رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مستقبل الاتفاق الإيرانى بعد الانسحاب الأمريكى

بعد مرور أكثر من شهرين على الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الإيرانى, يواجه الاتفاق العديد من التحديات التى تدفع فى اتجاه احتمالات انهياره أكثر من احتمالات صموده واستمراره. فرغم استمرار الاتفاق من الناحية النظرية والقانونية مع استمرار روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى ألمانيا، فيه، وضمانه من قبل مجلس الأمن وفقا للقرار 2231، إلا أنه من الناحية العملية أفرغ الانسحاب الأمريكى الاتفاق من مضمونه مع إعادة فرض الولايات المتحدة, الطرف الأساسى, عقوباتها المشددة على إيران والتى تشمل معظم القطاعات الرئيسية للاقتصاد الإيرانى وأبرزها قطاع الطاقة من النفط والغاز وقطاع المصارف، وعلى رأسها البنك المركزى وفرض العقوبات على الشركات التى تستثمر فى إيران وإعطائها فرصة للانسحاب من السوق الإيرانية حتى بداية نوفمبر المقبل, وهو ما يعنى فقدان الأطراف الأخرى لأهم ميزة فى الاتفاق وهى المصالح الاقتصادية بشكل أساسى ولم تعد هناك جدوى للاستمرار فيه، فالجانب الإيرانى وجد فى الاتفاق ملاذا للخروج من أزمته الاقتصادية وعزلته الدولية التى استمرت لسنوات كبيرة, حيث أدى الاتفاق لرفع العقوبات الدولية واستعادة الأرصدة المجمدة فى الخارج، وتدفق الاستثمارات الأجنبية, وفى المقابل لم تقدم طهران تنازلات كبيرة حيث إن الاتفاق موقوتا حتى عام 2025 يمكن لها بعده استئناف عمليات التخصيب بعد أن تكون جنت ثمار الاتفاق. أما أوروبا والصين وروسيا فرغم أن موقفها ظاهره منع الانتشار النووى، إلا أن باطنه الاستفادة الاقتصادية من السوق الإيرانية، ولذلك تدفقت شركاتها وأبرمت عقودا واستثمارات فى إيران بعشرات المليارات من الدولارات ولذلك فإن إعادة فرض العقوبات الأمريكية السابقة وفرض عقوبات جديدة مشددة تعنى خلق حالة من عدم اليقين فى الاقتصاد الإيرانى, من الصعب على أى مستثمر أوروبى أو روسى أو صينى أن يجازف بالاستثمار فيه, نظرا لفرض الولايات المتحدة عقوبات على تلك الشركات وارتباطها بالمصارف الأمريكية وهو ما انعكس فى تدفق تلك الاستثمارات إلى خارج إيران, فعلى سبيل المثال جمّدت شركة توتال الفرنسية عقدا بثلاثة مليارات يورو مع طهران للاستثمار فى مجال النفط، كما أوقفت شركة إيرباص عقدها مع إيران والذى يقضى بتزويدها بمائة طائرة مدنية مقابل عشرين مليار يورو، وعلقت مجموعة بيجو ستروين المنتجة لسيارات بيجو أنشطة مشروعها المشترك فى إيران. كما ألغت كل من شركتى السيارات مازدا اليابانية، وهيونداى الكورية الجنوبية صفقات لهما مع شركات سيارات محلية فى إيران. ولذلك مع فقدان هذه الدول لمزايا الاتفاق من الصعب عليها أن تستمر فيه. ورغم أن روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا سعت خلال اجتماع فيينا الجمعة الماضى، لطمأنة إيران وطرح خريطة طريق من 11 بندا أبرزها استمرار استيراد النفط الإيرانى، إلا أنه من الصعوبة عمليا التزام تلك الأطراف بتقديم تعويضات أو تقديم الحماية لشركاتها المستثمرة فى إيران والتى تقدر بالمليارات، ومع تزايد الضغوط الأمريكية ستجد أوروبا نفسها فى نهاية المطاف أن عليها الاختيار إما بين استمرار علاقتها الاقتصادية مع إيران وإما علاقتها الاقتصادية مع أمريكا, وبالطبع فإنها ستختار الولايات المتحدة حيث حجم التبادل التجارى بينهما أكثر من 800 مليار دولار مقابل 200 مليار دولار مع إيران. إضافة إلى أن روسيا والصين لن تستطيع تعويض انسحاب الشركات الأوروبية.

كما أن الإدارة الأمريكية تتبنى إستراتيجية أقصى الضغوط على إيران من خلال سياسة العصا المتمثلة فى فرض أشد العقوبات ليس فقط على أنشطة البرنامج النووى الإيرانى، ولكن أيضا عقوبات مشددة تتعلق ببرنامجها الصاروخى الباليستى وكذلك المتعلقة بأنشطتها فى دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار فى المنطقة عبر أذرعها العسكرية مثل حزب الله اللبنانى وميليشيا الحوثى الانقلابية فى اليمن وعشرات الميليشيات فى العراق وسوريا مثل النجباء وعصائب أهل الحق والفاطميين والزينبيين ولواء أبو العباس وغيرها، والتى طالتها العقوبات بالفعل من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، حيث ترتكز الاستراتيجية الأمريكية على الربط بين كل الملفات، النووى والباليستى ودعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، ضمن حزمة واحدة فى إطار احتواء إيران وتحجيم مخاطرها، وهو ما يزيد من الضغوط على النظام الإيرانى الذى يئن الآن بين مطرقة الداخل مع تزايد التدهور الاقتصادى واندلاع الاحتجاجات الشعبية ضده وآخرها احتجاجات البازار، وبين سندان الضغوط الخارجية، مما يقوى تيار المحافظين المتشددين للضغط على الرئيس روحانى للانسحاب من الاتفاق، ومن ثم انهياره والعودة إلى المربع صفر. وبالتالى يبقى أمام النظام الإيرانى إما خيار الانسحاب واستئناف التخصيب والتهديد بغلق مضيق هرمز، وهو مكلف جدا له ولن يتحمل تبعاته فى ظل أزماته الداخلية مما يودى بسقوطه، وإما خيار القبول فى نهاية المطاف بإبرام اتفاق جديد شامل كما تطالب أمريكا, يعالج عيوب الاتفاق السابق ويحجم قدراته الصاروخية ودوره فى دعم الإرهاب, وهو الاحتمال الأرجح.

لكن يظل تعديل النظام الإيرانى لسلوكه، والتوقف عن دعم الإرهاب، وزعزعة الاستقرار فى المنطقة عبر أذرعه العسكرية, والتوقف عن تطوير برنامجه النووى والباليستى وأن تتحول إيران لدولة رشيدة تعيش فى سلام مع جيرانها هو المخرج الوحيد من أزماته.


لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد

رابط دائم: