قبل أن ينتصف شهر مايو 1948، أعلن محمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر وقتذاك أنه من الأنسب عدم الزج بمصر فى الحرب التى تستعد قوى عربية لخوضها من أجل فلسطين.
كان رئيس الوزراء يعلم أن حالة الجيش المصرى من ناحية الأسلحة والمعدات والذخائر وقطع الغيار لا تسمح له بخوض تجربة قتال، كما أن العدد الكلى ومستوى التدريب والكفاءة لا يؤهل لمثل هذه المغامرة.
ويقرر الملك فاروق الاستجابة لطلب أعضاء من الجامعة العربية التى أُنشئت عام 1945 لعقد اجتماع، وفعلا التقى الحكام العرب فى اجتماع مغلق بإنشاص يوم 11 مايو 1948، لم يحضره أى مسئول مصرى بما فى ذلك رئيس الوزراء، بعدها تلقى الفريق حيدر باشا وزير الحربية أمرا مباشرا من الملك بدخول الجيش المصرى الحرب يوم 12 مايو.وتجمعت القوات المسافرة فى محطة السكة الحديد فى اليوم التالى أى 13 مايو لكى تسافر مع معداتها الهزيلة إلى أرض المعركة المتوقعة. كان الجيش ينقصه كل شىء إلا الروح المعنوية التى كانت مرتفعة جدا. ومازالت علامات الاستفهام تحيط بقرار اشتراك مصر فى الحرب الذى صدر دون أى استعداد وفى الساعات الأخيرة قبل أن تنطلق الحرب يوم 15 مايو. ومازال السؤال الأهم، من صاحب القرار؟ هل هو الملك؟ أم الحكام العرب؟ أم الأنجليز، أصحاب القرار فى المملكة الأردنية والنفوذ العاتى فى مصر لا بالنظر لقوات الاحتلال فقط، بل بالنظر إلى حصار القوات الإنجليزية فى فبراير 1942 لقصر عابدين وارغام الملك على تسليم السلطة لمصطفى باشا النحاس رئيس حزب الوفد صاحب الشعبية الكاسحة.
لقد واجه الملك فاروق احتمالات العزل إذا لم يستجب للضغط الانجليزى الفاجر، لذا جاءت استجابته. ولم يكن ممكنا أن ينسى الملك مثل هذا الدرس القاسي. أما السؤال الثاني، فلماذا؟ ثم لماذا يجرى الدفع بجيش لا يملك أى مقومات لخوض تجربة قتال؟ ومع أن النقراشى كان يعلم حقيقة موقف الجيش، فإن الأمر بالنسبة لغيره كان مختلفا جداً، فقد توجه اللواء عثمان باشا المهدى رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقتذاك إلى محطة السكة الحديد داخل معسكرات العباسية ليودع الضباط والجنود المتجهين إلى الميدان، ووقف يلقى كلمة حماسية قصيرة على رصيف المحطة، أكد فيها بساطة المهمة الملقاة على عاتقهم، وأنه لا يخامره أدنى شك فى أنه سوف يلتقى بهم ثانية سريعا عند عودتهم منتصرين بعد القضاء على العصابات الإرهابية الصهيونية. وما قاله المهدى باشا كان هو التفكير المسيطر على معظم المسئولين فى ذلك الوقت. وكان التقدير أن الأمر مهمة يسيرة لا تتطلب إلا قوات فى أقل الحدود. ومن المؤكد أن كل هؤلاء كانوا أبعد ما يكون عن الواقع، فالمنظمات العسكرية اليهودية كانت تملك سلاحا أفضل وعلى مستوى من الكفاءة أعلى بكثير من معظم القوات العربية التى ستخوض المعركة.
لمزيد من مقالات عبده مباشر رابط دائم: