فى خطابه الافتتاحى بعد أدائه اليمين إيذانا بتوليه المسئولية لفترة رئاسية ثانية، حدد الرئيس عبدالفتاح السيسى أولويات المرحلة المقبلة بثلاثة مجالات رئيسية هي: التعليم ـ الصحة ـ والثقافة. وإذا كنا نصطف حول الرئيس فى كل ما تتطلبه عمليات البناء لمصر وشعبها، فإننا بصفة خاصة نتوقف عند الثقافة ليس فقط بحكم الانتماء لإحدى كتائبها وإنما أيضا لعمق الاقتناع بأن الثقافة ـ بمفهومها الشامل ـ ودعونا نستخدم تعبير «المعرفة» ـ وهو أشمل وأعم ـ تعد على رأس الأولويات جميعها.. إذ أنك لا يمكن أن تحارب الفقر والجهل والمرض.. ولا يمكن أن تكافح الإرهاب.. ولا أن تحقق تنمية أو تخطو خطوة للأمام دون معرفة.. المعرفة هى الحل بما تعنيه وتضمه من علم ومعلومات، وخبرات وآراء.. والإعلام الذى يجيء على رأس كل تلك المفردات ليس انحيازا ولكن لأنه فى حد ذاته عمل معرفى إضافة إلى أنه المنبر الذى تنطلق منه كل فكرة ـ مهما كانت ـ والساحة التى تناقش فيها النظريات.. والجسر الذى يحمل النتائج إلى المجتمع من صانع القرار إلى المواطن العادي. والخلاصة أن «المعرفة» هى «لزوم الشيء وضرورته» ومنها ينتصب «الإعلام» ـ وفى مقدمته «الصحافة».. التى تعد القاعدة والقاطرة التى تفتح الطريق وتهدى الآخرين.
والسؤال الذى لابد من مواجهته هو: كيف تباشر المعرفة أو «الثقافة» ـ كما ذكر الخطاب الافتتاحى للرئيس ـ دورها فى «البقاء والبناء» وفى إعداد المواطن العصرى المتمسك بأصالته ـ ليسهم فى ترقية الحياة.. وفى بناء وطنه وأمته العربية وقارته الإفريقية وعالمه الإسلامي، بقدرات عالية تحفر له مكانا ومكانة فى المجتمع الإنسانى العالمي.. وتصد المغامرين والطامعين ـ أفرادا ودولا ـ فتنكسر أقدامهم.. قبل الاقتراب منه؟!
كيف يحدث هذا؟ وهل لدينا ما ينهض بهذه المهمة «المعرفية»؟
أقول: إن لدينا آليات وهياكل تنظيمية.. لكنها ـ عفوا ـ بلا مضمون حقيقي! ومثلا فإن عندنا وزارة ثقافة.. لكن هل تضم كوادر قادرة على التثقيف؟ وهل أساسا إذا وجهنا إليها سؤالا عن مهمتها وخطتها العاجلة والمتوسطة.. يمكن أن تبرزها لنا وتقول: ها هي!! ومثلا: فان لدينا المجلس الأعلى للثقافة.. ومع كل التقدير لأعضائه.. فماذا فعل المجلس بما يؤثر ايجابا على الفرد والمجتمع؟
وفى ظنى وبعض الظن ليس إثما ـ فإن هذا البلد يحظى بالعقول المبدعة وبالكوادر الأكفاء.. لكن المسألة تحتاج أولا وأساسا إلى رؤية تبلور التوجهات الوطنية والقومية ـ وتعتمد على خطب الرئيس كوثائق أساسية ـ.. وفى نفس الوقت تحتاج إلى منظومة تستوعب أصحاب العقول والآراء وتجمع الكوادر والخبرات.. من الشيوخ والشباب.. ومن شتى الأطياف.. وفى نهاية المطاف تخرج صياغة متفق عليها.. تكون وثيقة تحمل رؤية مفصلة وإستراتيجية مترجمة إلى خطط قابلة للتنفيذ.. وتكون فى أهدافها ومراحلها متسقة ومتكاملة مع الرؤية الشاملة للدولة.
لمزيد من مقالات محمود مراد رابط دائم: