رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«وصايا» عادل عصمت

فى روايته الجديدة «الوصايا», الصادرة عن دار«الكتب خان» - 2018, يواصل عادل عصمت مشاريعه الإبداعية المثمرة, بعد فوز عمله الروائى «حكايات يوسف تادرس» بـ «ميدالية نجيب محفوظ للأدب» لعام 2016؛ وجدير بالذكر أن روايته «أيام النوافذ الزرقاء» كانت قد فازت بجائزة الدولة التشجيعية للرواية عام 2011. فى «الوصايا» يخوض عصمت شكلاً روائياً كلاسيكياً هو «رواية الأجيال», بثقة واقتدار, على درب خاضه ماركيز فى «مائة عام من العزلة», وقبله وبعده نجيب محفوظ فى الثلاثية و«الحرافيش», وقبلهما الألمانى توماس مان فى «عائلة بودنبروك». استطاع عادل عصمت أن يضيف لهذه الكلاسيكيات دون أن يغمره ظِل أى منها. ومن الطبيعي, فى رواية أجيال, أن تكون فكرة الزمن والتغير, وما يستتبعه من زوال وتجدد, مهيمنة على العمل. واختيار الكاتب للريف المصرى - من أربعينيات القرن العشرين لوقتنا الحالى - ليكون مسرحاً لدراما فعل الزمن كان موفقاً وبليغاً؛ لأن معَّدل وفداحة التغيَّر فى تلك العقود السبعة أو الثمانية كانت هائلة ومثيرة للأسى والشجن: من تمدن هو قريب للتصحُّر, ومن فقدان لالتصاق الفلاح بالأرض, بالطين مبدع الحياة الخضراء وما جاورها وارتبط بها طوال عشرات القرون من قيم ومن نمط حياة. «الوصايا» تروى لتحلل تلك القيم وذلك النمط من الحياة: حياة الفلاح المصرى فى أرضه الريفية التى أبدعت الحضارة والتمدن, والتى أغوت أبناءها فى العقود الأخيرة ندّاهةُ المدينة, ومن عادوا لقراهم من هؤلاء حملوا المدينة معهم, لتتحول البيوت المجبولة من طين النماء لأسمنت وخرسانة وطوب, وتتآكل الحقول وما تخَلَّق فيها من خضرة ومن نمط حياة اقتُلِع من جذره. إلا أن الكِتاب, كما نتبيّن من عنوانه, هو حكايةُ استمراريةٍ وبقاءٍ للجذور بقدر ما هو سيرة انقطاع واقتلاع لتلك الجذور. فالعمود الفقرى للعمل هو وصايا يمليها الجد الذى وُلد فى بدايات القرن العشرين على حفيده الذى جاء للدنيا فى أواخره, يغرسها فى وجدان الولد بينما يودّع الجد الدنيا محتضراً فى سريره, بالقرية التى شبت فيها شجرة العائلة. ورغم أن الحفيد, المراهق الذى فى الثامنة عشرة لا يستسيغ وصايا جده, ولا يفهم الكثير منها, فإنها ظلت حية فى وجدانه, تنمو معه وتكمن كالبذرة وتغذيه كالجذر, حتى وإن كان وعيه ينقدها أو يرفضها. ظلت هكذا مغروسة فى ضميره حتى تعدّى عمره الخمسين وصار على أعتاب أن يكون جداً هو الآخر. كانت تلك الوصايا العشر هى خلاصة تجربة الجد فى حياته الطويلة. ورغم أن الحفيد يراها- فى سياق العصر الذى يعيشه فى القرن الحادى والعشرين - «ساذجة» و«غنائية», أى أقرب للشعر والتصوُّف, إلا أن جّدَّه, وإن كان يختلف عنه, يحيا بداخله, ويجذبه للأرض الخضراء ولبيتهم الريفى الذى صار مهجوراً. وبِنْية الرواية عبارة عن تضفير لسيرة العائلة مع وصايا الجد, بحيث يبدأ كل فصل بوصية يتبعها جزء من الحكاية, فى تسلسل زمنى يبدأ من فقدان أرض العائلة فى عشرينيات القرن الماضي, فاستعادتها فى أربعينياته, فازدهار الأسرة فى الخمسينيات, ثم كارثة عائلية فى العام السابع والستين تتزامن مع النكسة, يتبعها تغير نمط الحياة بدءاً من السبعينيات وانفضاض الأسرة عن الأرض بالتدريج بفعل الزمن وتغير الأحوال, وموت الأجيال الملتصقة بالطين, والهجرة للمدينة أو بلاد النفط, ثم غزو المدينة ونمطها العمرانى والحياتى للقرية فى عقر دارها.

هذا هو الإطار الذى تحيا فيه وتتحرك شخصيات الرواية. وهى كلها شخصيات حية لها بصمتها الخاصة كما خلقها الله الذى سوَّى بنانها, لا أنماط روائية تعكس أفكار الكاتب المجردة ومغزى الرواية. وهذا سر جمال العمل: فالشخصيات تأسرك وتغزوك وتسكنك, فهى من لحم ودم, تعيش معها وتعيش معك.


لمزيد من مقالات بهاء جاهين

رابط دائم: