«تفجيرات الأسر الانتحارية» موجة جديدة من العنف شهدتها أخيرا دولة اندونيسيا، لتعيد للأذهان سلسلة الأعمال الإرهابية التى عانت منها أكبر بلاد العالم الإسلامى من حيث عدد السكان، ونفذتها الجماعات المتشددة، التى تحاول بسط نفوذها فى البلاد، خاصة تنظيم داعش الذى تبددت آماله فى إقامة خلافة مزعومة فى الشرق الأوسط، فاتجه بفكره المتطرف إلى منطقة جنوب شرق آسيا، وأعتبر أن فكرة »الخلافة» هى المِحور الأساسى فى تحريك ونشأة الجماعات والتنظيمات المؤيدة له، واستغلها فى تجنيد القوى المنفذة للعمليات الإرهابية. وقد تبنى التنظيم الاعتداءات الأخيرة، التى اتخذت اتجاها جديدا وهو تنفيذ عملياتها من خلال الأسر.
وأكد خبراء أمنيون ان هذه هى المرة الأولى التى يستغل المتشددون فيها الأطفال بمهمة انتحارية فى إندونيسيا ،فكان من بين أفراد هذه الأسر أطفال صغار لقوا حتفهم ونجت طفلة فى الثامنة من عمرها،ويرجع الخبراء فى شئون الإرهاب، الهدف من استخدام أسرة لشن أعمال إرهابية هو أن الشرطة لن تكتشف أمرها بسهولة،وأن الأسر لا تحتاج إلى التواصل باستخدام وسائل التكنولوجيا التى يمكن تعقبها. وأن هناك بالتأكيد احتراف تقنى حيث إن تفجير ثلاث قنابل متزامنة يعد سمة مميزة لمجموعة تخطط بشكل جيد، وشككوا فى أن الهجوم تم التخطيط له خارج البلاد، لكن التنظيم يواصل مد نفوذه فيما يفقد نفوذه فى أماكن آخرى.
ورب الأسرة التى نفذت الهجوم قائد خلية لـ «جماعة أنصار الدولة» فى مدينة سورابايا ، وأشيع أن الأسرة من بين 500 متعاطف مع «داعش» عادوا من سوريا، لكن قائد الشرطة نفى ذلك وقال إن خلية «أنصار الدولة» ربما لبت نداء أطلقه تنظيم «داعش» فى سوريا لاستنفار خلاياه فى جميع أنحاء العالم، وأضاف أن اعتقال زعيم الجماعة أمان عبد الرحمن قد يكون دافعاً آخر،وهذه المجموعة الإرهابية تشكلت عام 2015 وتتكون من نحو عشرين جماعة إندونيسية إرهابية، تابعة لتنظيم داعش، و تحملها السلطات مسئولية هجمات عدة فى إندونيسيا، . والجماعة مدرجة على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية، ويعتقد أنها جندت المئات من الإندونيسيين ، فهناك إصدارات متنوعة باللغة الاندونيسية لصالح الجماعات الإرهابية ، أخذت مساحتها فى الانتشار فى بعض المواقع والمنتديات والصفحات الإندونيسية ،والأبرز أن تركيبة الجماعات الإرهابية الاندونيسية ترتبط بجماعات وشخصيات خارج البلاد ، مما يعنى خطورة الامتداد نحو الدول المجاورة . فشارك عدد من المنتمين إلى هذه الجماعات مع تنظيم القاعدة فى أفغانستان، وتم إعدادهم بشكل خاص ،وبعد تنفيذ عمليات إرهابية راح ضحيتها اندونيسيون ثار المجتمع على الجماعات الإرهابية وفكرها ، وحدثت انقسامات داخل بعضها .
ومن أبرز الجماعات داخل اندونيسيا الجمــاعـة الإسلاميــة وهى شبكة تريد فرض الخلافة ويعد أبو بكر باعشير الزعيم للجماعة والناطق باسم التيار المتطرف فى إندونيسيا، وقد اتهم بأنه على علاقة بسلسلة هجمات عام 2002 بينها اعتداءات بالى التى أودت بحياة 202 شخص ويقضى حالياً حكما بالسجن 15 سنة،وهناك حزب التحرير الإسلامى الذى تم سحب ترخيصه عام 2017 لنشره الحقد ضد الديانات و الأعراق الأخرى،وكان حزب التحرير بين منظمى المظاهرات الضخمة فى أواخر 2016 فى جاكرتا ضد حاكم العاصمة باسوكى تجاهاجا بورناما المسيحى من أصل صينى ،وبايعت جماعة مجاهدى شرق اندونيسيا داعش فى 2014وهى جماعة لها أدوار متعددة فى ما يخص التهريب والابتزاز والقتل، و تقوم بذلك باسم الجهاد فى سبيل الخلافة الإسلامية، ومثلها جماعة أنصار التوحيد ،هذا بخلاف جبهة المدافعين عن الإسلام التى لها كذلك سجل فى استخدام العنف نحو الأقليات الدينية. ووصف جوكو ويدودو الرئيس الاندونيسى الهجمات فى سورابايا بأنها أفعال «جبناء»، وتعهد بالمضى قدماً فى مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب، بهدف محاربة شبكات المتشددين، وذكر ويدودو أنه سيصدر التشريع إذا لم يقر البرلمان مشروع القانون، كما إن الشرطة ستعزز إجراءات الأمن فى مختلف أنحاء البلاد بدعم من الجيش، وأوضح مدير شرطة إندونيسيا أن بلاده تواجه مسلحى تنظيمى «داعش» والقاعدة الإرهابيين، إضافة إلى متطرفين مؤهلين لتنفيذ أعمال إرهابية، مما دفع السلطات لزيادة أفراد وحدة مكافحة الإرهاب إلى الضعف، وتشكو الشرطة الإندونيسية من أن القوانين الحالية لا تسمح لها باعتقال المشتبه بهم لإحباط الهجمات الإرهابية. وعلى الجانب الآخر تنظم الحكومة الإندونيسية اجتماعات بين عشرات المسلحين المدانين وناجين من هجمات، على أمل أن تكافح التطرف وتعزز المصالحة،وجمعت هذه المبادرة بين 124 مدانا بجرائم على صلة بالإرهاب و51 من الناجين أو من أقرباء الضحايا الذين قتلوا فى الهجمات. ولكن قاطع عدد من الناجين اللقاء ،احتجاجا على فكرته مما شكل ضربة إلى مبادرة اعتُبرت مرحلة أساسية على طريق المصالحة. واستضافت اندونيسيا العام الماضى اجتماعا لمكافحة الإرهاب شارك فيه ، ست دول هى ماليزيا والفلبين ونيوزيلندا وبروناى بالإضافة إلى أستراليا.لبحث تصاعد خطر المقاتلين الأجانب، والتحديات التى يطرحها الإرهاب المتنامى فى جنوب شرقى آسيا و المخاوف من سعى تنظيم داعش إلى إقامة خلافة إسلامية بالمنطقة خاصة أن مئات المتطرفين يتدفقون إلى المنطقة من سوريا والعراق من المنضمين إلى التنظيم الإرهابى. أن نفوذ الجماعات الإسلامية المتزايد فى إندونيسيا والتى يعترف دستورها بتعدد الأديان وجرى العرف فيها على التسامح الدينى. سوف يؤدى إلى تهميش الأقليات الدينية ،الهندوس والمسيحيين والبوذيين وغيرهم من الأقليات فى البلاد والإضرار بمصالحهم ويعرضهم للخطر ،و ذلك يدخلها فى أزمات ومشاكل كبيرة فى المستقبل.
رابط دائم: