رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

التحدى الأكبر أمام الحكومة

من أفضل البنود التى سمعتها، من الدكتور مصطفى مدبولى خلال إلقائه بيان الحكومة أمام البرلمان، أن برنامج الحكومة يسعى إلى خفض معدلات الدين العام وأعبائه إلى 90% من الناتج المحلى، فى يونيو 2020، وتقليل العجز الكلى إلى 6%، ويعكس هذا البند -حال نجاح تحقيقه- وعيا حكوميا بخطورة ارتفاع مستويات الاستدانة، وتوابعها من زيادة عجز الموازنة وتقليل مخصصات الاستثمار والإنتاج والتشغيل، وتوجيه الشطر الأهم من الميزانية لخدمة الدين والدين نفسه.

خلال العام الماضى، وجه الرئيس السيسى الحكومة بعدم استدانة دولار واحد من الخارج، إلا للشديد القوى، كان ذلك تنبيها حازما، تضعه حكومة مدبولى نصب أعينها، لاسيما أن الحكومة السابقة أفرطت بالاستدانة، داخليا وخارجيا، بالنظر لما تعرضت له البلاد من ظروف قاسية ممتدة منذ ثورة يناير، كانت الحاجة إلى الاقتراض ملحة فى أوقات كثيرة، وجانب من القروض موّل إنشاء بنية تحتية عملاقة- محطات توليد الكهرباء مثلا- لتهيئة المناخ للتوسع فى المشروعات المختلفة واستقطاب رءوس الأموال الخارجية، وبرغم ذلك فإن ارتفاع الدين العام، خصوصا الخارجى، يمثل مصدر إزعاج لايمكن إنكار خطورته.

فى مايو الماضى، اعترف عمرو الجارحى وزير المالية آنذاك، تحت قبة البرلمان بأن مديونية مصر كانت 850 مليار جنيه عام 2007/2008، وأخذت فى الارتفاع وسوف تصل بنهاية 2017/ 2018 إلى 4.3 تريليون جنيه، وأن فوائد هذا الدين تمثل 36% من المصروفات، وأن التحدى الأضخم فى حجم المديونية، مؤكدا أن زيادة عجز الموازنة عنصر أساسى لكل المشكلات. فى الاجتماع نفسه أشار النائب عصام الفقى، أمين سر لجنة الخطة والموازنة إلى أن فوائد الدين فى موازنة عام 2016 / 2017 بلغت 242 مليار جنيه، ارتفعت إلى 380 مليارا العام الماضى، وسوف ترتفع إلى 541 مليارا العام المالى الحالي.

وأحسب أن أخطر تحد يواجه حكومة مدبولى هو كبح المديونية وإبقاؤها تحت الحدود الآمنة، وعدم الاستدانة إلا عند الضرورة وبضوابط صارمة، هذا شرط أساسي؛ حتى تنضج ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادى وتتساقط على الطبقات المتوسطة والكادحة والفقيرة الذين صبروا وتحملوا فواتير هذا البرنامج المؤلمة.

إن الحدود الآمنة للدين هى النسبة التى تمثلها الديون وتكلفة خدماتها (أقساطا وفوائد) من إجمالى الموارد المالية المتاحة للدولة، حددها البنك الدولى عند سقف 60% من الناتج الإجمالى، ولو تجاوزت أى دولة ذاك الحد يكون غير مسموح لها بالاستدانة الخارجية، مما يعد مشكلة حقيقية، تقلل فرص الاستثمار الداخلى التى يأتى تمويلها غالبا، عبر الاقتراض من المؤسسات الدولية، وأى دولة تعجز عن سداد أقساط الديون يتم إشهار إفلاسها.

ومن ثم كشف بيان الحكومة أمام مجلس النواب عن الرغبة فى التعامل مع الأمر بجدية تليق بخطورته، ولعل أهم التدابير فى هذا السياق أن تتبنى عملية الإصلاح الاقتصادى الجارية ــ بوضوح ــ إستراتيجية التصنيع للتصدير، كنموذج شرق آسيا، أى إنعاش القطاعات الإنتاجية: الصناعات التحويلية والزراعة..إلخ، مع التوازن بين المداخيل الحكومية والإنفاق، المدخرات والاستثمار، الواردات والصادرات، بغية التحول من اقتصاد ريعى إلى إنتاجى، يوفر فرص عمل حقيقية ومنتجات للأسواق المحلية والخارجية، وذلك أضعف الإيمان.

لقد تركت أزمات الديون جروحا ملتهبة فى الذاكرة المصرية، قديما أتت بالاحتلال الانجليزى وحديثا بصندوق النقد الدولى، برغم أن آثارها امتدت إلى تفجير ينابيع الوطنية المصرية وقيام الحياة النيابية والدستور والثورات الشعبية، من عرابى إلى 25 يناير، بل أعادت تشكيل خريطة القوى العالمية مرتين عامى 1882 و1956. فى المقابل، نجحت اليابان فى تحقيق تنمية اقتصادية مستقلة والتحول إلى قوة دولية مرهوبة الشأن، منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر، على إثر إصلاحات الامبراطور ميجى، عوامل متعددة تقف وراء هذا النجاح الباهر، لكن أولها بالتأكيد أن اليابان رفضت عروض الاستدانة الدولية، مما «فرمل» التدخل المالى أو الاستعمارى الغربى على أراضيها.

إن القوى الكبرى لاتنفك عن محاولات بسط الهيمنة على دول العالم، تقصف شعوبها بكل شيء، من الاحتلال والتكنولوجيا، إلى شطائر ماكدونالدز وأفلام السينما، بينما تظل الديون والمنح والمساعدات فخا وأداة تحكم وابتزاز، تحاول لى عنق الإرادة الوطنية، ينزح الدائنون جزءا مهما من الدخل القومى، ويحول المستثمرون جبال الأرباح لبلادهم، أكثر من قيمة القروض والاستثمارات الأجنبية، إنه نقل عكسى للموارد من البلاد الفقيرة إلى البلاد الغنية، فى مسلسل نهب لايتوقف، لذا لزم التنبيه.

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ د. محمد حسين أبو الحسن

رابط دائم: