فتاة أمريكية شقراء اللون تجلس فى خلوة افتراضية مع هاتفها المحمول تحفها سرمدية الليل وصوت كرات الثلج المتلاحقة، وقعت عينها على منشور أزرق خاص بالفيس بوك ولكنه مكتظ بالاعجابات والتعليقات ودفعها الفضول نحو تتبع صاحب هذا المنشور، فإذا به شاب تركى ساخط على أحوال بلاده ومن خلال صفحته وصلت لفتاة لبنانية ثم شاب مصرى وهكذا.. ومن خلال التفاعلات اليومية تولدت بينهم صداقة وبصرف النظر عن ألوانهم ولغتهم ومجتماعتهم المختلفة الا أنهم جميعا يدورون فى فلك واحد وهو الإنسانية ! فقد تتعدد الطرق والطرائق ولكن همومهم واحدة. وهذا هو حالنا مهما اختلفت طبقاتنا الاجتماعية وتنشئتنا الثقافية فكل منا مهموم حتى لو اختلفت الهموم، فهذه الشقراء ترى أن ما يحدث فى فلسطين حروب دموية توأد الإنسانية فى مهدها، وهذا الأسمر يرى أن مجريات الحياة السياسية وجهت ضربة قاضية للحياة الاقتصادية، وتلك الفتاة العربية ترقد ليلها مرعوبة من كابوس الحروب الأهلية ولكن الحقيقة الواحدة ان جميعنا نحلم بحياة أكثر عدالة وأكثر نجاحا سعيا وراء السعادة وتحقيق الذات.
نتوق للمشاعر الطيبة والمحبة، ونتجنح بالطموح وبالأمل لنحلق عاليا، كما يتربص بنا الخوف والمرض والموت، ولكننا نطفو بالأمل والمثابرة والدأب اليومى الذى لا ينقطع بداية من خط الاستواء ثم المدارات وصولا الى القطبين الشمالى والجنوبى، نحلم بالمحبة والهدوء والعدل والتسامح وسط إنسانية رحبة رغما عن كل التحديات الطبيعية منها او صنيعة أيدينا!. أعلم جيدا أن العثرات الواقعية أكبر كثيرا من حجم توقعاتنا ولكن هل نقبل بالاستسلام حلا؟
تلك الأفكار راودتنى ذات عشية وفى الصباح الباكر استيقظت على صوت الشيخ عبدالباسط وهو يتلو ما تيسر من سورة البقرة «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين» صدق الله العظيم، ثم اقتدت سيارتى فإذا بصوت الراديو يتعالى على أغنية منير لو بطلنا نحلم نموت, ثم مضيت فى طريق نحو العمل وكان الطريق مزدحما وكانت سيارة ميكروباص تقف أمامى واصطدمت عينى بعبارة مكتوبة على خلفية السيارة تقول «بكرة تروق وتحلى حتى لو كانت وحلة»!. هنا فقط تسلل الى نفسى يقين قاطع أن كل ما حدث لم يكن محض صدفة بل هى رسائل سماوية تحمل إكسيرا من المسكنات لمداواة الجروح اليومية من زحام وارتفاع فى الأسعار وصخب وضيق وخلافه.. نعم ليست مجرد صدفة، لو أمعنا النظر فى خطانا سنجد تلك الرسائل ولكننا فى الحقيقة غالبا ما نتجاهلها أو لا ننتبه لمغزاها على أقل تقدير. فالسعادة ليست صدفة والرزق ليس صدفة والحب ليس صدفة ، جميعها مقدرات مكتوبة وتأتينا على شكل رسائل أو علامات وربما نوع من الطبطبة الإلهية التى تشحن أرواحنا إيجابيا لنستمر فى تروس الحياة فلو كان الحظ صدفة فالتحقق والإنجاز لا يأتى الا بالعمل والتخطيط، وحتى نتخلص من كل الشوائب التى تؤرقنا علينا أن نتخلص من هذه المفاهيم ونتأهب لترويض الحياة مهما كانت معقدة.
لمزيد من مقالات ◀ د.هبة عبد العزيز رابط دائم: