رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

يرى الثقافة أقوى سلاح لمواجهة التطرف
مصطفى الفقى: لم تعد ثمة أحلام فى هذه المرحلة العمرية!

حوار ــ العزب الطيب الطاهر
مصطفى الفقى > تصوير ـ مجدى عبدالسيد

  • الصورة الذهنية لدى العامة أن مكتبة الإسكندرية مرتبطة بالنخب فقط وهو ما حاولنا تجاوزه وقررنا فتح أبوابها طوال الأسبوع حتى خلال الإجازات الرسمية ونستقبل المواطنين فى القبة السماوية والمتاحف

  • المحروسة بحاجة لمشروع ثقافى مغاير يتجاوز ما كان سائدا فى العقود الماضية والمؤسسات الثقافية تعمل بمنطق الجزر المنعزلة ويجب تفعيل الحوار الدائم بينها

«أنا أقيم بشكل أبدى فى خانة الفكر والثقافة فهى الأبقى والأخلد، وعندما أرحل لن يتذكرنى أحد إلا من عبر مؤلفاتى وكتاباتي». هكذا يحسم الدكتور «مصطفى الفقي» فى حوارنا هذا انحيازه بوضوح، بالرغم من مسيرته المهنية فى الوظائف العامة، فى وزارة الخارجية أو مؤسسة الرئاسة، وهذا لا يعنى تخليه عن هذه المحطات المهمة فى حياته، لكنه يعكس بذلك قناعات قوية بلورها، بعد عقود من التفاعل مع مفردات الواقع، وطنيا وعربيا ودوليا، حيث رأى أن خندق الثقافة والفكر أكثر صدقا وحميمية، وبعداً عن الصراعات والمنافسات، وقد يكون موقفه هذا منسجما مع موقعه الحالى كمدير لمكتبة الإسكندرية الذى تولاه قبل أكثر من عام، هذا الصرح الثقافى العالمى المقيم فى المحروسة شاهد على تفاعلها الحضارى وتوهج فعلها الثقافي.

ويكشف د.الفقي، الكثير من مواقفه، وقراءاته للمشهد الثقافى بتنويعاته، على نحو ينبئ عن إلمام عميق بتجلياته، مع حلمه باستعادة المحروسة قدراتها على التأثير ثقافيا وفكريا، بعدما أصبحت الثقافة واحدة من أهم الملفات، كما ذكر الرئيس «عبد الفتاح السيسي» فى خطابه أمام مجلس النواب مؤخرا.


مصطفى الفقى فى أثناء حواره مع «الأهرام»

لأى مدى شكّل وجودك على رأس مكتبة الإسكندرية قيمة مضافة لمسيرتك المهنية؟

هذا المنصب تتويج لحياتى بتجلياتها ومراحلها المتعددة، فقد كنت دبلوماسيا وبرلمانيا وإعلاميا وأكاديميا، وفى كل مجال بلغت حدا معينا فعلى الصعيد الدبلوماسي، وصلت إلى درجة سفير ممتاز ومساعد أول لوزير الخارجية، وأكاديميا كنت رئيسا لجامعة خاصة، وبرلمانيا توليت رئاسة لجنتين فى مجلسى الشعب والشورى السابقين، وكنت - وما زلت - واحدا من كتاب الأهرام الذين تم اختيارهم مؤخرا ككتاب أساسيين، بعد سنوات طويلة من الكتابة فى هذه الصحيفة العريقة، بدأتها مطلع سبعينيات القرن الفائت، ولاشك أن كل هذه المساهمات كانت تتطلب نوعا من التتويج، فالوظائف الإدارية أو العامة قد لا تناسب مرحلتى العمرية الراهنة، بيد أن مكتبة الإسكندرية تتناسب معي، لأن أنشطتها فى الثقافة والفكر والفن والعلم والإبداع، وهذا مما أجد نفسى فيه.

هل فوجئت باختيارك لهذا الموقع الثقافى الرفيع؟

أستطيع القول أننى لم أعد له إعدادا طويلا، لكن فى الأسابيع القليلة قبل الاختيار علمت أننى أحد المرشحين لهذا المنصب، وربما كنت أتصدرهم.

بصراحة.. هل شعرت بالارتياح لاختيارك مديرا لمكتبة الإسكندرية أم كانت أحلامك تتجه إلى منصب آخر، دبلوماسيا أو سياسيا؟

لم تعد ثمة أحلام فى هذه المرحلة العمرية، وأنت تعلم أننى كنت مرشحا لمنصب الأمين العام للجامعة فى العام 2012، وكثير من الشائعات رشحتنى لمناصب وزارية، وقناعتى بأن المرء يحصل على ما يُقدر له من مناصب أو مواقع، ودعنى أؤكد لك أننى لا أشعر بالأسف على شيء مضي.

عندما توليت هذا المنصب بحكم خلفيتك الدبلوماسية والفكرية والثقافية ,كان ثمة توقع بأن تحدث نقلة نوعية فى أداء المكتبة، المؤسسة الثقافية العريقة تاريخيا والمنشأة حديثا، فما الذى حققته فيها؟

لقد حققنا الكثير مما يصعب رصده فى هذا الحوار، خلال فترة زمنية لم تتجاوز العام، فقد توليت منصبى فى مايو 2017. ويكفى أننا بدأنا برنامجا لمكافحة التطرف، باستقدام الفتيان والطلاب والطالبات، من المعاهد الدينية والمدارس بمختلف مراحل التعليم لزيارة المكتبة يوميا والتفاعل مع أنشطتها،كما تسلمنا منذ أيام بضاحية حلوان قصر الأميرة خديجة، الذى سيتحول إلى شعلة ثقافية خلال الأيام القليلة المقبلة، وسيتم تحويله فيما بعد إلى متحف للأديان الفرعونية والتوحيد على يد أخناتون، وأديان الفترة الإغريقية والرومانية ثم المسيحية والإسلام، بجانب التراث اليهودي، فالقاهرة وحدها تضم عشرة معابد يهودية، ومن ثم نسعى لجعل مكتبة الإسكندرية رائدة فى كل الاتجاهات الثقافية,كما نقوم بإنشاء مبنى ضخم فى منطقة «أبيس» بالإسكندرية تبرع بأرضه الشيخ الدكتور «سلطان القاسمي» حاكم إمارة الشارقة، بحكم العلاقات الخاصة القوية التى تربطنى به، وهو معروف كأحد أهم داعمى الفعل الثقافى العربي، وقيمة المبنى تكمن فى أنه سيكون بمقدوره احتواء أكثر من مليونين ونصف مليون كتاب فائضة عن الطاقة الاستيعابية الحالية للمكتبة، وتحتاج لنوعية معينة من أجهزة التكييف والضغط، لتوفير بيئة تحافظ على جودتها. كما تعمل «سفارات المعرفة» التى أنشأتها المكتبة فى حوالى عشرين محافظة بكفاءة، و فى عدد كبير من الجامعات، والمراكز الفرعية لأكاديمية البحث العلمي، وعديد من المراكز الاستكشافية التابعة لوزارة التربية والتعليم، إضافة لبعض المكتبات العامة والمؤسسات الأخرى المهتمة بنشر العلوم والثقافة فى المجتمع المصري، وهى بمثابة مراكز فرعية للمكتبة تتيح نفس الخدمات التى تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها، وتحتوى على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار المكتبة الأم، وتحرص «سفارات المعرفة» على التواصل الفعّال مع الشباب فى المحافظات بتنظيم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الفعاليات يقدمها علماء متخصصون، لتنمية مهارات الشباب المصرى والعربى والإفريقي، حيث يشارك فى الفعاليات بجانب المصريين بعض الطلاب الوافدين من جامعات عربية وافريقية، لاكتساب العديد من المهارات على مختلف الأصعدة وتنمية روح الإبداع والابتكار والانفتاح على ثقافات الشعوب وقبول الآخر لمجابهة التحديات الراهنة، مثل التعصب والإرهاب وبث روح الفرقة بين الأمم والشعوب على خلفيات عرقية وطائفية وغيرها. وجددت مكتبة الإسكندرية تواصلها مع اليونسكو بقوة، وشهد تواصلها مع الأمم المتحدة ومراكزها المعرفية معدلات نمو متسارعة أكثر مما كان يحدث، بجانب تواصلها مع المؤسسات العلمية الدولية حول العالم.

بالرغم من كل هذه الأنشطة والفعاليات يبدو لافتا أن المكتبة لم تنجح فى ملامسة هموم وأشواق المواطن المصرى الثقافية والفكرية، فتعاملها مع النخب فقط ,فهل ثمة توجه للخروج من هذا البرج العاجي؟

بالفعل الصورة الذهنية لدى العامة أن مكتبة الاسكندرية مرتبطة بالنخب فقط وهو ما حاولنا تجاوزه وقررنا فتح أبوابها طوال الأسبوع حتى خلال الإجازات الرسمية ونستقبل المواطنين فى القبة السماوية والمتاحف، وغيرها من الأنشطة اليومية، لتقديم مادة ثقافية كاملة للمواطنين وبالذات الشباب، ونعمل على التفاعل مع الواقع اليومى المعاش، كما نعمل على الاتجاه بها إلى المحيط العربي، والقارة الأفريقية، وآسيا، ولدينا تبادل زيارات يومية مع مكتبات وجامعات من كل هذه الجهات، لأننا نريد سد النقص الذى أشرت إليه، حتى لا يتصور الناس أن مكتبة الإسكندرية برج عاجي، لأن الذى يدفع أموالها فى النهاية الشعب المصري,حتى ولو كان هناك أجانب فى مجلس أمنائها.


مصطفى الفقى

واستوقفتنى سلسلة المؤتمرات التى عقدتها مكتبة الإسكندرية فى الأعوام السابقة لمكافحة التطرف والإرهاب، لكن هناك من يرى أن مردودها محدود، وربما عكسي، لأن انخراط الشباب فى التنظيمات الإرهابية ازداد، ولا أوجه اللوم هنا إلى المكتبة، فما فائدة المؤتمرات بتقديركم إذا لم تقدم نتائج إيجابية بالحد من الظاهرة التى تتصدى لها؟

أؤيدك تماما فى هذه المسألة، وقد لفت الانتباه مرارا إلى أن المؤتمرات الكبرى التى تعقد لأيام، ويشارك فيها كثيرون بأحاديث متواصلة وخطط للتصدى والمواجهة، وفى العام التالى ننطلق من نفس النقطة دون أى جديد، وأكدت أن هذا إهدار للوقت وتبديد للمال والجهد ,وعليه فقد قررت على صعيد المكتبة أن يتم تنظيم ورش عمل صغيرة محدودة العدد والوقت، للحوار حول نقاط بعينها تتعلق بملف الإرهاب وتنظيماته وبقدر كبير من التكثيف، بعيدا عن المؤتمرات الروتينية التى لا تفضى إلى نتائج حقيقية.

هل بدأت هذه الورش بالفعل وأسهمت فى إحداث بعض التغيير؟

أقمنا ورشة ناجحة عن التعليم، ولدينا مركز للدراسات الاستراتيجية، تقرر إنشاؤه مؤخرا، ويشرف على هذه الورش التى لا تقتصر على الطابع الأكاديمي، وتتقاطع مع إشكاليات الظاهرة الإرهابية وكيفية التصدى لها، إضافة إلى مجموعة مراكز بحثية تم استحداثها فى المكتبة، مثل مركز زاهى حواس للمصريات، ومركز إسماعيل سراج الدين للأبحاث العلمية، ومركز مجدى يعقوب للبحوث الطبية، ولا نتوقف عن تقديم الأفضل، مع حفلات المكتبة الموسيقية التى يؤمها الآلاف من عامة الناس، ولفت انتباهى أن الإسكندرية «الكوزموبوليتينية»، التى تضم طوال تاريخها يونانيين وإيطاليين وأرمن ويهودا وغيرهم، أضحت فى السنوات الأخيرة أكبر مدينة سلفية فى مصر، وليس ذلك انتقادا للتيار السلفى بقدر ما يعكس النقلة الضخمة التى شهدتها من اتجاه لآخر.

وكيف تفسر هذه النقلة من منظورك؟

قصور الرسالة الثقافية والإعلامية والفكرية التى تم توجيهها للمواطنين، وكانت تأخذ شكلا غير مقبول لدى الآخرين، ومن الضرورة بمكان أن يتم توجيه هذه الرسالة على نحو يتجاوب معه أهل الإسكندرية.

هل يمكن أن تكون الثقافة من أدوات محاربة الإرهاب أو على الأقل الحد من تداعياته؟

بالتأكيد، فالثقافة تضم الفنون والآداب والمعارف المختلفة، وهى صناعة الحياة، بينما الإرهاب صناعة الموت، لذلك بوسعى الزعم بقدر كبير من الثقة، أن الثقافة أقوى الأسلحة فى مواجهة التطرف والإرهاب، ربما تكون أمضى من السلاح الاقتصادي، وربما كانت أقوى من السلاح السياسي، بل وأقوى من السلاح العسكرى والأمني، لكن ذلك يستوجب ضرورة توافر مقوماتها المعروفة.

ما أبرز هذه المقومات بتقديرك؟

عندما نأتى بالشباب الذى يجرى حقنه من اتجاهات مختلفة بأفكار مسمومة، أو توجهات ظلامية ويمضى يوما فى المكتبة متنقلا بين أنشطتها المتعددة، ويزور القبة السماوية، والمتحف، ويحضر حفلا موسيقيا للأوركسترا، ويطالع الكتب، وغير ذلك، سيخرج منها مختلفا، محملا برؤى مغايرة، وهذا يمثل حلاً عملياً مباشراً أمام شبابنا، أردنا من خلاله القبض على الجسم الحى الذى يتأثر بالفكر المتطرف، ونقوم بتغييره ليس عن طريق الوعظ، بل عبر أنشطة إنسانية وثقافية وفكرية وفنية، بصورة مقبولة لمرحلته العمرية ولا تتعارض مع أفكاره ولا اتجاهاته.

هل توافق على أن الخطاب الثقافى بحاجة للتجديد كما الخطاب الدينى المطروح منذ سنوات؟

نعم.. ورأيى أن انتزاع الخطاب الدينى وحده والدعوة إلى تجديده قد لا يكون مجديا كثيرا، والأصل هو السعى إلى تغيير العقل المسلم، وبالتالى تغيير طبيعة الفكر ، بمعنى أدق تغيير ثقافة الإنسان وسلوكه، وهذا لن يتحقق على الإطلاق إلا بالتربية والتعليم والثقافة والإعلام والمؤسسة الدينية، لا يمكن أن أبدأ الحديث عن ثقافة مختلفة ثم نتوقع تجديدا للفكر الديني، كما لا يمكن أن نتحدث عن ثقافة متخلفة ونتوقع صورة جديدة للخطاب الثقافى أو السياسى أو الاجتماعي، الكل فى منظومة واحدة، ولابد أن نعمل عليها بشكل متكامل، ولا نقف عند الجزئيات وحدها، فالأمر يتطلب نظرة كلية للمشكلة من خارجها حتى لا نضيع فى زحام التفاصيل.

يرى البعض أن المؤسسات الثقافية ليست متناغمة، بل تبدو أحيانا متناقضة، ما يؤثر لحد كبير على فعالية أدائها وتأثيرها فى المشهد الثقافي، فكيف ترى الأمر؟

بل أحيانا تبدو هذه المؤسسات والأجهزة جزرا منعزلة، تفتقر إلى التواصل، والأصل أن يكون هناك حوار دائم بينها، لإعلاء شأن الوطن ومواجهة أسباب تدهور الحياة، تلك مهمتنا جميعا أمام الله والوطن، وهو ما يدعونا إلى نبذ الخلافات واحترام الآخر وبلورة القواسم المشتركة.

أقصد المؤسسات الثقافية والفكرية والدينية التى لم تحقق القدر المطلوب من التصدى للإرهاب؟

كلامك صحيح، لذا استأذنت فضيلة الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب» شيخ الأزهر فى مشروعنا لمحاربة التطرف والإرهاب فأعلن مباركته، والتقيت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدائم، وتم الاتفاق معها على توقيع بروتوكول تعاون بين الأوبرا ومكتبة الإسكندرية، لعمل عروض مشتركة، ولا نترك مساحة لنشاط ثقافى فى المحروسة إلا ونسعى للتفاعل معها، فاسم مكتبة الإسكندرية كبير وكثير من الجهات تسعى إلينا.

معنى ذلك أنه بمقدور المكتبة أن تكون نقطة ارتكاز لترابط وانسجام العمل بين المؤسسات الثقافية؟

هذا صحيح.

وما أدواتكم للاضطلاع بهذه المهمة؟

أول هذه الأدوات، إن لم يكن أهمها، مكانتها الدولية، وكلمتها المسموعة على الصعيد العالمي، فمع مشاركتنا فى أى تجمع أو مؤتمر دولي، نجد تهافتا للتعاون مع مكتبة الإسكندرية,كما تحظى بزيارات وفود من أرجاء العالم لا على مدى العام، وخلال العام الأول لى زارنا عدد كبير من رؤساء الدول، فى مقدمتهم الرئيس «عبد الفتاح السيسي» الذى يرأس مجلس أمناء المكتبة، والرئيس اليونانى خلال زيارته الأخيرة الإسكندرية، وأمضى يوما كاملا بالمكتبة، فالكل يريد مشاهدة ودعم هذه الضفيرة من الثقافات، وتزاوج المعارف غير المتاح فى أماكن أخرى مماثلة لمكتبة الإسكندرية.

هل أضحت مصر بحاجة إلى مشروع ثقافى نهضوى مغاير لما كان سائدا فى العقود السابقة؟ وما رؤيتك له؟

ما تقوله هو الحق تماما، نريد أن تتضافر الجهود فى كل الاتجاهات للصعود بالوطن إلى أعلي، ولن يتحقق هذا إلا بمزيد من الوعى وبرؤية شاملة، وتنسيق بين كل مؤسسات الدولة، ومصر دولة ثرية ثقافيا، ومكتبة الإسكندرية تتحرك على هذا الصعيد بمرتكزين رئيسيين، أولهما فتح نافذة للإبداع، والثانى المحافظة على التراث، وكلاهما بضاعة مصرية، ونعتز كثيرا بدورنا ونسعى بقوة لتنميته.

هل تحظى المكتبة بدعم المؤسسات الأخرى ذات الصلة بالعمل الثقافي؟

نعم تحظى بدعم وإسناد من وزارات الثقافة بأجهزتها المختلفة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، ولاحظ أن المكتبة تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، بحكم أنه رئيس مجلس أمنائها، وهو ما يعطينا تشريفا، ويزيدنا تكليفا، ويمنحنا القدرة بفاعلية أعلي، فى تواصلنا مع مؤسسات الدولة المختلفة وتجاوبها مع دورنا.

الملاحظ أن المكتبة لا تبدى اهتماما بالنشر، فلا تصدر سلاسل أدبية للأجيال الجديدة، لتوسيع دائرة نشر الكتاب فى مصر؟

هى تبدى اهتماما بأدباء الإسكندرية، والأقاليم، لكن ثمّة حقيقة يتعين أخذها بالاعتبار، فالمكتبة ليست دار نشر، بل مؤسسة عالمية على أرض مصرية، لذلك أحرص بأشد ما يكون الحرص على صورتها الخارجية أمام العالم.

وماذا عن العلاقة بين المثقف والسلطة، المطروحة دائما، فثمّة من يرى أن الثقافة سبحت فى تيار السلطة التى تسعى عادة للهيمنة على المثقف. فكيف ترى هذه الإشكالية؟

العلاقة بين المثقف والسلطة قديمة جدا، وتفرع عنها قضايا فرعية أخري، مثل أهل الخبرة وأهل الحظوة وأهل الثقة، وواجهتها ثورة يوليو فى مراحلها الأولي، وما زلنا نواجهها إلى الآن، فالمثقف أحيانا يستسهل الطريق ويقذف بنفسه فى أحضان السلطة، وأحيانا يكون مع السلطة لكن بعين ناقدة وروح فاحصة، بحيث لا يقول آمين أبدا، وآليت على نفسى إلا أن أكون من الصنف الثاني، وهو ما دفعت كلفته حيث منعت كتبى ومقالاتى كثيرا، غير أننى كنت مؤمنا أن ثمة إيجابيات فى الحكم، وفى المعارضة، ما يستوجب منا السعى لتعظيم الإيجابيات، بدلا من الموقف السلبى الضعيف.

كيف تقرأ الوضع الراهن للنخب الثقافية فى مصر الآن. هل تتفق مع من يرى أن دورها أصبح خافتا، بينما النوافذ مفتوحة لمن هم أقل ثقافة وفاعلية؟

لا أطمئن تماما لعملية جلد الذات المستمرة فى واقعنا هذه، وبتقديرى أن لدى المحروسة مثقفين ومفكرين وأجيالا جديدة مستنيرة ومؤثرة وتتسم بفاعلية، بيد أن المشكلة تكمن فى اتساع مساحات المنافسة، وأن الصغار شبّوا عن الطوق فى المحيط العربي، والإمكانات المادية تحولت إلى أداة لشراء الكثير من المواقع والمواقف أحيانا، فقطر أنشأت مكتبة مؤخرا تحاول من خلالها أن تضارب مكتبة الإسكندرية، ولا بأس أن يكون لدى أشقائنا فى الدول العربية مكتبات مماثلة، فالمصرى بطبيعته لا ينزع للتعصب بل يتكامل مع الآخرين، بدليل أن مصر الدولة الوحيدة التى احتضنت مثقفى الشام الذين أسهموا معنا فى نهضة القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ما يشير إلى رحابة صدر المصرى فى التكامل والتفاعل مع جهود الأشقاء.

أنت واحد ممن أبدوا اهتماما واسعا بالفكر القومي، ولك مؤلف شهير، ألا تعتقد أن المرحلة الراهنة تستوجب إعادة النظر فى مسلمات الفكر القومي، وصياغته على أسس أكثر فاعلية؟

لا أعرف إن كنت تعلم أم لا أننى دعوت فى 2007 إلى عقد قمة ثقافية عربية، أسوة بالقمة الاقتصادية، وتحمس لهذه الدعوة عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية آنذاك، وعقدت سلسلة اجتماعات دورية ضمن مؤسسة الفكر العربي، التى يرأسها الأمير خالد الفيصل، لكن المسألة تعرضت للتجميد بفعل أحداث الربيع العربي، بالرغم من وجود قرار من قمة الجزائر بعقد هذه القمة، والذى تم تجديده فى قمة الظهران خلال أبريل الماضي,ما يجعلنى أكثر تفاؤلا بأن ترى هذه القمة النور قريبا، لأن البناء الثقافى فى العمل العربى المشترك بات ضرورة، لأنه أكثر قدرة على التجميع والحشد، وتنعدم فيه مساحات الخلاف الواسعة، كما فى السياسة والاقتصاد. وآلت مكتبة الإسكندرية على نفسها إلّا أن تقود التيار العربى فى هذا الاتجاه لأنه يؤدى إلى تجديد الفكر العربي، ولدى كتاب شهير بعنوان «تجديد الفكر القومي» صدرت منه إلى الآن 17طبعة، ولدى قناعة بأن لكل زمان رموزه، وركائزه، لذلك أركز فى مفهوم العروبة الآن ليس على مقومات الدين أو الخصائص الجغرافية أو التاريخية أو المصير المشترك رغم أهميتها، لكنى أركز على الخاصية الثقافية، والتشابه الثقافى بين مفردات الأمة وسلوك الإنسان، فالنكتة تصدر فى مصر فيضحك عليها العراقى والمغربى فى الوقت نفسه، أليس هذا دليلا على التجانس الثقافى الذى يصنع مفهوم العروبة الحقيقية هو كذلك.

هل تعتقد أن ثمة فرصة للفكر القومى لاستعادة صدارة المشهد ، مع تصاعد الإسلام السياسى خلال السنوات الفائتة، وبعد ثورات الربيع العربي؟

يمكنه أن يعود لكن بأساليب مختلفة عن الماضي، فالفكر القومى انكمش خلال السنوات الأخيرة، وجاء بديلا عنه المشروع الإسلامي، وبعيدا عن تقييمه سلبا أو إيجابا، فالمشروع القومى هو الذى يتعين أن نتبناه فى المرحلة الراهنة، من خلال إيماننا بأننا أمة واحدة يجب أن تنهض لبناء مستقبلها، فهذا السبيل الوحيد الذى يجعلنا قادرين على تغيير شكل الحياة وإعمال فقه الأولويات، لتغيير واقعنا.

هل تجد نفسك فى مربع الثقافة والفكر، أم خندق الدبلوماسية والسياسة؟

أميل إلى مربع الفكر والثقافة فهو الأبقى والأخلد، وبعيدا عن الصراعات والتقلبات التى تتسم بها كل من الدبلوماسية والسياسة، فعندما أرحل عن هذا العالم ستكون كتبى ومقالاتى رصيدى الذى يتحدث عنى وليس المناصب على الإطلاق، فهى تزول بينما الفكر يبقي، هذا ما أؤمن به تماما.

كيف تقيم تفاعل الرئيس «عبد الفتاح السيسي» مع دوائر ورموز الثقافة والفكر خلال فترة رئاسته الأولي؟ وكيف تتوقع تعامله معهم فى الفترة الثانية؟

هو يتحدث مع المثقفين والمفكرين خلال مؤتمرات الشباب العديدة، ورصدت ذلك بنفسي، ولاشك أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، لاسيما بعد أن وضع الثقافة فى مقدمة ملفات بناء الإنسان المصرى خلال الفترة المقبلة بجانب التعليم والصحة، سيكون حريصا على اللقاء مع المثقفين والمفكرين، للمساهمة فى وضع استراتيجية تفعيل دور المؤسسات الثقافية، فى عملية البناء التى باتت مطلوبة بإلحاح، وليس بالضرورة أن تكون مثل هذه اللقاءات معلنة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق