حالة حوار
الصوت والضوء وأندريه مالرو

للمرة الثانية أعاود الكلام عن تحديث مشروع «الصوت والضوء» فى منطقة الأهرامات تحت أقدام تمثال أبى الهول، فقد غمرنى الإحساس بنشوة الإنجاز، ورحت أعدد مزايا الإضاءة الحديثة، وأعمال «الجرافيك»، كما استعرضت الخدمات التى ستنطلق حول «الصوت والضوء» مثل المطاعم، ولكننى حين مضيت أتأمل الموضوع، تذكرت أن (التطوير) ينبغى ألا يشمل تغيير النص الذى يتم أداؤه فى أثناء عرض الصوت والضوء، فهذا النص ـ فى الحقيقة ـ هو (تاريخ) فى حد ذاته، فقد وضعه وصاغه أندريه مالرو، أسطورة فرنسا، ووزير ثقافتها الأسبق، ويتضمن النص مقاطع كتبها مالرو شعرا، وربما حاول الدكتور لويس عوض استنساخ ذلك فى نصوص فيلم (إخناتون) الذى كان المرحوم المخرج شادى عبدالسلام يحاول إخراجه بعد فيلمه الروائى الوحيد الطويل (المومياء).. نص أندريه مالرو يجب ألا يضيع، وأنا لا أعرف إذا كان الذين اضطلعوا بالتطوير، أو الذين أصدروا أوامر التطوير، يعرفون أهمية وثقل وأرجحية نص كتبه أندريه مالرو، لا بل لست متيقنا من أن فى مواقع المسئولية ـ الآن ـ من يعرفون من هو أندريه مالرو!.. مقاصدنا طيبة ولا شك ولكن لا ينبغى أن نتعامل مع ملف تطوير الأماكن الأثرية أو الحضارية بمنطق المقاول، وإنما بفكر (المثقف)، وهذا المستوى يتطلب حساسية خاصة، ومعرفة ببعض الحقائق، ليس عن البيئة الأثرية التى نطورها فحسب، ولكن بوعى وإدراك لتاريخ كل ما يحوطها من حقائق، ربما يقتضى الأمر قدرا من رقمنة الأرشيفات الخاصة بالمواقع المستهدفة بالتطوير، ولكنه يتطلب أيضا ـ وقطعا ـ التخلى قليلا ـ عن روح الاستعلاء والتعالي السائدة فى سلوك بعض المسئولين المصريين، الذين يجرح كبرياءهم كثيرا أن يسألوا، فالمبدأ الذى صار سائدا عندهم هو أن المسئول يعرف كل شيء. وينبغى ألا يدعى أحد المواطنين معرفته بأى تفصيلة، لا بل ولا يجب أن يعلم هؤلاء المواطنون بملف أى مشروع، إلا حين انتهائه والفروغ من ارتكابه على النحو الذى يريده المسئول، أنا لا أرشق شخصا بعينه بسهام النقد، ولكننى أتكلم عن منطق أصبح شائعا ذائعا مع كثير الأسف، وأتمنى من صميم القلب ـ أن يؤكد لى أحد المسئولين عن مشروع تطوير (الصوت والضوء) أنه أصدر تعليماته إلى المطورين بالحفاظ على نص أندريه مالرو التاريخى قبل أن يندثر تحت رمال (التطوير)!