كنت جالسة على مقعدى الخشبى، وفجأة هبت عاصفة ترابية فما كان منى إلا وأسرعت بدخول المنزل، دقائق قليلة تنفست فيها الصعداء واذا بصديقة قديمة تقرع بابى، وبعاصفة خماسينية نسائية غير مسبوقة على أجواء بيتى الهاديء مرأت الى الداخل، فاستقبلت «زعابيب» صراخها وسخونة دموعها «وسرعة هبات» اعترافاتها فى ذهول، فزوجها الذى كنت أظنه «متحضرا وهنسم ووسيم» يطلبها فى «بيت الطاعة»، أيوه زى مابقول كده «بيت الطاعة فى القرن 21» تقول: مرتجفة: اعتاد «اللى مايتسماش» زوجى على ضربى ضربا مبرحا وشتمى بألفاظ نابية «، وقد تكتمت هذا الأمر وأخفيته عنكم جميعا أنتم صديقات عمرى حفاظا على كرامتى وقلت: لعله يتغير، لكن هيهات «فطبع الانسان يظل ملاصقا له وحتى نهاية عمره»، وعندما اشتعلت نار الشجار بيننا فى آخر مرة ذهبت الى بيت أبى لارتاح من عصبيته ولأعيد ترتيب أوراقى وامكانية الرجوع اليه وبأى شروط ؟، وقد فوجئت به يرفع دعوى طاعة ضدى لاجبارى على الرجوع اليه فى «بيت الطاعة»، ولما وصلنى الانذار على يد محضر، لم أشعر بنفسى إلا وقد قادتنى ساقاى جريا وخوفا الى بيتك! أعرف أن رجال الشرطة ما عادوا يتدخلون لاعادتى اليه –جبريا- وبقوة القانون وتحت حراسة مشددة –كما كان فى الماضي- والذى أوقف العمل به بمقتضى القانون رقم 44 لسنة 1979، ولكنى أخشى أن يتم حرمانى من كافة حقوقى المادية وأن ألقب «بالزوجة الناشز» التى تخرج عن طاعة زوجها، وهى امرأة منبوذة فى مجتمعاتنا الشرقية!.
«فبيت الطاعة» فكرة قديمة استمدت نصوصها من القانون الرومانى ، وقد تم تطبيقه فى القانون المصرى 1929 وفقا للقانون رقم 5، وأكده القانون رقم 100 لعام 1985 الذى أعطى للزوج حق توجيه انذار طاعة لزوجته حال خروجها من بيت الزوجية لمدة تزيد على 30 يوما، ولبيت الطاعة» شروط هي: أن يكون فى منطقة مناسبة لوضع الزوجة الاجتماعى، ومتوفر فيه كل سبل راحتها، وأن يخلو من أهله، وأن يكون حسن السمعة، وإذا كان قذرا أو به شقوق أوبه حشرات، أو يحوى أثاث متهالكا ومتسخا، يحق للزوجة عدم الدخول فى طاعة الزوج والاعتراض لدى القاضى الذى يرفض مثولها للحكم فى حالة اثباتها عدم انطباق سلامة الشروط ، أيضا ترفض دعوى الطاعة عندما لايحسن الزوج معاشرتها وعند رفضه الانفاق عليها، ويحق للزوجة الاعتراض على انذار بيت الطاعة خلال 30 يوما من تاريخ استلامها للانذار برفع دعوى «الاعتراض على انذار الطاعة».
وربما كان الهدف من قانون «بيت الطاعة» قديما التقريب ما بين الزوجين المتخاصمين ومحاولة الصلح بينهما، ولكنه –بالطبع- لايناسب اصلاح المشاكل الزوجية فى هذا العصر الذى زادت فيه مقدرات المرأة وقدراتها وقد زاد وعيها بحقوقها وصارت قراراتها وقيادتها المجتمعية منافسة وسريعة، «فبيت الطاعة» قانون بال لايتوافق- بلاشك- مع وضع المرأة المجتمعى الحالى، وبعد قيام ثورتى 25 يناير و30 يونية.
وبعد تقدير ومساندة الرئيس عبد الفتاح السيسى غير المسبوق للمرأة المصرية، أتساءل: هل من المعقول أن يتم اجبار الزوجة على العيش مع زوج يسيء معاملتها واعتاد قهرها واذلالها فى «بيت الطاعة» ؟ أجيب نيابة عن بنات جنسي: أن «بيت الطاعة» عارعلى مجتمعنا والمجتمعات التى فعلتها ضد الزوجات لسنوات طويلة، ولن تخضع الزوجات الغاضبات والمغتصبة حقوقهن فى عصر الحريات لأحكام الطاعة المهينة «، ومهما تكن تداعيات رفضهن لأحكام «بيت الطاعة» المهين والتهديد باطلاق اللقب القبيح «الناشز» المرفوض جملة وتفصيلا، أو التلويح بضياع حقوقهن فى الزواج مرة أخرى، خاصة وقد أكد د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الاسلامية بجامعة الأزهر فى عدة تصريحات: أنه لايوجد فى الشريعة الاسلامية مايسمى «ببيت الطاعة»، انما «بيت الطاعة» كان مجرد اجتهاد من مشرعى القوانين فى الماضى، وقد قامت السعودية مؤخرا بالغاء قانون «بيت الطاعة»، وقامت وزارة العدل السعودية بالغاء جميع الأحكام التى تجبر الزوجة العودة الى منزل زوجها أو دخولها فى طاعته.
ولأن رجال القضاء فى مصر لايميلون الى اصدار مثل هذه الأحكام المجحفة ضد المرأة المعاصرة، فمن الواجب الغاء «بيت الطاعة» بشكل رسمى واعلان ايقافه فى الجريدة الرسمية.
[email protected]
لمزيد من مقالات سعديه شعيب رابط دائم: