قبل أشهر قليلة أغلقت «دار التراث»، و«مكتبة النهضة المصرية» أبوابهما للأبد، ومر الحدث مرور الكرام، إلا أنه يبقى حدثا- لو تعلمون عظيم، لاسيما أنهما من أكثر دور النشر المصرية أصالة، وأقدمها نشأة، وكان لهما قدم صدق فى عالم النشر المصرى التليد طيلة عقود عديدة خلت. والثانية نشرت أعمال عبدالرحمن بدوى فن الشعر (أرسطو طاليس)، ومحمد أحمد خلف الله، وعبدالرحمن الرافعي، وإبراهيم المازني، والعقاد، وأحمد أمين، ومحمد كامل حسين، وسواهم. إغلاق الدارين يثير من جديد واقع نشر الكتاب الورقى فى مصر. الآلام والآمال، ويطرح تساؤلات عن المستقبل الذى بات محفوفا بالمخاطر، التى تهدد واحدا من أهم عناصر قوة مصر الناعمة «الكتاب»، وهو الأمر الذى يحتاج إلى التفات كبير.
سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين ورئيس مجلس إدارة مؤسسة دار المعارف يؤكد أن النشر الورقى وإن كان يعانى فى الفترة الأخيرة فإنه لا يمكن أن يحتضر، مشيرا الى أن عدد دور النشر المؤثرة فى ازدياد.وأضاف أن دور النشر المصرية مسيطرة على المعارض العربية بنحو أربعين فى المائة، معتبرا ذلك دليلا على بقاء القوة الناعمة للكتاب المصرى دون تراجع كبير.ويفسرغلق دارى «التراث» و«النهضةالمصرية»بإن خلافا حدث بين الورثة أدى إلى ذلك، منبها الى أن دور النشر العائلية إن لم يكن أحد الورثة حريصا على المهنة، عارفا أسرار النشر ولديه علاقات بالمؤلفين فحتما ستتأثر الدار وتغلق أبوابها.
ويرى أحمد على حسن صاحب مكتبة الآداب أن الكتاب الورقى يخسر خمسين فى المائة من جمهوره كل عام، متوقعا أن تصل الخسارة إلى خمسة وعشرين فى المائة بحلول عام ألفين وخمسة وعشرين.وعدّد الأزمات التى يعانيها النشر من ارتفاع أسعار الورق بشكل مضاعف، مرورا بارتفاع الخامات الأخرى الخاصة بصناعة الكتاب.
وأبدى صاحب مكتبة الآداب حزنه لإغلاق مكتبتى «التراث» و«النهضة المصرية»، مشيرا الى أن النهضة المصرية من أعرق المكتبات وأكبرها مساحة. وأضاف أن مهنة نشر الكتب فى مصر تحتضر، مشيرا إلى أن الكل يقاوم والأفق لا يبشر بخير.
أما أحمد ناجى صاحب دار «قطوف» فيستهل حديثه مؤكدا أن مهنة «النشر» من أجل الكتب وأشرفها، لأنها مهنة «اقرأ» فحوى الرسالة التعبير القرآني، مشيرا إلى أن مهنة النشر الآن تعانى الويلات.وطالب الدولة بدعم هذه الصناعة التى هى أحد أهم أدوات قوة مصر الناعمة، مطالبا باتخاذ خطوات لتقوية المهنة وإعادتها الى سابق مجدها.وعن الأزمات التى رصدها فى النشر الورقى
يقول ناجي: «لك أن تتصور أنه من أجل الحصول على رقم إيداع لأحد الكتب، فأمامك طريق طويل من الإجراءات الروتينية لم تكن موجودة من قبل إطلاقا». ونبه إلى ارتفاع أسعار الورق بشكل غير مسبوق وهو الأمر الذى أثر سلبا على مهنة نشر الكتاب الورقي، منتقدا غلاء أسعار الإيجارات فى المعارض الدولية، الأمر الذى يؤدى إلى إحجام دور النشر الصغيرة عن المشاركة فى المعارض. وعن تعليقه على إغلاق بعض دور النشر، قال إنه يتوقع مزيدا من الإغلاق فى المستقبل إن استمر الوضع المأساوى على ما هو عليه، مشيرا إلى أن الأفكار كثيرة بشأن الارتقاء بالمهنة، لكن الإمكانات معدومة.
رابط دائم: