بتوقيع اتفاق السلام التاريخى بين الحكومة الكولومبية وحركة فارك المسلحة فى عام 2016 ليطوى واحدا من أطول الصراعات المسلحة فى العالم على مدى أكثر من نصف قرن، اعتقد الكثيرون أنه سوف يعم الاستقرار فى جميع أنحاء البلاد،غير أن ذلك لم يحدث على ارض الواقع .
فبعد مرور أكثر من عام ونصف العام والإشادة الواسعة بالاتفاق الذى سلمت فيه حركة «فارك» أسلحتها إلى بعثة الأمم المتحدة، وحصول الرئيس الكولومبى خوان سانتوس على جائزة نوبل للسلام خلال المفاوضات التى تمت مع الحركة فى عام ٢٠١٦ لا يزال تحقيق السلام بعيد المنال خاصة ان نزع سلاح حركة «فارك» تسبب فى اشتعال السباق بين المسلحين والعصابات الإجرامية لخرق هذا الاتفاق الذى قد ألحق أضرارا جسيمة بهم ، حيث كانوا مستفيدين بصورة كبيرة من وجود « فارك» واستمرار النزاع بينها وبين الحكومة الكولومبية .
وقد أعلنت السلطات الكولومبية مؤخرا أن مالا يقل عن 1200من المنشقين من القوات المسلحة الثورية الكولومبية مازالوا نشطين، وهو ما يمثل خمس قوة المتمردين عندما تم الاتفاق على السلام، وقد قام بعض هؤلاء المنشقين بتشكيل فصائل مسلحة جديدة مثل «مقاتلى الباسفيك» تفرض ضرائب على الباعة والتجار وغيرهم من الشركات الصغيرة ، فى حين انضم منشقون آخرون إلى عصابات أيديولوجية لا تعمل فى الجريمة.
جاء فى تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية ان فريقا من وكالة «رويترز» سافر على مدار الأشهر التسعة الماضية إلى كولومبيا لمعرفة مدى تطور الجماعات المسلحة والإجرامية هناك وما يقوم به المنشقون من فصائل « فارك» والعصابات الجديدة التى نشأت أخيرا علاوة على المتمردين المخضرمين مثل «جيش التحرير الوطني» الذين استخدموا الاتفاق لإعادة تغيير موقعهم، وهو ما جعل الحكومة تجرى معهم حاليا جولات للتفاوض من أجل السلام .
وتعد «توماكو» من المحطات الهامة التى زارها فريق «رويترز» فهى واحدة من أهم المناطق التى يشتعل فيها الصراع حيث توفر شبكة الأنهار التى توجد بها منفذًا مهما فى المحيط الهادى لمزارع النباتات المخدرة المترامية الأطراف .كما ساعدت أيضا الأوضاع الصعبة وارتفاع معدلات الفقر لسكان لهذه البلدة فى جعل الحياة خارج القانون أكثر سهولة وجاذبية ، فقد تجاوزت نسبة البطالة ٧٠٪ ،ومعظم الأعمال الشرعية تكون موسمية ،ومن ثم فان الحصول على الأموال بسهولة لن يأتى إلا من خلال تجارة الكوكاين ، حيث تدر هذه الأنشطة غير الشرعية حوالى 13 مليون دولار سنويا وفقا لتقديرات الحكومة. .
على الجانب الآخر فان الحكومة الكولومبية تعمل جاهدة لنجاح هذا الاتفاق، فقد وعد الرئيس الكولومبى سانتوس بإغراق المناطق التى كانت تسيطر عليها فارك بالاستثمارات والمشروعات الكبيرة ، حيث انه من المفترض أن يصل حجم الإنفاق الحكومى السنوى إلى ثلاثة مليارات دولار على مدار السنوات الخمس عشرة القادمة لتحسين الصحة والتعليم والبنية التحتية والزراعة فى المناطق التى مزقتها الحرب ، علاوة على ذلك أيضا فإن حجر الزاوية فى هذا الاتفاق هو استبدال زراعة الكوكا التى يعتمد عليها الكثير من المزارعين للحصول على دخل مضمون بمحاصيل أخرى تدر أرباحا . غير أن ضعف الاقتصاد يجعل التمويل أمرا صعباً ، وبالتالى أصبحت تكلفة إعادة الإندماج عقبة كبيرة فى طريق تحقيق السلام .
ويزيد من صعوبة الأمر أيضا أن أكثر من 13000 مقاتل فى القوات المسلحة الثورية لكولومبيا ممن قاموا بتسليم أسلحتهم واعتزلوا الأعمال الإجرامية ، قد تم تجنيدهم فى سن مبكرة للغاية ، ولذلك فان مهارتهم الرئيسية هى القتال، وهو الأمر الذى من الممكن أن يؤدى بهم إلى الإنزلاق مرة أخرى إلى العنف ، خاصة وأن مرتباتهم التى أقرها الاتفاق تفوق قدرات الحكومة على الوفاء بها نتيجة للظروف الاقتصادية. كما جاء أيضا فشل المجلس التشريعى فى تمرير العديد من القوانين اللازمة للحفاظ على الوعود التى قطعتها الحكومة فى الاتفاق ليبرهن على أن اتفاق السلام مع «فارك» لم يكن سوى حل مؤقت.
وفى الوقت نفسه، تنتظر كولومبيا اختبارا أخر وهو الانتخابات الرئاسية القادمة المقرر إجراؤها فى أواخر الشهر الحالي، حيث يخوضها الرئيس الكولومبى الحالى خوان سانتوس فى مواجهة إيفان دوكى ، مرشح حزب الجناح الوسطى الديمقراطى ، و الذى يعد من اشد المعارضين لاتفاق السلام مع «فارك « . و تشير الكثير من استطلاعات الرأى إلى أنه من المتوقع أن يفوز دوكى فى الانتخابات مما قد يشكل تهديدا كبيرا لإتفاق السلام . علاوة على ذلك فأن هذا السلام المتعثر يربك الناخبين ويجعلهم غير قادرين على تحديد من يريدون أن يكون رئيسهم القادم حيث يشعرون بالإحباط إزاء النمو الاقتصادى البطيء وضعف الخدمات العامة .
رابط دائم: