أنا رجل مسن عمرى واحد وسبعون عاما ومصاب بعدة أمراض، ولم أعد قادرا على رعاية أبنائى المرضى أيضا وهم:
الأولى: عمرها إثنان وأربعون عاما، ومطلقة وليس لديها أولاد، وتعانى أمراضا نفسية من اضطراب وجدانى، وهلاوس سمعية، وقد تم حجزها مرات عديدة فى مستشفيات نفسية حكومية وخاصة، وعندما تخرج من المستشفى بعد تحسن حالتها سرعان ما تدخل فى نوبة جديدة بعد أسبوع أو أكثر قليلا، وحالتها الآن أنها لا تتعامل إلا وفى يدها مقص أو سكين، وقد أصابت زوجتى ـ وهى ليست أمها التى توفيت منذ عشرين عاما ـ البالغة إثنين وستين عاما فى يدها بالسكين، فأصابتها بتمزق فى الأربطة، وكادت أن تقطع يدها، لولا لطف الله، ثم أصابتنى فى يدى بالطريقة نفسها، وتخرج إلى الشارع فى حالة هلع، ويشكو منها المارة والجيران، وكل من تقابلهم فى طريقها.
الثانى: عمره أربعون عاما، ومصاب بتخلف عقلى، ومشكلاته مع أهل الحى الذى نسكن به لا تنتهى.
الثالث: عمره أربعة وثلاثون عاما، ومصاب بحالة انفصام، وهلاوس سمعية، وضلالات اضطهاد، وهو من ذوى الاحتياجات الخاصة نتيجة اعاقته البصرية، ومصرح له بمرافق، وتم حجزه أكثر من مرة فى مستشفى العباسية، وبعد أن يخرج منه، يصاب بانتكاسة جديدة، ويتم تغيير العلاج.
على هذا النحو تدور أحوالهم، وليس لهم عم أو عمة أو خال أو خالة، وأرجو مساعدتى فى إيداعهم مستشفى العباسية بصفة دائمة، رحمة برجل مسن لا حول له ولا قوة، وانقاذا لآخرين من النوبات المفاجئة لهم، والحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه.
< ولكاتب هذه الرسالة أقول:
انتشر المرضى العقليون فى الشوارع بشكل لافت للنظر فى الآونة الأخيرة، مما يستدعى سرعة تدخل الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة التى ينبغى أن تولى هذا الملف أهمية خاصة، فما أقسى أن يتعرض الإنسان للبهدلة فى أواخر عمره.. لقد حان الوقت لمراجعة أوضاع هذه الفئة المظلومة حفاظا على كرامتهم، وتكريما لهم، وحمايتهم من الأخطار، وكفاهم عذابا فى الحياة، وإننى أهيب بها أن تدرس حالة أبنائك، مع إيداعهم مستشفى للأمراض العقلية، ليس لفترة كما جرت العادة، وإنما بصفة دائمة، فالمريض العقلى لا يرجى شفاؤه، وتستمر معاناته طول العمر.
وهناك قواعد عامة فى التعامل مع المريض العقلى، من أهمها الحرص على عدم توجيه كلمة قاسية له كعبارة «أنت مجنون» وعدم التعامل معه بجفوة، كما أن تدليله الزائد قد يؤدى إلى نتيجة سلبية، ومن المهم أيضا متابعة غرفته للبحث عن أى شيء يشكل خطورة عليه وعلى الآخرين، كالسكين والمقص والسلاح والآلات الحادة، وعرضه باستمرار على المستشفيات المتخصصة، وأحسب أن كل مريض له ملف لدى هذه المستشفيات، فلتكن هناك لجنة متخصصة للوقوف على احتياجات المرضى، ومتابعة أحوالهم، ومن هذا المنطلق يجب فتح هذا الملف الطبى الخطير، فالمؤكد أن هناك جوانب خفية عديدة فيما يتعلق بالمرضى العقليين، ينبغى دراستها جيدا، ووضع لائحة جديدة تكفل علاجهم وتوفير الرعاية اللازمة لهم، مع ملاحظة أن معظمهم بلا أهل، ولا يعقل تركهم فى الشوارع، بهذه الصورة اللا إنسانية.
إن هؤلاء المرضى لا يدركون حقيقة أنفسهم، فلقد فقدوا عقولهم وأهليتهم، وهناك من يعطف عليهم، وهناك من يتجرد من المشاعر الإنسانية ويتصرف معهم بقسوة، ويؤذيهم غير مبال بحالتهم النفسية والعقلية، والغريب أنه لا أحد يريد أن يتحمل مسئوليتهم، فليكن للحكومة ممثلة فى وزارتى الصحة والتضامن الاجتماعى دور فى هذا الصدد، وعلى مجلس النواب أن يصدر قانونا يكفل حقوق هذه الفئة، فما أقسى أن يتعرض الإنسان للبهدلة فى أواخر عمره، ويجد نفسه بلا سند ولا معين.
رابط دائم: