يزداد الجدل هذه الأيام حول خطة السلام التى تنوى الولايات المتحدة طرحها لتسوية الصراع العربى الإسرائيلي، و التى أصبحت تعرف إعلاميا باسم صفقة القرن. المعلومات حول هذه الصفقة محدودة جدا، وهناك ستار حديدى يفرضه المسئولون الأمريكيون حول تفاصيلها، وبالرغم من ذلك يمكن رصد هذه الملاحظات بشأنها:
- البيت الأبيض هو الذى يتولى مباشرة إعداد هذه الخطة، والعديد من المؤسسات الأمريكية ومنها وزارة الخارجية لا تدرى تفاصيلها ولن يكون لها دور فى طرحها، ويشرف على طبخها داخل البيت الأبيض جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، ويساعده جيسون جرينبلات، وكلاهما له خبرة محدودة فى هذا الملف، وبعض أفكارهما تتشابه مع التيار اليمينى فى إسرائيل، ورئيس الوزراء نيتانياهو له علاقات عائلية قديمة مع أسرة كوشنر.
- اهتمام ترامب بهذا الملف يعود الى اعتقاده الشخصى أنه يستطيع أن يأتى بما لم يأت به الأوائل، أى يستطيع أن ينجح فيما فشل فيه الرؤساء الأمريكيون السابقون و خاصة أوباما. يضاف لذلك إيمان ترامب بأن هناك «فرصة» يمكن فى إطارها إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، وترتبط بوجود توافق بين إسرائيل و بعض الدول العربية بشأن مواجهة الخطر الإيراني، وأن هذا التوافق يمكن أن يخلق فرصة لتسوية الصراع العربى الإسرائيلي.
- البعد الإقليمى وليس الفلسطينى يحتل الأولوية فى هذه الصفقة، وقد وجه كوشنر رسالة للفلسطينين ذكر فيها إذا كنتم ترغبون فى العمل معنا ، اعملوا معنا، وإذا كنتم لا ترغبون، فلن نسعى لطلب ذلك وأنه سوف يتم إعلان الخطة حتى لو رفض الفلسطينيون الحضور لمائدة المفاوضات. وقد نشرت مجلة النيويورك الأمريكية تصريحا لمسئول فى إدارة ترامب أشار فيه وبلغة الصفقات إلى أن قيمة السهم الفلسطينى قد انخفضت كثيرا، واستخدام التشبيه التالي: منذ 20 عاما كنت أتمنى أن أشترى سهم شركة جوجول، الآن السهم سعره قد تغير وعلى أن أدفع ثمنا أكبر له، وهذا لا يعنى أننى أتعرض للعقاب. وأشار مسئول آخر الى أن نهج إدارة ترامب فى التعامل مع البعد الفلسطينى هو أشبه بالصفقات التى تتم فى قضايا الإفلاس.
- أعلن كوشنر أنه من أجل الوصول الى صفقة، سيكون على الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى أن يتحركا وأن يلتقيا فى نقطة ما بين مواقفهما المعلنة، ويعول الأمريكيون على قيام دول عربية بإقناع و تشجيع الفلسطينيين على السير فى هذا الطريق فى مقابل لعب الولايات المتحدة هذا الدور بالنسبة لإسرائيل.
- حل الدولتين و عاصمة للدولة الفلسطينية فى القدس سوف يكون جزءا من الصفقة، ولكن المقترح هو إقامة الدولة الفلسطينية فى غزة وعلى جزء محدود من الضفة، والتفاوض فى المستقبل على الجزء الباقي، أما بالنسبة لقضية القدس فالمقترح هو التأجيل وإنشاء عاصمة قريبة منها فى منطقة أبوديس، وربما اعتبارها جزءا من القدس.
- البعد الاقتصادى سوف يحتل مكانة رئيسية فى هذه الصفقة، من خلال وعود بجمع مساعدات ضخمة للفلسطينيين، خاصة فى غزة، وأحد شعارات الصفقة سيكون تحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين. وتحدث كوشنر عن أن بعض الاستثمارات الضخمة قد تمتد إلى دول الجوار أيضا.
- ما يشاع فى بعض وسائل الإعلام من أن الصفقة سوف تتضمن توطينا للفلسطيينين فى سيناء, أو ضم جزء من سيناء لغزة فى مقابل تبادل أراض فى النقب الإسرائيلى هو من قبيل الخزعبلات، والموقف المصرى من هذه الأفكار النظرية التى طرحها بعض الأكاديميين الإسرائيليين خلال العقود الثلاثة الماضية كان الرفض و الإدانة، وقد وثق هذا الأمر وزير الخارجية المصرى الأسبق أحمد أبو الغيط فى كتابه شهادتي.
ماسبق هو بعض الأفكار المرتبطة بالمبادرة الأمريكية المزمع الإعلان عنها، ومعظمها مثير للجدل، وقد يرحب بها البعض كفرصة لتحريك عملية السلام المجمدة والتعامل مع التحديات الجديدة، ويرفضها البعض الآخر ويرى فيها تفريطا فى الحقوق. المنطق يتطلب الانتظار حتى إعلان تفاصيل الخطة، و التقييم الرشيد لها، وهل يمكن الاستفادة من فرص تحتويها، أم سينطبق عليها القول المأثور الشيطان يكمن فى التفاصيل؟ وسوف يكون الموقف المصرى المتمسك بالحقوق الفلسطينية هو رمانة الميزان فى تشكيل الموقف الإقليمى من هذه المبادرة.
لمزيد من مقالات د. محمد كمال رابط دائم: