رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أقوى من الآلام

أنا سيدة فى الرابعة والعشرين من عمرى، أنتمى لأسرة بسيطة فى منطقة «جزيرة محمد» بالقاهرة، وكنت منذ صغرى لا أقوى على بذل أى مجهود، ولذلك لم أكمل دراستى، واكتفيت بتعلم القراءة والكتابة حتى الصف السادس الابتدائى، وشاء القدر أن أتعرض لمحنة المرض، إذ أصبت بالفشل الكلوى، منذ خمس سنوات، وخضعت لجلسات الغسيل الدموى ثلاث مرات فى الأسبوع، ولاحظت أن موعد جلساتى هو نفس موعد جلسات شاب مماثل لى فى العمر، وكنت أراه من بعيد ينظر إلىّ طويلا، وكأنما يريد أن يفضى لى بسر دفين فى أعماقه، وكثر تردده على الحجرة التى أنزل بها فى المستشفى كلما اقتضت حالتى ذلك، وذات مرة سقطت على الأرض أمامه، ولم يكن أحد موجودا معنا سوى مريضة أخرى معى فى الحجرة نفسها، فاستدعى مسئولة التمريض التى جاءتنى مسرعة، وعلّقت لى بعض المحاليل، ثم جاءنى الطبيب، ووصف لى دواء غير متوافر فى صيدلية المستشفى، فإذا بهذا الشاب يأخذ «الروشتة» منه، ويشترى لى الدواء من صيدلية خارجية، ورفض بإصرار أن يأخذ ثمنه، ثم جلس على مقربة منى، وشرح لى حكايته، فوجدتنا متطابقين فى كل شئ، حتى فى تاريخ الميلاد، إذ ولدنا فى يوم واحد، وفصيلة دمنا واحدة، ونسكن فى الجزيرة نفسها، وبدأنا الغسيل الكلوى فى نفس التوقيت.. واستغربت ذلك، واندهش هو الآخر، ثم أحسست بعلامة الرضا والتفاؤل بادية على وجهه، وسادت لحظات صمت بيننا قطعتها الممرضة بقولها له «كفاية كده، روح الحجرة بتاعتك». وفى الجلسة التالية، قال لى إنه حاصل على دبلوم المدارس الصناعية، وهو أصغر أشقائه، ويعمل والده سائقا، وأنه أحبنى، ويريد أن يتزوجنى، فسقطت دموعى رغما عنى، ولم أدر وقتها، هل هى دموع فرح مثل كل العرائس اللاتى ينتظرن هذه اللحظة، أم دموع خوف من المجهول لمريضة بالفشل الكلوى؟.. لقد استمعت إليه فى صمت، ثم عرضت الأمر على والدتى، فرفضت زواجى تماما، اشفاقا علىّ من مسئوليته وتبعاته، وجاء رد الفعل نفسه من جانب أهله، حيث رفض أبوه ارتباطه بمريضة مثله، فى حاجة إلى من يساعدها، فكيف إذن ستدير شئون بيتها؟، ولم يفلح كلانا فى إقناع الأهل باختيارنا، وبأن كل ما نريده هو إعطاؤنا فرصة لتأكيد أن حبنا «أقوى من الآلام»، ولكن هيهات أن يقتنع بكلامنا أحد، فاتخذنا قرارنا بالزواج، والاعتماد على أنفسنا، وعمل خطيبى سائق «توك توك» فى منطقتنا، وأصبح لى دخل بسيط يساعدنى على أن أستقل بحياتى، وتمكنّا بفضل الله من انتزاع موافقة أسرتى على الزواج بعد ذلك بشهور، واستأجرنا سكنا صغيرا، واشترينا حجرة نوم بالتقسيط، وتزوجنا، ونحيا الآن فى هدوء نفسى. وبرغم عدم توافر الأدوية اللازمة لنا لضيق ذات اليد، فإننا لم نعرف اليأس ولا المستحيل، وندرك أن الخير قادم، ولو بعد حين، ومن يدرى، فقد نخضع إذا أراد الله لجراحتى زرع كلى، وتكتمل فرحتنا، وقد تمضى حياتنا على الحال التى نعيشها اليوم، وفى كلتا الحالتين، فإننا نحمده سبحانه وتعالى على نعمة الرضا والتفاؤل، ونفوض أمرنا إليه، إنه بصير بالعباد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

يا الله ما أروع دروس تجربتكما فى التغلب على متاعب المرض، ومواجهة شدائد الحياة، فبرغم أن عمركما لم يتجاوز أربعة وعشرين عاما، فإنكما أدركتما بالفطرة أن الرضا كنز لا يفنى، وأن التفاؤل يقاوم المرض، إذ تؤكد الحقائق العلمية أن المتفائلين أقدر من غيرهم على تجاوز الأمراض، والاستجابة لمحاولات الشفاء منها، فالمتفائل يسيطر على نفسه ويشارك فى صناعة مستقبله بشكل فعال، ويؤمن بالأسباب والحلول، كما يؤمن بالمشكلات والعوائق؛ والمريض المتفائل تكون المناعة لديه أقوى من غير المتفائل؛ فهناك كثيرون يعانون أمراضا خطيرة، وعندما يغيّرون بيئتهم الكئيبة، وينشرون البهجة بينهم، تتراجع أمراضهم، وتتلاشى آلامهم.

إن التفاؤل فيه شفاء لكل الأمراض، ويجب على المريض أن يفكر فى الجانب المشرق من حياته، ومن ثمّ تصبح تصرفاته إيجابية، فالطفل الذى يخرج إلى الحياة يشعر بالدفء، وبأنه محبوب وبالتالى يكون دائما مبتسما، ويجمع عددا كبيرا من الأصدقاء حوله، بعكس من  يغلق باب المنزل على نفسه، فيشعر بأن الحياة منتهية  أمامه، وهذا هو السر فى أن المتفائلين أقل عرضة للأزمات، وأكثر صلابة فى مواجهة الشدائد، ولكى يكون التفاؤل صادقا، فإنه يحتاج إلى تغليب «العواطف الإيجابية» فى مواجهة «المواقف السلبية». أيضا فإن النفس لها سلطان على الجسد وخلاياه، وتعتمد نسبة كبيرة من شفاء الأمراض على الحالة النفسية، فكلما ارتفعت الروح المعنوية، زادت مقاومة مناعة الجسم للأمراض، مما يسهم فى شفاء المريض، ولقد تأملت تجربتكما مليا، فلم أجد فيها شيئاً «يربط على القلب» فى الأوقات العصيبة، بعد رحمة الله، سوى الرضا، وليس هذا الرضا إلا قناعةً بالحال، ونحن حين نسمع كلمة الرضا، نتذكر الأوقات الصعبة، والقاسية فقط، ولكن الرضا ـ فى الحقيقة ـ يرتبط أيضاً باللحظات السعيدة، وإن كانت بسيطة، فقد يعيش الإنسان لحظات فى قمة السعادة، وترتسم على ملامح وجهه ضحكات، وبسمات مشرقة عندما يكون برفقة حبيب، أو قريب، أو مع عدد من الأصدقاء فى أى مكان دون ترتيب، أو تجمل وتكلف، فتكون هذه اللحظات هى الأجمل، لأن التكلّف لا يصنع لحظات سعيدة، وإنما يصنعها الرضا بها، والشعور الداخلى بأنها من أسعد الأوقات، وقد يرى شخص أنه يتمتع بصحة وسعادة وسرور، ولكنه يقارن نفسه بمن يملك المال والجاه والشهرة، ويتمنى أن يكون فى مكانه، هنا يفقد لذة اللحظة التى يعيشها، ولذلك ينبغى عليه أن يستشعر قيمة اللحظة السعيدة التى سخَّرها الله سبحانه وتعالى له، وأن يرضى بها، ويعيشها بكل تفاصيلها الجميلة، ولا يتعارض الرضا مع التطوير، والحث على العمل، والنجاح، والتقدم، فليس كون الإنسان راضياً أن يكف عن التغيير إلى الأفضل، والتحسين، والبحث عن سبل الاستزادة من السعادة.. كم أنا سعيد بروح التفاؤل فى قصتكما الجميلة، وإصراركما على مواصلة العمل والكفاح برغم شدة المرض وقسوته، وأرجو من أسرتيكما أن تقدما يد العون لكما، بالرضا عن زواجكما، ومد جسور الصلة بين الجميع، ولكل من يعترض على هذه الزيجة من الأهل أتساءل: «هل تضمن أن تظل صحيحا معافى مدى الحياة؟، وهل تدرى ما تخبئه لك الأقدار فى قادم الأيام؟.. بالتأكيد لا.. وما دام الأمر كذلك، فلا تقف عقبة فى طريق اثنين جمعهما الحب على سرير المرض، وكلى يقين فى أن الله لن يخذلهما أبدا لما يتمتعان به من رضا وقناعة ونقاء السريرة».. أما أنت أيتها الشابة الصابرة، وزوجك الشاب المكافح الراضى بنصيبه فى الحياة، فإن جوائز السماء تنتظركما حينما يأذن الله، وأرجو أن تتفضلا بزيارتى، وليدبر الله أمرا كان مفعولا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 3
    ^^HR
    2018/05/25 11:00
    0-
    1+

    أولا: ادعو الله أن يمن على الزوجين المتحابين بالشفاء العاجل
    وبعدها اكرر واردد الجملة الاولى التى جاءت برد أ.البرى المحترم "يا الله ما أروع دروس تجربتكما ......"،،،وما أجمل ينابيع التفاؤل والرضا والصبر التى أفاض الله بها عليكما ....نصيحتى استمتعا بحياتكما طالما كانت الفرصة سانحة وعيشوا اللحظة ولا تنغصوا على انفسكم بالتفكير فى المستقبل وتوابع المرض بل استمروا على التفاؤل والرضا وعسى ان يكون فرج الله قريب
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 2
    ^^HR
    2018/05/25 09:00
    0-
    0+

    اولا: أدعو الله أن يمن بالشفاء العاجل على الزوجين المتحابين
    وبعدها اكرر واردد الجملة الاولى التى جاءت برد أ.البرى المحترم "يا الله ما أروع دروس تجربتكما ......"،،،وما أجمل ينابيع التفاؤل والرضا التى أفاض الله بها عليكما....نصيحتى استمتعا بحياتكما كلما وجدتما الفرصة سانحة ولا تنغصوا على انفسكم بالتفكير فى المستقبل وتوابع المرض بل استمروا على التفاؤل والرضا وعسى ان يكون فرج الله قريب
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق
  • 1
    ^^HR
    2018/05/25 00:23
    0-
    0+

    مبدئيا: أدعو الله للزوجين المتحابين بالشفاء العاجل
    وبعدها اكرر واردد الجملة الاولى التى جاءت برد أ.البرى المحترم "يا الله ما أروع دروس تجربتكما ......"،،،وما أجمل ينابيع التفاؤل والرضا التى أفاض الله بها عليكما....نصيحتى استمتعا بحياتكما كلما وجدتما الفرصة سانحة ولا تنغصوا على انفسكم بالتفكير فى المستقبل وتوابع المرض بل استمروا على التفاؤل والرضا وعسى ان يكون فرج الله قريب
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق