يصرخ بعض السياسيين من أن أجهزة الدولة الرسمية تبالغ فى رفع ثمن متر أرض البناء فى بعض مساحات المدن الجديدة إلى ما يتجاوز عشرة آلاف جنيه، ويأخذون على هذه الأجهزة أنها تستثمر فى هذا المجال بدلاً من أن تركز طاقتها فى البناء للفقراء ومتوسطى الحال! وكان يمكن لهذا الكلام أن يكون له منطق، حتى إذا لم يكن مُقنِعاً، إذا جاء من حيتان مستثمرى القطاع الخاص المتضررين من منافسة الدولة لهم، والذين يطمعون فى هذه الأرباح التى سوف تتحصل عليها الخزانة العامة. أو أن يكون المعترض ممن لم يأخذوا مواقف علنية صريحة شديدة فى السابق ضد هؤلاء المستثمرين، الذين يفيدهم الآن بانتقاده بعد أن كان قد اتهمهم فى السابق بالجشع والتربح الفاحش عن طريق رفع الأسعار، وبعدم الوفاء بالتزامات التعاقد فى مواعيد التسليم وفى مستويات البناء والتشطيب! وكان صراخه عندئذ فى مطالبة الدولة بحماية المواطنين من توحشهم ومن انطلاقهم بلا رادع يمصون دم الشعب..إلخ.
ويتعمد هؤلاء أن يتجاهلوا أن الأرباح التى ستئول للخزانة العامة، من عمليات البيع هذه، سوف تدخل مع بنود أخرى فى تمويل مجالات يطالبون هم بأن تفى الدولة بها، ليس فقط فى البناء لغير الأثرياء، وإنما أيضاً فى خدمات الطب والتعليم والمرافق العامة..إلخ. كما أنه يمكن اعتبار أن واحداً من أهم أبعاد هذه السياسة أن تكون وسيلة لتحصيل أموال من الأثرياء يأبون أن يدفعوها طواعية كمشاركة منهم فى تحمل نصيبهم من الأعباء التى يدفعها الفقراء ومتوسطو الحال من دخولهم، التى يسهل على الدولة حصرها وتحصيل ما يمكنها تحصيله منهم. وأما الغريب حقاً، فهو أن يشارك فى هذه الحملة بعض اليساريين، من أصحاب التاريخ المسطور فى انتقاد سياسة الحيتان، بل وتخوينهم، بل وأحياناً بالمطالبة بمحاكمتهم علانية على نهب أموال الفقراء وتخريب الاقتصاد الوطنى..إلخ.
ولكن، وفى كل الأحوال، ينبغى الإشارة إلى أن تأجيج مثل هذا الحوار المستنزف للطاقة، يجئ من غياب المعلومات الكافية الواضحة، المقترنة بشروحات وتفسيرات للقرارات السياسية، والتى كان ينبغى توافرها بالتوازى مع إعلان مثل هذه القرارات، بل أحياناً يكون من المفيد أن تسبقها. [email protected]
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: