رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الثورة الزراعية فى مصر

من قبيل التكرار أنه فى مصر جرت تاريخيا الثورة الزراعية التى غيرت تاريخ الإنسانية فكان لها من الأثر ما حققته فيما بعد الثورة الصناعية بحلقاتها المتوالية منذ الآلة البخارية حتى «الروبوت» و «الهيومانويد». هذه الثورات المتوالية أطالت عمر الإنسان وجعلته يعيش معيشة صحية أكثر من أى وقت مضي، ومنذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى فإن معدلات وفيات الأطفال تراجعت إلى نصف ما كانت عليه، وحدثت تراجعات هائلة فى أمراض مثل السل والملاريا وحتى الإيدز، وانخفضت حالات شلل الأطفال بنسبة 99%، وأصبح العالم على حافة إزالة أمراض معدية وهو ما حققه الانسان من قبل مرة واحدة فيما تعلق بمرض الجذام. ومن الأخبار السارة أن نسبة المصنفين باعتبارهم يعانون الفقر المدقع بين سكان العالم قد تراجعت من 35% إلى 11%.

فى مصر حدث الكثير من التقدم خلال العقود الماضية فى انخفاض وفيات الأطفال وارتفاع العمر المتوقع عند الميلاد، ولكن ليس معنى ذلك أن كل الأخبار سارة ،سواء كان ذلك ما تعلق بمصر أو بالعالم فى مجالات الصحة والعمر. ولعل الهدف الرئيسى المطروح أمامنا دوما هو كيف نزيل «الفقر المدقع» من البلاد؛ وفى ذات الوقت نقلل من عدد الفقراء الذين بعد تراجعهم فى مطلع القرن الحالى عادوا مرة أخرى إلى الزيادة بشكل نسبى ومطلق أيضا. حزمة السياسات التى نسير فيها تدفع فى هذا الاتجاه، وهناك مشروعات بعينها تبحث عن تحقيق اختراق فى مجالات الصحة والتغذية؛ وفى الإنتاج الزراعى ربما كان مشروع المليون ونصف مليون فدان الأكثر شهرة، ولكن هناك الكثير من الأفكار المطروحة التى تسعى إلى تحقيق قفزات نوعية فى الزراعة من خلال الإصلاح الجذرى فى طرق الري، وفى اتباع أنواع جديدة من المنتجات ذات الفائدة للصحة العامة والتصدير.

ابيل جيتسب صاحب شركة مايكروسوفت الشهير، وواحد من أغنى أغنياء العالم، نشر مقالا فى دورية «الشئون الخارجية» ليس فى مجال الإلكترونيات الذى ظهرت فيه عبقريته وإنما فى مجال التنمية الكونية من خلال إعادة صياغة الجينات وما سماه Gene Editing الذى يمثل حزمة كبيرة من التكنولوجيات الجديدة التى دخلت مجال الإنتاج الزراعى والحيواني. وكما هو معروف فإن بيل جيتس وزوجته ميلندا شكلا معا مؤسسة جيتس التى عملت فى مجالات للتنمية فى العالم الثالث كان من أول أهدافها القضاء على مرض الملاريا فى العالم. إعادة صياغة «الجينات» فى النبات والحيوان يمكنها إحداث ثورة عظمى فى الإنتاج النباتى والحيوانى لا تجعل الإنسانية فقط تتخلص من المجاعات، وإنما تكون أكثر صحة ومقدرة. التقدم التكنولوجى الحالى فى مجال الجينات يجعل العلماء أكثر قدرة من أى وقت مضى على تشخيص الأمراض ومعالجتها ومحاربة العلل التى مازالت تعيق قدرة الملايين كل عام وبشكل خاص الفقراء منهم. ما لا يقل أهمية عن ذلك، والكلام لا يزال لجيتس، أن التكنولوجيات الحديثة تعطى الملايين من المزارعين القدرة على زراعة محاصيل وتربية الحيوانات الأكثر إنتاجية من اللحم واللبن والتكاثر.

ومن المحاولات الرائدة فى هذا الشأن تلك التى جرت فى مركز بحوث الجينات والصحة فى جامعة أدنبرة فى اسكتلندا حيث كان لأساليب إعادة صياغة الجينات أثر كبير على إنتاج الأبقار والدواجن. فارتفاع درجة الحرارة فى المناطق الأفريقية الاستوائية أدى إلى انخفاض إنتاجية الأبقار من اللبن ومنتجاته، رغم أن هذه ذاتها يكون لها إنتاجية مرتفعة فى المناطق معتدلة المناخ. التحكم فى جينات هذه الأبقار يجعلها قادرة على زيادة إنتاجياتها حتى تتجاوز تلك المعروفة فى البلاد المتقدمة الباردة. عمليات التخصيب الجينى تعطى الأبقار الإفريقية قدرات تزيد إنتاجيتها بمقدار 50%. وبنفس المنهج، فإن المحاصيل هى الأخرى تتغير إنتاجيتها بإعادة صياغة جيناتها بحيث تعظم من عمليات النمو، وتقلل الحاجة للأسمدة، وكيماويات مقاومة الحشرات، وتزيد من قيمتها الغذائية، وتجعل النبات أكثر صلابة فى مقاومة الجفاف. وبالفعل فإن هناك محاصيل كثيرة تحسنت نتيجة الصياغة الجينية فأصبحت لا تتعرض للعطب بسرعة مثل البطاطس، بحيث يمكنها تحمل فترات أطول من أجل التصدير، وبالنسبة لفول الصويا فإنه يولد زيوتا صحية. وبالنسبة لمصر فإن العلماء فى جامعة أكسفورد البريطانية استخدموا التكنولوجيا الجينية فى إنتاج أنواع جديدة من الأرز تسمى أرز C4 يعيد ترتيب الهياكل الضوئية فى أوراق النبات بحيث يستخدم أسمدة بنسبة أقل، كما أنه يجعل النبات قادرا على تحويل أشعة الشمس إلى غذاء، ورغم زيادة المحصول بشكل كبيرفإنه يستهلك كميات أقل من المياه.

كثير من هذه التطورات التكنولوجية تجد أصولها فى محاولات مبكرة للإنسان من خلال عمليات التلقيح فى النباتات والحيوانات؛ أما الجديد الذى تقدمه الهندسة الجينية هى أنها زادت من كفاءة المحاصيل الموجودة بالفعل، كما أنها أنتجت الكثير من المنتجات الدوائية «الطبيعية» مثل «الأنسولين» البشري، وكذلك الهرمونات والتطعيمات ضد الأمراض المختلفة. مثل هذه الثورة الزراعية الجديدة التى أشار لها وبحوثها ونتائجها بيل جيتس، نحتاج تفعيلها فى مصر بحيث تقودنا إلى ثورة زراعية شاملة تضاعف من نتائج التوسع الأفقى فى الزراعة عن طريق عمليات الاستصلاح بحيث يمكن الحصول على إنتاجية أكبر مما نحصل عليه الآن. ولعل الرئيس السيسى كان يقصد ذلك عندما أشار إلى أن مصر سوف تسعى لعمل 100 ألف صوبة زراعية تكون إنتاجيتها تماثل زراعة مليون فدان. ومن الجدير بالذكر أن هناك بالفعل محاولات مبكرة لمصر فى إنتاج أنواع جديدة من المحاصيل بما فيها القمح والقطن والفراولة والعنب وغيرها. ولكن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر، ليس فقط لأن الزيادة السكانية تضعنا فى سباق صعب مع ما هو متاح من إنتاج الغذاء، وإنما أيضا لأنه مع كل ارتفاع فى مستويات المعيشة فإن استهلاك الغذاء تزايد، وفى كل الأحوال فإن الاستيراد يضع ضغوطا كبيرة على الإمكانات والقدرات المصرية حتى تتحول بسرعة إلى مزيد من الصادرات.


لمزيد من مقالات ◀ د. عبد المنعم سعيد

رابط دائم: