخطأ له أسبابه السياسية أم أنه جزء من نمط ثقافى سائد فى النخبة والمجتمع؟ إن المقارنة مع اليابان والهند- وبعض دول آسيا الناهضة، ربما يبرز بعض الفوارق الثقافية بين الحالة المصرية وبين هذه الأمثلة الناهضة على تحول الاستقالة إلى جزء من التعبيرات السوسيو- ثقافية فى هذه المجتمعات. أنساق القيم الآسيوية تدور حول بعض القيم المركزية ومنها العمل/ المسئولية، الذى يكاد يصل إلى درجة العبادة، وعشق الإنسان الآسيوى- اليابانى أساساً- لقيمة العمل، ومن ثم يأخذ المساحة الأكبر من الحياة اليومية، إلى درجة إفراط بعضهم فى تغليبه على أوقات الفراغ.

التطور اليابانى الهائل، والصعود الآسيوى الكبير حول الصين كوريا الجنوبية والهند وسنغافورة وماليزيا- ينسب للعمل/ المسئولية فى نظام القيم الآسيوية، وهو ما يفسر ضمن عوامل وأسباب أخرى، هذا التطور التقنى والاقتصادى الكبير، وفى أنماط الحياة فى هذه البلدان. من ضمن عوامل النهوض والتطور الكبير، ثقافة المسئولية الفردية إزاء العمل والسلوك الاجتماعى وتجاه الفرد ذاته، وعدم إلقاء أعبائها ومترتباتها على الآخرين أيا كانوا. من هنا يمكن تفسير الاستقالة كجزء من مكونات ثقافة العمل والمسئولية عن الأخطاء، سواء أكانت مباشرة، أو غير مباشرة. التفسير السوسيو- ثقافى لا يعنى إغفال التفسير السياسى للاستقالة فى حالة الحكومات والوزراء عند وقوع أخطاء أو كوارث تقع فى نطاق عملهم، وهو ما يتمثل فى المسئولية السياسية كجزء من الثقافة السياسية فى الدول الديمقراطية كاليابان والهند، والربط بين العمل والخطأ والمسئولية عموما والسياسية خصوصا.

من هنا عندما يحدث خطأ جسيم تنتج عنه كارثة إنسانية، أو خلل كبير فى سير أعمال الوزارة وأجهزتها، أو إحدى المؤسسات، يبدو واضحاً أن المسئول الأول هو الوزير، من هنا نرى استقالات وزراء النقل والمواصلات فى الهند عندما تقع كارثة قطار ويترتب عليها خسائر بشرية أو مادية، على الرغم من أن المسئولية المباشرة تنعقد فى شأن مرتكبى الخطأ الذى أدى إلى وقوع الحادث، وذلك لأن القيم السياسية الديمقراطية تنطوى على المسئولية عموما والسياسية خصوصاً. الاستقالة السياسية وغيرها من الاستقالات تشمل الأخطاء المباشرة إذا ما توافرت شروطها وانعقدت فى شأن الوزير المسئول، وتشمل أيضا الأخطاء غير المباشرة. لا شك أن ثقافة الاستقالة ترتبط بسيادة القانون، وتطبيقه بحسم وحيدة ونزاهة على جميع المواطنين بلا تمييز بينهم على أى أساس مائز بما فيها المكانة السياسية والثروة.. الخ.

فى الحالة المصرية يبدو العمل كقيمة هامشية، وذلك كنتاج لعديد الأسباب، ومنها قيمة الإعالة على الدولة، والتى تجسدت فى نطاق العمل وعلاقاته فى إطار الدولة التسلطية، وأجهزتها البيروقراطية المتضخمة، والتى تفشت فيها أمراض البطء وهدر الوقت، وعدم الكفاءة المهنية، وسطوة المكون الريفى الفكرى والقيمى والسلوكى- فى تكوين غالب الموظفين والعمال داخلها، وبروز التناقضات بين بعض منظومتهم القيمية مع العمل وعلاقاته وقيمة المسئولية الفردية والإدارية عن الأخطاء. من ناحية أخرى تبدو أساليب التهرب من المسئولية، وإلقاء تبعاتها على الآخرين والظروف. لا توجد أيضا ثقافة الاستقالة السياسية كنتاج لطبيعة النظام السياسى وتكوين النخبة الحاكمة، وهيمنة قيادتها على الدولة وسلطاتها وأجهزتها، ومن ثم اعتمدت على التعيين فى التشكيلات الوزارية واختيار أعضائها على التكنقراط وكبار الموظفين من قيادات الأجهزة البيروقراطية.

لا يعتمد الموقع الوزارى على معايير سياسية، وآليات ديمقراطية، ومن ثم غابت الاستقالة لصالح الإقالة من أعلى، حتى فى بعض الحالات التى قدم فيها بعض الوزراء كحلمى مراد استقالته إلا أنها رفضت وتم استبعاده مع أول تعديل للحكومة، أن هامشية العمل وضعف وازع المسئولية الفردية، والمسئولية السياسية تبدو بالغة الخطورة فى حياتنا، وتقف وراء غالبُ مشكلاتنا وتدهورنا وتخلفنا التاريخى. من هنا تبدو أهمية تحديث العمل الإدارى وعلاقاته وضرورة مواجهة التكلس البيروقراطى، وعدم الكفاءة والترهل والفساد بحسم وعزم وبلا تردد.


لمزيد من مقالات ◀ نبيل عبد الفتاح

رابط دائم: