رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الإخوان ضد الإخوان

لم نعد أمام جماعة واحدة للإخوان بل جماعات تسير كل منها فى طريق مغاير، بل أحيانا متصادم مع جماعة أخرى للإخوان، فلم يعد للجماعة تنظيم دولى حقيقى يوحد بين فروعها، وانما مجموعات مصالح متنافسة ومتناحرة فى أحيان كثيرة، بعضها يجد ملاذا فى بريطانيا ووثيق الصلة بمخابراتها، وأخرى تمد جسور التقارب مع الولايات المتحدة، بينما تقف أخرى إلى جانب إيران وحزب الله اللبناني، والشطر الأكبر من الإخوان مازال يراهن على الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى تترنح مواقفه من النقيض إلى النقيض، والذى ينتقد بعض مواقف إسرائيل لفظيا لكنه يتعاون معها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا . يوسف القرضاوى أبرز قادة الجماعة ومرشدها الفكرى يصف إيران وحزب الله بالروافض، ويدعو إلى محاربتهم، ويتهمهم بارتكاب الجرائم فى سوريا والعراق ضد المسلمين السنة، لكن يحيى السنوار القائد الجديد لحركة حماس الإخوانية فى غزة يعلن أنه حليف لحزب الله وإيران، ويصفهما بأهم داعمى الحركة.

وكانت حركة حماس تتخذ من دمشق مقرا رئيسيا لها، ثم انقلبت على النظام السورى وأعلنت دعمها للمسلحين الذين يحاربون الجيش السوري، والمتحالفين مع جبهة النصرة، ونقلت مقرها من دمشق إلى الدوحة، ليعلن منها خالد مشعل تحالف حماس مع الجماعات المسلحة ضد النظام السوري، ومع بوادر هزيمة الجماعات المسلحة فى سوريا بدأت حركة حماس فى تغيير بوصلتها ، حتى إن عددا من قادتها فى غزة وصفوا اتهام الولايات المتحدة للجيش السورى باستخدام أسلحة كيماوية بأنها تمثيلية، وأدانوا الهجوم الأمريكى على سوريا. أما التنظيمات المسلحة المحسوبة على جماعة الإخوان فى سوريا فتواجه أزمة أكثر خطورة، فبعد هزائمها المتوالية وانتقال معظم مسلحيها وأسرهم إلى محافظة إدلب السورية قرب الحدود مع تركيا، تحولت تلك التنظيمات إلى ذراع عسكرية يوظفها الرئيس التركى أردوغان لمصالحه الخاصة، لتصبح مثل فرقة «الإنكشارية» التى كان يعتمد عليها أجداده العثمانيون فى الفتوحات العثمانية، بوصفها جماعات أشد عقائدية يمكنها ارتكاب أشد الأعمال وحشية دون تردد، ويوظف أردوغان قطاعا من هذه التنظيمات المسلحة فى محاربة الأكراد الطامحين إلى إقامة كيان فيدرالى فى سوريا يمكن أن يشجع أكراد تركيا على المطالبة بالانفصال، وارتكبت هذه التنظيمات أعمال قتل ونهب الأكراد السوريين فى مدينة عفرين وغيرها من البلدات المحيطة، كما قامت بعمليات تهجير واسعة للأكراد فى تلك المناطق، لتكون ملاذا للإخوان الفارين من الغوطة وحلب وحمص وحماة، وقرر أردوغان منح الجنسية التركية لعدد كبير من مقاتلى جماعة الإخوان السورية، ليستخدمهم ضد معارضيه فى الداخل، ويضم بعضهم إلى الشرطة والجيش التركي. وعندما نقرأ بيانات ومواقف الجماعات المحسوبة على «الإخوان» يظهر بوضوح أننا أمام جماعات لا روابط فكرية أو سياسية بينها، فالحزب الإسلامى المحسوب على جماعة الإخوان فى العراق يتحالف مع أحزاب وجماعات شيعية تناصب جماعة الإخوان العداء، وفى تونس نجد أن حركة النهضة المحسوبة على الجماعة تراهن على العلاقة مع أوروبا وتقدم نفسها على أنها جماعة غير سلفية ومنفتحة على الغرب، وتفصل بين الدعوة والسياسة، نجد بيانات الجماعة فى الكثير من البلدان الأخرى تصر على أن أوروبا والولايات المتحدة تتآمر ضد الجماعة وتشن حربا على المسلمين، بل نجد تلك التباينات الواسعة داخل البلد الواحد، فقد شهدت حركة النهضة التونسية خلافات بين تيار لندن الذى يقوده راشد الغنوشي، والذى يبالغ فى إظهار تقاربه مع أوروبا، وتيار الداخل الأكثر تشددا، والذى يرى فى مواقف الغنوشى خروجا على مبادئ الجماعة، وقدم قياديان من تيار الداخل استقالتهما احتجاجا على أطروحات الغنوشي، وإشراكه شخصيات تصفها بغير الإسلامية فى قوائم الانتخابات البلدية فى تونس. ويعد حزب الإصلاح اليمنى الإخوانى نموذجا لهذا التخبط الإخواني، فبعد أن شارك الحزب فى الحرب اليمنية إلى جانب التحالف العربى الذى كانت تشارك فيه قطر، بدأت بوصلته تتغير مع انسحاب القوات القطرية من التحالف العربي، على خلفية نشوب أزمة حادة بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين، ويعلن الحزب أحيانا أنه مازال يقاتل إلى جانب الشرعية فى إطار التحالف العربي، ثم تظهر بيانات من بعض فروع الحزب تدعو للمصالحة مع الحوثيين.

هذه المواقف المتضاربة لأفرع جماعة الإخوان فى الدول العربية، وانقسام ولاءاتها وتوجهاتها وحساباتها الخاصة جعلت من جماعة الإخوان عدة جماعات متضاربة الأهداف والتوجهات، تعكس أزمة فكرية وتنظيمية حادة واكبت فشلهم وهزائمهم المتوالية فى كل من مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا، بعد ضلوعهم فى مخطط تدمير تلك الدول، وكبدتها خسائر بشرية ومادية جسيمة، مخلفة أكبر مأساة واجهتها شعوب المنطقة.


لمزيد من مقالات مصطفى السعيد

رابط دائم: