يدفعنى إلى الكتابة عن هذه القضية كثرة ما ينشر عنها ويذاع فى العواصم من حولنا وبعيدا عنا.. وقلة مايقال عنها عندنا، مما أدخلها فى إطار الحرب الخفية ضد الوطن والأمة وجعلها بندا أساسيا فى متاهات «الكلامولوجيا» على شبكة التواصل الاجتماعي. وأعنى بذلك ما يسمى بـ «صفقة القرن» وهى مشروع صهيونى استعمارى عنصرى قديم، يتجدد بين الحين والحين، وهدفه ـ من وجهة نظر أصحابه ـ إنهاء المشكلة الفلسطينية باقتطاع مساحة من سيناء المصرية مجاورة لقطاع غزة لإقامة الدولة الفلسطينية التى تستوعب كل الفلسطينيين مقابل أن يتركوا الضفة مع الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وبذلك تنتهى المشكلة ويسود السلام!!.
ولقد قوبل هذا المشروع منذ سنوات بالرفض مصريا وفلسطينيا وعربيا ومن كل الدول التى تحترم حقوق الانسان والأوطان فضلا عن المواثيق الدولية، ومع ذلك فإن الاصرار عليه لايزال قائما.
وفيما يخص موضوعنا فقد يتذكر القارئ اننا أشرنا من قبل ـ وأكثر من مرة ـ إلى استراتيجية أمريكية تستهدف إنهاء أزمة سوريا وارسال الارهابيين من الدواعش وأخوتهم إلى مصر بواسطة سفن تركيا وعبر ليبيا.. وإلى الرغبة فى إنهاك مصر حتى تقبل أى حل للقضية الفلسطينية على أساس الدولتين ـ شكلا ـ وبهذا ينتهى الصراع المزمن فى المنطقة وطبعا بعد التقسيم والتفتيت ودعم اسرائيل الكبري!.
فى هذا السياق ـ ولا مجال للتفاصيل ـ تجدد الكلام عن الصفقة بكثرة.. ولشد ما استفزنى وأثارنى وجعل الدماء تغلى فى عروقى ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» منذ أسابيع ونقلته عنها الوكالات والفضائيات. وهو أن واشنطن سوف تبعث إلى القاهرة برسالة محددة، وهى تعنى أن استمرار العلاقات الاقتصادية وغيرها من الوان الدعم مرهون بالموافقة على السياسة الأمريكية وفى مقدمتها تلك الصفقة المريبة!.
واستكمالا جرى تسريب أنباء عن لقاء مرتقب بين الرئيسين الروسى والأمريكى فى هلسنكى بفنلندا بعد عشرة أيام. وخلاله سوف يطلب ترامب من بوتين عدم الاعتراض على صفقة القرن مقابل التسوية التى ترضيه فى سوريا. والأهم من ذلك عدم اعتراض الولايات المتحدة على ضم روسيا للقرم ورفع أى اجراءات سلبية سبق اتخاذها!!.
وبصرف النظر عن هذا وذاك.. فإننى كمواطن مصرى لا أدعى صفة رسمية أو سياسية وإنما أدعى - وبالحق- التعبير عن تيار عريض فى الشعب المصرى والعربى على امتداد الساحة.. أقول وبثقة وبأعلى صوت: لا.. يامستر ترامب..! فإن المشروع الصهيونى لن يمر.. ولن يتحقق، إن مصر لايمكن أن تتنازل عن حبة رمل واحدة من رمال سيناء ـ أو غير سيناء ـ فإن مصر غير معروضة للبيع. ولم تكن أبدا عبر تاريخها الذى يصل إلى عشرة آلاف وخمسمائة عام من التاريخ المكتوب والمنقوش.. قابلة للتهديد.. فإن مصر قادرة وتمتلك امكانات وقدرات حضارية قد لاتعرفها دولة لم يزد عمرها على مائتين وخمسين سنة!!. وإذا كانت مصر ترفض هذا جملة وتفصيلا فإن فلسطين أيضا ترفض ولا ترى لوطنها بديلا.. ولذلك تقاوم بكل عنف وهى مستعدة للجهاد إلى أبعد مدي.. وبنفس الفكر والمعتقد.. فإن العرب يرفضون.. وكذلك المسلمون والمسيحيون الذين لايمكن أن يتركوا القدس بمقدساتها، وأكاد أقول إن روسيا لن تقع فى الفخ!!.. ومن ثم فإن صفقة القرن لا مكان لها فى أمتنا العربية.. وسوف يرى العالم أنها ستصبح (صفعة القرن) لمن فكروا فيها.. وروجوا لها.. وحاولوا تسويقها.. وإن غدا لناظره قريب.
لمزيد من مقالات محمود مراد رابط دائم: