رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصريون لا يحبون مصر

منذ أيام حدثت واقعة فى دورة البحر المتوسط التى تستضيفها إسبانيا فى لعبة تنس الطاولة، وبينما كان يلعب بطل مصر المشارك فى مباراة مع لاعب تركيا دار حديث بينهما سمعه الجميع وهو يسب مصر ويتغنى بتركيا صاحبة الخلافة وأنه لا يريد أن يمثل مصر. وقد غار على مصر أعضاء البعثة وقرروا إيقاف اللاعب وإعادته إلى مصر رغم أنه المصنف رقم واحد لإحراز الذهبية، ولكنهم وجدوا أنه لا يستحق أن يحمل اسم مصر.

وهذه الحادثة كاشفة جداً لخلل كبير فى التعليم المدرسي، وفى التربية داخل الأسرة، والخلل الواقعى فى بناء الهوية المصرية لشبابنا، بل هناك قصور فى مناهج التاريخ وطريقة التعليم ذاتها. فحين يكون هناك بطل لمصر فى الرياضة لا يشعر بالفخر أنه يحمل علم مصر لابد أن نلتفت إلى أن هناك خللا ما فهو لم يتعلم من أحد من هى مصر، ومن هى تركيا.

فلنا كل الفخر أننا ننتمى لتراب وتاريخ هذا البلد، فمصر هى أقدم مواطن الحضارة فى العالم، وتاريخها هو أعمق تاريخ للبشرية كلها. والمصريون هم أصحاب الفضل فى تشييد العلم والتقدم للبشرية والعبور بها من عصور الهمجية إلى المدنية والدولة.

فهى أول كل شيء، أول سفينة تبحر فى الماء، أول علوم للإدارة، وأول تعاليم أخلاقية، فكما قال هنرى برستد عالم الآثار الأمريكي: المصريون هم فجر الضمير، ويقول: الإنسان صار أول صانع للأشياء بين مخلوقات الكون.

وهو أول من عرف الإله الواحد، فيقول هيرودوت فى القرن الخامس قبل الميلاد: إن المصريين يعرفون اللـه ويخافونه أكثر من أى شعب آخر.

وأول من اكتشف الكتابة قبل توحيد البلاد على يد الملك مينا عام 3200 ق.م، وعلم الكيمياء مأخوذ أصلاً من أحد أسماء مصر كمت، فأول الاكتشافات الكيميائية كانت فى مصر. وأول من اخترع الرياضيات والفلك والطب هم المصريون.

وقد اكتشفوا الأجرام السماوية ونقشوا على معبد دندرة بيانا لساعات الليل والنهار ومسار الشمس بين النجوم. وأخذ اليونانيون من المصريين العلوم الفلكية والرياضة. ويقول أفلاطون عن أستاذه سقراط إن الإله المصرى تحوت هو الذى ابتدع نظريات الحساب والهندسة والفلك، ويقول إن المصريين جعلوا تعليم الحساب متعة.

وفى الطب كانت مصر صاحبة أول مدرسة طبية ترجع للأسرة الأولي، وعلم الجراحة والتشريح أصوله مصرية. وإلى الآن العالم كله يقف مذهولاً أمام المومياوات المصرية وكيف استطاعوا أن يحنطوا الأجساد.

وفى العمارة والبناء المصريون هم أصحاب المعجزات المعمارية مثل الهرم الذى تبلغ مساحة قاعدة الهرم الأكبر ثلاثة عشر فداناً، وارتفاعه مائة وخمسون متراً، بناه مائة ألف عامل فى عشرين سنة، استخدم فيه مليونان وثلاثمائة ألف حجر يزن الواحد طنين ونصف طن، هذا من الخارج أما فى الداخل فكله أسرار علمية التحدث عنها يأخذ مجلدات. وماذا نقول عن الفن والرسم والنحت والموسيقى والزراعة والتجارة والصناعة!!

وكانت مصر سبب حضارة بلاد البحر المتوسط وهى النبع الذى ارتوت منه حضارة اليونان كما أثرت على حضارات آسيا وإفريقيا.

أما من هى تركيا فهم شعب يرجع أصوله لقبائل فى وسط آسيا، ثم كون زعيمهم أرطغول جيشاً وحارب التتار ووصل إلى آسيا الصغري، وسكن هذه المنطقة معه أربعمائة أسرة عام 1250م.

وبدأ يهاجم المملكة البيزنطية وبعد انهيار التتار بايعت هذه القبائل عثمان بن أرطغول لتبدأ الدولة العثمانية عام 1300م وبلغت ذروتهم العسكرية فى القرن السادس عشر. فتصوروا نحن نتكلم عن مصر مؤسسة تاريخ العالم وحضاراته وعلومه، ونتكلم عن قبائل لم يذكر التاريخ لهم وجودا إلا فى القرن الثانى عشر وذكرهم كله حروب ودمار واحتلال لبلاد أخري.

ثم هجمت الجيوش التركية على مصر عام 1517م بقيادة سليم الأول واحتلوا القاهرة بعد حرب شرسة لينتهى حكم المماليك الذى كان لمدة قرنين من الزمان، وبدأ حكم العثمانيين. وبدأوا خطة إضعاف مصر حتى تظل تابعة لهم.

ويقول المؤرخ المصرى ابن إياس فى كتابه بدائع الزهور فى وقائع الدهور: إنه لم يقاس أهل مصر فترة مثل هذه فقد اقتحموا الأرض وجامع الحاكم وأحرقوا جامع شيخو وخربوا ضريح السيدة نفيسة وداسوا على قبرها، ويقول أيضاً: من العجائب أن مصر صارت بعد ذلك تابعة بعد أن كان سلطان مصر من أعظم السلاطين.

ويقول إنه غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها، ويقول أيضاً وقد سقط فى يوم واحد عشرة آلاف قتيل من الشعب المصري، وكانوا يربطون الرجال بالحبال من رقابهم ويسوقونهم بالضرب على ظهورهم. وأخذوا فى سلب ونهب البيوت والقصور ودكاكين التجار، وفرضوا ضرائب على كل شيء حتى على الزواج والطلاق.

ويذكر هذا المؤرخ أن سليم الأول السلطان خرج من مصر وبصحبته ألف جمل محمل ما بين ذهب وفضة بجانب التحف، ومعهم خيول وبغال. كما نهب أيضا كتب المساجد والمكتبات العامة، ونقل من مصر أرباب الحرف إلى إسطنبول مما خرب الصناعة فى مصر وأضعفها. فقد انقرضت خمسون حرفة برحيل أربابها.

وألغوا كل أشكال التعليم واقتصر التعليم فقط على الأزهر الشريف. وساد البؤس على المصريين، وقل عدد سكان مصر من تسعة ملايين وقت المماليك إلى مليونين ونصف المليون مواطن نتيجة تفشى المرض والجهل.

هذه هى مصر وتلك هى تركيا، وكما قال مصطفى كامل: لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً.

ويبقى السؤال الآن ألم يحن الوقت للنظر فى تعليم التاريخ وكتابته وطريقة التعليم التى تنتج لنا هوية مشوهة ليس لها انتماء.

وهناك خلط بين الإيمان والدين وبين الهوية الوطنية، وهذا الخلط يحتاج إلى استنارة وتحديد للمفاهيم عند المعلمين ورجال الدين حتى لا يتبنى أحد قول مرشد الإخوان السابق طظ فى مصر، أو قول سيد قطب ما الوطن إلا حفنة تراب عفنة، فلنعلم أولادنا من هى مصرنا العظيمة.


لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس

رابط دائم: