رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إصلاح حال المعلم أولا

لم أندهش كثيرا حينما قرأت إجابة المسئول اليابانى الكبير حينما سئل عن سر نهضة اليابان فقال: أعطينا المدرس مرتب وزير وحصانة دبلوماسى واحترام امبراطور, لأن التقدير المادى والمعنوى للمعلم ينعكس على عمله بصورة ايجابية مباشرة ومن ثم يقوم بعمله بكل همة واخلاص وانتماء ويصبح بالتالى القدوة والمثل الذى يحتذيه تلاميذه ليس فى الحرص على تحقيق التفوق العلمى فقط, وانما أيضا فى الانتماء للوطن والاخلاص فى العمل وإتقانه بعد التخرج والانخراط فى الحياة العملية. إن المعلم الحقيقى هو الذى يعى أن رسالته التعليمية رسالة مقدسة وأن مسئوليته تجاه الأجيال التى تتعلم على يديه ليست قاصرة على تلقين المعرفة العلمية فقط بل هى رسالة تربوية سامية يقوم فيها باكتشاف النابغين من تلاميذه ويحسن توجيههم وتنمية مواهبهم، فضلا عن غرس كل القيم الأخلاقية والمهارات الابداعية فيهم.

وبالطبع فكلنا يدرك ذلك وكم ردد المرددون كلمات خالدة مثل قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا ، وكلنا يعى أن التعليم المتطور هو القاطرة التى تقود عملية التنمية من كافة جوانبها فهو أساس تنمية البشر وتطوير قدرتهم وصانع وعيهم وملهمهم طرق الابداع والابتكار ، كما أننا وخاصة الأجيال التى تربت فى المدارس الحكومية حتى سبعينيات القرن الماضى قد تربينا على يد أجيال من المعلمين كانوا قمما فى تخصصاتهم العلمية وكانوا شديدى الاحترام لأنفسهم ومدركين لطبيعة دورهم التربوى والتعليمى ومن ثم كانوا يتمتعون بالهيبة والاحترام والتبجيل ويمثلون القدوة والمثل الذى يحتذى من قبل التلاميذ وأسرهم، وبالطبع فقد كان كل ذلك نتيجة التقدير المادى والمعنوى الكبير الذى كانوا يحصلون عليه من الدولة والمجتمع. والحقيقة أن هذه المكانة بدأت تتهاوى منذ أن أصبح دخل المدرس لايكفيه ولايمكنه من الظهور بالمظهر اللائق وبالمكانة الاجتماعية المتميزة، ومنذ أن خضع تحت وطأة الحاجة واضطرته الظروف المحيطة إلى تحويل بيته إلى مدرسة يعطى فيه الدروس الخصوصية! واضطرته الحاجة أكثر وأكثر فرحب بالذهاب إلى التلميذ فى منزله ليحصل أمام تلميذه الصغير على مقابل الدرس من ولى أمره! ومن ثم ضاعت مكانته وقلت هيبته بل قل فقد احترام التلميذ له فى المدرسة وخارجها! وبالطبع فقد انعكس ذلك مباشرة على مانراه الآن فى مدارسنا من علاقة غير سوية بين المدرسين والتلاميذ, فقد تكاسل المدرس عن القيام بواجبه المهنى داخل المدرسة تربويا وتعليميا وادخر ذلك للدروس الخصوصية سواء فى المنازل أو فى مراكز الدروس الخصوصية التى انتشرت كانتشار النار فى الهشيم وأصبحت هى البديل الفعلى للمدرسة رغم تكاليفها الباهظة التى يضطر إلى تحملها كل من يتوق إلى مواصلة تعليم أبنائه من الوزير إلى البواب والخفير! وأصبح الكل يشكو انهيار التعليم فى مصر من التلاميذ وذويهم إلى المختصين ومعهم كل أجهزة الدولة ، وارتبط انهيار التعليم فى بلدنا بانهيار منظومة القيم التربوية والاجتماعية والأخلاقية وأصبح الكل يصرخ: أغيثونا ويتساءل: ماالطريق إلى إصلاح كل ذلك؟!

إن الطريق يبدأ من مقولة رئيس وزراء اليابان السابق، يبدأ من إصلاح حال المعلم، وحالته لاتخفى على أحد فقد ذهلت حينما علمت من بعض تلاميذى الذين وصلوا إلى غاية السلم التدريسى والإشرافى فى التعليم أن راتبهم يقف على حدود 3000 جنيه يقل قليلا أو يزيد قليلا إذا أضفنا إليه الاشتراك فى أعمال المراقبة والامتحانات! فهل يتوقع السادة المسئولون أن المعلم سيقوم بالدور الذى يسعون إليه ويطمحون فيه فى ظل هذا المقابل الذى لم يعد يحقق له حياة كريمة أو لائقة؟! وقد يرد علينا أحدهم قائلا: إن الدولة ستعطى علاوة دورية واستثنائية بحد أدنى وحد أقصي.. الخ. والحقيقة أنه اذا كنا جادين حقا فى إصلاح التعليم وتشغيل المدارس الحكومية واليابانية وغيرها بمستوى لائق فلابد من التعديل الشامل للائحة الأجور، بحيث يحصل المعلم على الأجر اللائق بمهنته المقدسة ويلزم بعد ذلك بأداء واجبه كاملا والتفرغ التام لعمله داخل المدرسة ويقضى اليوم كاملا فى متابعة تلاميذه ومايقومون به من أنشطة مختلفة علمية كانت أو فنية أو رياضية أو اجتماعية. إن دور الحضانة والمدرسة هى المعمل الأول الذى يفتح عيون أبنائنا على العالم ويكتشف مواهبهم وينمى قدراتهم اللغوية والفكرية والبحثية والفنية والرياضية وغيرها. وهذه ببساطة هى مهمة مايسمونه بالمدارس اليابانية المنبهرين بها وهى فى الحقيقة لاتختلف فى شيء عن مهمة المدرسة فى ذلك العهد الذى تعلمنا فيه وهو ليس ببعيد!.


لمزيد من مقالات ◀ د .مصطفى النشار

رابط دائم: