رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وطن جَاوَر ألف (مَدْنة) ورِزْقُه بِالحلال

على غير عادة أهل الفن المعاصرين حين يُصادقون صحفياً، لم يطلب الفنان الكبير (عهدى صادق) إشادةً بأدائه فى أمسية (حى على بلدنا) للمخرج أحمد إسماعيل والتى يقدمها يومياً على خشبة (المسرح القومي)، مرَّت ليلة العرض التى كانت رمضانية حينها، تبعها جلسة ضمت فريق عمل الأمسية مع عدد من أهل الفن والثقافة الذين يحملون الوطن هماً، وفى مقدمتهم الكاتب الكبير طارق يوسف والإذاعية القديرة أسماء أبوعيش، كانت الأمسية أشبه بجرعة زائدة من المُنبِهات الوطنية والفكرية والإنسانية قرر المسرح القومى ومديره الفنان (يوسف إسماعيل) أن يفرضها جرعات مكثفة على كل من يلوذ بالمسرح القومى مستجيباً لأذانٍ يهتف مؤذنه (حى على بلدنا)، ليخرج متلقى الجرعة يعانى إحساسا بالجوع الشديد للقيمات يقين فى وطنه، ذلك الوطن القديم السارى على ساحة الإنسانية مذ بدأت، وبمجرد الخروج من بوابة المسرح العتيق بقلب ميدان العتبة، يكتشف كل خارج من العرض أنه بحاجة إلى أن يعود سريعاً إلى كرسيه حيث يوزع الفنانون (أشرف عبد الغفور وعهدى صادق، ومفيد عاشور، والمطرب محمد عزت، ورحاب رسمي، والمطربة نهال خالد) على كل حاضر جملاً طازجة تُدَغدِغ وعياً جائعاً للقيمات يقين وجمال ومحبة.

دارت ليالى العرض الذى كان يُفترض أن يكون رمضانياً وفقط، حتى كان أن أعلن مدير المسرح القومى أن أمسية (حى على بلدنا) ستعود لخشبة المسرح مع احتفالات ثورة 30 يونيو، والجديد أنه قرر أن يفتح أبوابه مجاناً للجمهور، ساعياً لاجتذاب أكبر قدر ممكن من المتعطشين لجراعات (فؤاد حداد) المُثَبِتَه لكل متردد، والمقوية لكل ضعيف، والجابرة لكسر الخواطر، والمُحيية لمشاعر وقضايا توهم البعض أنها ماتت.

أيُ مخاطرة غير محسوبة تلك التى يخوضها مدير المسرح القومى وفريق أمسية فؤاد حداد؟، لقد قرروا أن يفتحوا أبواب أعرق المسارح المصرية لعامة الجمهور بغير مقابل، ويكفى لكى نستشعر حجم الخطر المحتمل، أن نطل على شاشات الفضائيات لنسمع آخر أطوار السخرية ممن يُصَنِفون أنفسهم (نخبة)، أو نتتبع أخبار ومقاطع تصريحات بعض المصنفين باعتبارهم مسئولين عبر مؤتمرات صحفية، ثم نضع ذلك إلى جوار عينات للجمهور المصري، عينات مُنتقاة ومفروضة إعلامياً، لنكتشف أن إجراء مثل فتح أبواب المسرح القومى بالمجان لعامة الجمهور يشبه فتح أبواب محصنة .

ولأن هذا الشعب قديم قدم الإنسان والحضارة، وربما أورثه هذا القدم تعتقاً فى فن الكمون حفاظاً على مقومات قوته حال ضعفها، لحين توافر الأجواء الملائمة لنهضته، هو شعب إذن يملك مضادات ذاتية للهدم، يصنفها البعض ظلماً بأنه (بلا كتالوج)، غير إن واقعه يُثبت أنه يعرف (كتالوجه) جيداً، ولذا حين تطايرت الأخبار عن أن المسرح القومى فتح أبوابه بالمجان لكل ساعٍ لتلبية أذان (فؤاد حداد) أن (حيّ على بلدنا)، تدفق الجمهور من كل حدب وصوب، ويكفى كل مكلف بالإدارة فى هذا الوطن أن يتطلع من كواليس المسرح القومى إلى قاعته، ليكتشف أن مصر لم تعدم مواطنين يفتشون عنها، ورغم تتابع الأحمال الثقال على كاهل الأسر إلا إنها حين لمحت فى محيط عشوائية الفنون، وفوضوية الإعلام، بقعة من ضى لأمل سارعت نحوه ملبية أذانه. (حى على بلدنا)، أذان خالص الإيمان بوطن انعكاساً للإيمان بخالق، وأذان شامل القضايا حين تشتت فى فوضوى الإعلام القضايا، وأذان قادر على بعث الروح فى موات استهدفه العدا، وأذان قاهر فوق كل مستبد يتربص بأوطاننا استعماراً أو استثماراً أو تشتيتًا أو تفريقاً.

ولبَّتْ مِصر النداء بكل طوائفها وشرائحها، وحين جلس المخرج الكبير مجدى أحمد على بين النُظّارة فى (حى على بلدنا) خرج يقول (مسرح محترم مكيف مجانى هل هذا حلم؟)، ويحكى أحد أبطال الأمسية (مفيد عاشور) ذلك المسرحى الدرويش فى حضرة الوطن فيقول (تشرفت بعد العرض بمقابلة الكثير والكثير من الأسر التى حضرت العرض بأولادها بمختلف المراحل السنية، وأعتقد أنه لولا مجانية العرض ماحضرت هذه الأسر بكامل أفرادها، لأن حضورها يكلف ربها الكثير من الأموال فى ظل الظروف الاقتصادية التى نمر بها، ورسالتى وطلبى من الفنانة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، لم لانخصص يومين أسبوعيًا تُعْرض فيه عروض هيئة المسرح مجانا وللجمهور حتى تصل رسالة المسرح إلى السواد الأعظم من مستحقيها أهالينا متوسطى الدخول وغير القادرين).

حين التقيت الفنان الكبير (عهدى صادق) شديد الإيمان بهذا الوطن وناسه، مال على أذنى موصياً، (مش مهم تكتب عن العرض واللى فيه المهم تكتب عن رسالة العرض الأساسية : حبوا الوطن، دى وصية عم فؤاد حداد، ودى رسالة الفن)، والحقيقة أننا بحاجة إلى مشروع فنى شامل يتبناه الجميع لتعود مصر وطناً يجاور ألف (مدنة) مالكاً رزقه بالحلال.


لمزيد من مقالات ◀ عبد الجليل الشرنوبى

رابط دائم: