رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جوائز الدولة والمستقبل الغامض

كانت جوائز الدولة واحدة من أهم القضايا التى ثار حولها جدل كبير فى كل العصور تقريبا ومع كل الأنظمة التى حكمت مصر منذ ثورة يوليو .. فى يوم من الأيام كانت هناك ضوابط تحكم الحصول على هذه الجوائز حين حصل عليها طه حسين وأم كلثوم والعقاد وعبد الوهاب والحكيم ونجيب محفوظ ونخبة من عقول مصر وفرسانها فى كل المجالات .. وبعد ذلك جاء عصر المجاملات والحسابات ولم تعد الجوائز تحافظ على ما فيها من الشفافية وحصل عليها عدد كبير من كبار المسئولين بل إنهم كانوا يتصارعون عليها .. وفى الفترة الأخيرة صدر قانون جديد للجوائز فى العام الماضى وقد جاء بصورة سرية مريبة وغريبة وظهرت فيه عيوب وتجاوزات كثيرة حين تم تطبيقه على المرشحين للجوائز هذا العام حيث احتوى القانون على مادة بتشكيل لجنة لكل جائزة تقوم بتصفية المرشحين واختيار قائمة ملزمة لأعضاء المجلس الأعلى للثقافة يختارون منها الأسماء الفائزة مع إستبعاد الأسماء الأخرى مهما كانت قيمتها حتى لو كانت هى الأحق.. أثار القانون الجديد زوبعة كبيرة وطالب الأعضاء بتغييره ووعدت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة بتشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون جديد يتجنب الثغرات السابقة فى القانون.

< فى جوائز هذا العام توقفت عند بعض الايجابيات خاصة الجوائز الكبرى, فقد حصل د.مراد وهبة على جائزة النيل فى العلوم الاجتماعية, والدكتور وهبة تجاوز التسعين عاما أطال الله عمره وهو علامة مضيئة فى تاريخ الثقافة المصرية وواحد من رهبان الفكر وهو من بين 500 شخصية عالمية لها ثقل دولى وهو عاشق للفلسفة وله مواقف صريحة ضد التطرف الفكرى والدينى ايا كانت مدارسه ومعتقداته..

< حصل أيضا د. صلاح فضل على جائزة النيل فى الآداب وهو باحث وناقد من طراز رفيع جمع الثقافة بكل ألوانها ومدارسها وجمع حوله كوكبة من العقول المستنيرة نقدا وإبداعا ومنهجا .. وقد اقترب كثيرا من جذور الثقافة العربية مع إطلالة عميقة على الثقافات الأخرى فى الغرب وهذا التلاقى المبدع بين الشرق والغرب فى تجربة الأندلس التى درس فيها وعاش فى مناخها وآمن بالحوار مع الآخر إلى ابعد مدى..

فى الفنون حصل الفنان المبدع مصطفى الرزاز على جائزة النيل فى الفنون وهو من رواد المدرسة الحديثة فى الفن التشكيلى تجديداً وابداعاً ودوراً..

< توقفت عند الفنان المبدع الموسيقار الكبير محمد سلطان وهو صاحب مشوار طويل مع كوكبة من الملحنين العظام بليغ حمدى والموجى والطويل وحلمى بكر وسيد مكاوى, وقد شارك محمد سلطان فى الوصول بالأغنية المصرية إلى آفاق من الإبداع الجميل..

< كان فوز نادية لطفى بجائزة الدولة التقديرية تقديراً لدورها فى تاريخ السينما العربية فى عصرها الذهبى .. ونادية لطفى ليست مجرد فنانة عبرت تاريخ السينما ولكنها صاحبة قضية وكانت لها صولات وجولات فى مواقف وطنية وقومية شاركت فيها بالجهد والعمل والإخلاص .. إنها فنانة من طراز رفيع صاحبة دور ورسالة ولها مسئولية كبيرة فى الدفاع عن حقوق الفنانين..

< حصل الموسيقار راجح داود على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون وهو موسيقار مجدد ويمثل علامة فى الإبداع الموسيقى الجديد ويمثل اتجاها متفردا فى الموسيقى العربية..

< هناك أسماء أضاءت جوائز الدولة هذا العام وإن جارت الأحكام على أسماء مثل المخرج الكبير جلال الشرقاوى وهو مرشح لجائزة النيل فى الفنون منذ 3 سنوات .. كذلك الفنان الكبير عمر خيرت والمخرج محمد فاضل والفنان محمد صبحى والكاتب الكبير محمد سلماوى وكل هؤلاء يستحقون الجائزة..

< فى قائمة الفائزين بالجوائز التقديرية جاءت أسماء د. عبدالحكيم راضى والروائى محمد قطب وكمال عيد فى الآداب, وفى العلوم الاجتماعية جاءت اسماء د. سعدية بهادر ود. شبل بدران ود. احمد رفعت ..

وفى جوائز التفوق جاء د. محمد العبد والروائى الشاب احمد مراد فى الآداب والزميل صلاح سالم وإلهام ذهنى فى العلوم الاجتماعية ود. رضا مصطفى وسعيد بدر فى الفنون..

< إن اخطر ما توقفت عنده فى جوائز الدولة هذا العام هى جوائز الدولة التشجيعية وكانت مفاجأة للجميع لأن نتائجها غريبة ومريبة وتحمل مخاطر كثيرة .. كانت جوائز الدولة التشجيعية فى يوم من الأيام تقدم للشباب الواعد المميز فى كل المجالات وكان الحصول عليها يمثل رصدا للمستقبل والإبداع والتميز..

تراجعت جوائز الدولة التشجيعية فى السنوات الماضية من حيث القيمة ومستوى المرشحين الفائزين واكبر دليل على ذلك نتائج هذا العام:

- كان شيئا غريبا أن يتم حجب 14 جائزة لا تصلح بينما كان إجمالى الأعمال الفائزة 5 جوائز فقط.

- فى الإبداع الأدبى تقدمت 35 رواية فازت رواية واحدة.

- فى القصة القصيرة تقدمت 32 مجموعة قصصية فازت مجموعة واحدة.

- فى الشعر تقدم 49 شاعرا فاز شاعر واحد

- فى المسرحية الشعرية حجبت الجائزة.

- وفى عرض مسرحى للأطفال حجبت الجائزة.

- كانت المفاجأة الأكبر أن جوائز العلوم الاجتماعية حجبت جميعها وهى فى الإعلام .. والشباب .. والتربية .. والجغرافيا.

- وفى العلوم الاقتصادية والقانونية حجبت جميع الجوائز وهى فى القانون الخاص والقانون العام والقانون الجنائى واستراتيجية الأمن القومى والدراسات الإفريقية .. والمشروعات الصغيرة والتعاونية والبحث العلمى والتطور الاقتصادي..

< ما الذى يقال بعد ذلك خاصة أن المتقدمين لهذه الجائزة من الشباب حتى سن الأربعين وبينهم أصحاب مناصب فى مؤسسات مهمة وأساتذة فى الجامعات ورموز إعلامية ..

وحين تحجب الجائزة فى مجالات مثل الإعلام والشباب والتربية والجغرافيا والأمن القومى والدراسات الإفريقية والصناعات الصغيرة والمسرح الشعرى وعروض الأطفال وتفوز رواية واحدة ومجموعة قصصية واحدة من بين 67 عملا إبداعيا مرفوضا, فى تقديرى أن نتائج جوائز الدولة التشجيعية هى أخطر الظواهر التى تهدد مستقبل هذا البلد لأنها مؤشرات عن إمكانيات التفوق والإبداع والتميز وحين تحجب 14 جائزة مرة واحدة وفى تخصصات عصرية تمثل ضرورة من ضرورات البناء هنا لابد أن نأخذ الأمر بجدية..

< كيف تحجب جائزة فى الإعلام ونحن نعيش كل هذا الصخب الإعلامى المجنون, ألا توجد دراسة إعلامية مفيدة تصلح لأن تفوز بجائزة الدولة التشجيعية, كيف تحجب جائزة الشباب ونحن نعانى من مشاكل طاحنة أمام شبابنا فى كل مجالات الحياة.. كيف لا توجد دراسة عن المشروعات الصغيرة والتعاونية ونحن لا حديث لنا غير الصناعات الصغيرة والقروض والبنوك وكل هذه القصص والحكايات.. كيف لا تكون هناك دراسة عن أمن مصر القومى وتحجب الجائزة التشجيعية وكل شىء فى الأمن المصرى مهدد بالإرهاب والفوضى والقوى الخارجية والمؤامرات التى تحيط بنا من كل اتجاه.. ألا يوجد باحث جاد يدرس هذه القضية ويتوجها بجائزة من الدولة.. حتى إفريقيا التى أهملناها سنوات وسنوات لم توجد دراسة حولها لعلها تضع أسسا لتجربة جديدة مع هذا العمق التاريخى والاستراتيجى الذى يربط بيننا وبين دول القارة السمراء..

من المؤسف حقا أن نجد قصوراً وتخلفا فى العلوم القانونية ما بين الخاص والعام والجنائى وحتى البحث العلمى والتطور الاقتصادى فى بلد يسعى لتشجيع الاستثمارات الخارجية ويفتح الأبواب لتجربة عصرية فى كل مجالات العلوم والتنمية..

لا أنكر أن جوائز الدولة التشجيعية قد كشفت مخاطر غامضة تحيط بهذا البلد وهى تمس أهم ما فيه وهو العنصر البشرى فقد يتوافر كل شىء ويبقى الإنسان هو الأزمة الحقيقية..

< لقد سألت نفسى وأنا اقرأ هذه النتائج السيئة فى جوائز الدولة التشجيعية ونتائجها الغريبة وكيف نسكت عليها وهى تحمل مؤشرات خطيرة تؤكد أن أهم جوانب تكوين الإنسان المصرى تتعرض لمخاطر مدمرة.. إبداع أدبى ركيك وسطحى وقضايا مهمة وخطيرة لا تقابلها دراسات جادة وأبحاث عميقة وعقول واعية .. قبل أن نتحدث عن انهيار التعليم والثقافة والإعلام مطلوب تشكيل لجنة من الخبراء لدراسة أسباب هذا التراجع الرهيب فى مستوى البحث والإبداع والدراسات حتى تحجب 14 جائزة للشباب لم نجد من يستحق الحصول عليها.

 

 

..ويبقى الشعر

 

مَا زلتُ أركضُ فى حِمَى كلماتِـى

الشِّعْرُ تاجى .. والمدَى ملكاتـــــِى

أهْفو إلى الزَّمَـن الجميـــل يهُزُّنـــى

صخبُ الجيَاِد .. وفرحة ُ الرَّايَاتِ

مازلتُ كالقدِّيـــس أنشـــرُ دعوَتِـــى

وأبشِّـــرُ الدُّنيَــــــا بصُبْـــح ٍ آتِ

مازلتُ كالطفـل الصَّغيــــر إذا بَـــدَا

طيفُ الحنـَان يذوبُ فى لحظاتِ

مَازلتُ أعْشقُ رغْـــمَ أن هزَائمــــِى

فى العشْق كانتْ دائمًا مأسَاتِـــى

وغزوتُ آفاقَ الجمَــــال ولم يـــزلْ

الشِّعْرُ عندى أجملَ الغـــــزوَاتِ

واخترتُ يوْمًا أن أحلـقَ فى المـــدَى

ويحُومُ غيْرى فى دُجَى الظلمَاتِ

***

كمْ زارنِى شبحٌ مخيـفٌ صــــــامتٌ

كمْ دارَ فى رأسى .. وحَاصَر ذاتِى!

وأظلُّ أجــرى.. ثمَّ أهــــربُ خائفـــــًا

وأراهُ خلفِى زائغَ النـَّظــــــــراتِ

قد عشْتُ أخشَى كل ضيْـفٍ قـــــادم ٍ

وأخافُ منْ سفهِ الزمان الـْعَــاتِى

وأخافُ أيَّـامَ الخريـــــفِ إذا غًــــدتْ

طيفـًا يُطاردُنِـى علــــى المـــرْآةِ

مَازلتُ رغمَ العُمْر أشعُــــرُ أننِـــــى

كالطفـْـل حينَ تزُورُنــى هفوَاتِى

عنـْدى يقيــــنٌ أنَّ رحْمَــة خالِقِـــــى

ستكونُ أكبرَ منْ ذنوب حَيَاتِـــى

***

سافرتُ فى كلِّ البـــــــلادِ ولـمْ أجــدْ

قلبـًا يلملمُ حيرَتــــى.. وشتــاتِـــى

كم لاحَ وجهـــــكِ فى المنام وزارنِى

وأضاءَ كالقنديل فــى شرُفاتِـــى

وأمامِــــى الذكرَى.. وعطرُكَ.. والمـنىَ

وجوانحٌ صارتْ بــــلا نبضــاتِ

ما أقصــــرَ الزمنَ الجميلَ سحابــــة ً

عبرتْ خريفَ العمْر كالنـَّسَمَـات

وتناثرتْ عطـــرًا علـى أيَّــــامنـــــَا

وتكسَّرتْ كالضَّوْء فـى لحَظــاتِ

ما أصعبَ الدُّنيـــا رحيـــلا ًدائمــــًا

سئمتْ خطاهُ عقاربُ السَّاعَـــاتِ

آمنتُ فى عينيـــكِ أنـَّـكِ موطِنِــــــى

وقرأتُ اسْمكِ عنــدَ كلِّ صَــــلاةِ

***

كانتْ مرايَا العمْر تجْـــرى خلفنـَـــا

وتدُورُ ترْسُمُ فى المدَى خطواتِى

شاهدتُ فى دَنـَـــس البلاطِ معابـــدًا

تتلى بهَا الآياتُ فـــى الحانـــاتِ

ورأيتُ نفْسِــى فى الهواءِ مُعلقــــــًا

الأرضُ تلقينـِـى.. إلـى السَّمَــواتِ

ورأيـــتُ أقدارَ الشعُـــــوبِ كلعبـــةٍ

يلهُو بهَــا الكهَّــانُ فى الـْبَـاراتِ

ورأيْـتُ أصنــــامًا تغيِّـرُ جلـــدهَــــا

فى اليـوْم آلافـــًا مـــن المـــرَّاتِ

 

ورأيـتُ مـنْ يمشِــى علـــى أحلامِـهِ

وكأنـَّهَــا جُــثثٌ مـــن الأمـــوَاتِ

ورأيتُ منْ باعُوا.. ومنْ هجرُوا.. وَمَنْ

صلبـُوا جنينَ الحبِّ فى الطـُّرُقاتِ

***

آمـــنتُ بالإنْـسَــــان عُمــــْرى كلـــهُ

ورسمتـُـهُ تاجـًـا علـى أبيـاتِــــى

هوَ سيِّدُ الدُّنـْيـــا.. وفجْــــرُ زمَانهَــــــا

سرُّ الإلـهِ.. وأقــدسُ الغــــَايَــــاتِ

هو إنْ سمَا يغدُو كنجم مبْــهر

وإذا هوَي ينحطُّ كالحشـــــراتِ

هلْ يسْتوي يومٌ بكيتُ لفقـــــــــْدهِ

وعذابُ يوم ٍ جاءَ بالحسرَاتِ ؟!

هلْ يستـَوي صُبحٌ أضاءَ طريقنـَا

وظلامُ ليْـل مَر باللعنـــــــاتِ ؟!

هلْ يستوي نهرٌ بخيلٌ جَاحـــــــــدٌ

وعطاءُ نهْر فاضَ بالخيرَاتِ ؟!

أيقنتُ أنَّ الشـِّعْر شاطئُ رحْـلتــــِي

وبأنهُ عندَ الهلاكِ نجَاتِــــــــــي

فزهدتُ في ذهبِ المعزِّ وسيفــــــهِ

وكرهتُ بطشَ المسْتبدِّ الـعَاتـــِي

وكرهتُ في ذهبِ المعزِّ ضـــــلالهُ

وخشيتُ من سيْف المعــزِّ ممَاتِي

ورفضتُ أن أحْيا خيَالا ًصــــــامتـًا

أو صَفحة تطوَي معَ الصفحَـــــاتِ

واخترتُ من صَخبِ المزادِ قصَائِدِي

وَرَفضتُ سوقَ البيْع والصَّفقـَاتِ

***

قدْ لا يكونُ الشِّعرُ حِصْنـــــًا آمنـــــًا

لكنهُ مجْدٌ .. بلا شـُبُهــــــــــــاتِ

والآنَ أشعرُ أن آخرَ رحْـلتِــــــــــــي

ستكونُ في شِعْري وفي صرَخَاتِي

تحْت الترابِ ستختفي ألقابُنــــــــــــا

لا شئَ يبْــقي غيرُ طيفِ رفـــــاتِ

تتشابكُ الأيدي..وتنسحبُ الــــرُّوي

ويتوهُ ضوْءُ الفجْر في الظلـُمـــاتِ

وتري الوُجُوه علي التـُّراب كأنــــــهَا

وشمٌ يصَافحُ كلَّ وشـْــــــــــــم آتِ

مَاذا سَيبقي منْ بريق عُيُوننـــــــــــا ؟

لا شئَ غير الصمْتِ والعَبَــــــراتِ

ماذا سَيَبقي من جَوادٍ جـــــــــــــامحِ

غيْرُ البكاء المرِّ.. والضَّحكـــــاتِ؟

***

أنا زاهدٌ في كلِّ شيْء بعْدَمــــــــــــَا..

اخترتُ شعْري واحتميتُ بذاتِـــــي

زينتُ أيَّامي بغنوةِ عاشِــــــــــق

وأضعتُ في عشـْق الجْمال حَيَاتي

وحلمتُ يَوْمًا أن أراكِ مَدينتـــي

فوق السَّحاب عزيزة الرَّايَــــــــاتِ

ورَسَمتُ أسرابَ الجمْال كأنـَّها

بينَ القلوب مواكبُ الصَّــــــــلواتِ

قد قلتُ ما عندِي ويكفي أنني

واجَهْتُ عصْرَ الزَّيْف بالكلِمــــاتِ

 

قصيدة لكل عمر مرايا سنة 2003

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة

رابط دائم: