حديث اليوم، قد يجد صدى عند الكثير، كما سيقابله امتعاض عند القليل، فلسنوات كثيرة، ظللنا ننادى بتطوير الصناعة المصرية، لسببين، أولهما، أننا نمتلك المهارات اللازمة، من عمالة ماهرة، إضافة لتسيهلات كبيرة تقدمها الدولة لتشجيع الصناعة، منها إعفاءات ضريبية لمدة تصل أحياناً لعشر سنوات، وهناك من قد يحصل على بعض التخفيضات الجمركية لخامات وسيطة. لنصل فى النهاية لاقتناع راسخ مفاده، حرص الدولة على فتح مجال الاستثمار فى الصناعة.
وللحقيقة حدثت طفرة واضحة فى التصنيع المحلى، ووجدنا إنتاجاً ممهورا بكلمة «صنع فى مصر»، والشعارات المغلفة لأحلام صعبة، كانت تنادى بدعم الصناعة، يبدو أنها تتحول لواقع ملموس.
إذن فما الحديث الذى سيجد امتعاضا عند البعض؟
هو حديث يجب التعامل معه بحرفية بالغة، مع متابعته بالدقة اللائقة، فعدد المنتجات التى يتم تصنيعها فى مصر، يتزايد يوما بعد يوم، وهو أمر يدعو للبهجة، ولكن فى ذات الوقت هناك مشكلات يتعرض لها المستهلكون، تبحث عن حلول عاجلة، تتعلق بالعلاقة بين المنتج والمستهلك، التى تبدأ فور شراء السلعة، ومحدد فى فاتورة شرائها، كل بياناتها، ومرفق معها شهادة الضمان، الموضحة لطريقة التشغيل، وعدد سنوات الضمان.
ومعروف أنه كلما زادت سنوات الضمان، زادت ثقة المستهلك فى المنتج، لأنه دليل على ثقة المُصنع فى منتجه، وهناك عدد من الشركات المصرية بنت جسورا من الثقة بينها وبين عملائها عبر سنوات لا حصر لها، كانت الصيانة لمنتجاتها عاملا رئيسا ومحركا فاعلا لقوة العلاقة بين الطرفين.
ولكن، أخيرا طفت على السطح بعض الظواهر العجيبة، تتعلق بخدمات ما بعد البيع المتمثلة فى الصيانة، فظهور خلل ما فى أحد المنتجات أمر طبيعى، له سببان الأول، سوء الاستخدام، أما الثانى، عيب فى التصنيع.
ويجب ملاحظة أن هناك 14 يوما لاستبدال المنتج، فى حالة ظهور عيب به، فى هذه النقطة تحديداً والتى يبدو للوهلة الأولى أنه لا يوجد أى إشكالية فى التبديل حال ظهور العيب، تحدث مفارقات مستفزة، منها استلام المنتج لمحاولة الكشف عليه، وهذا حق المُنتج أو الوكيل، ولكن بعد التأكد من وجود عيب، تبدأ المفاوضات بين الطرفين، لمحاولة إقناع المستهلك بإصلاح العيب، رغم ثبوت حقه فى الاستبدال، ليدخل فى دوامة لا تنتهى من الجدال، غالبا لا تنتهى لصالح المستهلك، وعند لجوء المستهلك لجهاز حماية المستهلك، تكون فترة الـ 14 يوما قد انتهت، بما يعنى ضياع حقه فى إثبات وجود الخلل أو العيب فى فترة الاستبدال، وهنا نلاحظ مماطلة المُنتج أو الوكيل فى المفاوضات لتمرير فترة السماح بأى شكل.
هذا جانب، أما الآخر، فيتعلق بظهور عيب فى أثناء فترة الضمان، و كما ذكرنا سابقا، أسبابه، سنجد كثيرا من العملاء يروون حكايات لا حصر لها عن معاناتهم، مع عديد من الشركات، بسبب خدمات ما بعد البيع، لكن الطريف ما قاله لى أحد الموزعين، إن مرور فترة الـ 14 يوما من تشغيل السلعة دون ظهور مشكلات، تعنى أنها جيدة و لا عيوب بها، وحين سألته عن ظهور أحد العيوب بعد ذلك، قال الأكيد أنه سوء استخدام!!
وحين يبدأ السجال بين الطرفين، عن حقيقة العيب، تظهر ألاعيب غريبة، منها المماطلة فى تأكيد العيب، ومنها أحياناً، سماع مبرر أكثر غرابة، لا توجد قطع غيار متوافرة لإتمام عملية التصليح، ومنها أيضاً، أنه تم تعديل فترة الضمان، لتكون مثلا سنتين بدلا من ثلاث، دون الرجوع للعميل، الذى اشترى السلعة و هو على يقين أن ضمانها ثلاث سنوات!
ليتم توجيه اللوم على العميل الذى لم يحافظ على منتجه! عميل اشترى منتجا وبعد أشهر من تشغيله فجأة أساء استخدامه! وإن كان أمراً وارد الحدوث، إلا أن نسبته فى الغالب ضعيفة.
التيقن من أن الخلل الذى ظهر، نتيجة عيب فى الصناعة أو نتيجة سوء استخدام، هو فى الواقع أمر يصعب تحقيقه، ولكن المؤكد أنه فى الآونة الأخيرة زادت شكاوى الناس بشكل ملحوظ، وأضحت معاناتهم مع عدد لا بأس به من الشركات واقعاً مريراً، وهنا أشير لأمرين غاية فى الأهمية، الأول، أن معظم خطوط الإنتاج الموجودة عندنا، هى لشركات عالمية، عدم الاهتمام بجودة التصنيع و العناية اللائقة بخدمات ما بعد البيع، من شأنها إيجاد مردود سلبى على المنتجين المصريين، لأن الشركات العاملة تحرص أولاً وأخيراً على صورتها الذهنية أمام العملاء.
الثانى، لوحظ أخيرا، أن هناك شركات مصرية، بنت جسرا رائعا من الثقة مع عملائها، خلال عقود مرت، استطاعت كسب ثقة الكثير من العملاء، أكاد أجزم أن ما بنوه عبر جهد المؤسسين، يكادون يخسرونه بغرابة شديدة.
نحتاج لرفع قامة المنتج المصرى، من خلال مراقبة إنتاجه والعمل على تجويده، لأن ذلك هو الطريق لصناعة النهضة إذا أردناها، كما نحتاج لحماية المستهلك، الذى لا يملك من أمره شيئا، بل ودعمه والحفاظ على حقوقه، بنفس طريقة دعم المُنتجين.
أما الآلية التى تزن تلك المعلقات، فهى ما يتوجب علينا البحث عنها، حماية لكل الأطراف، وأخيراً، أشهد الله أنى لا أشكو وجود خلل فيما يخصنى مع أى مُنتج، أو وكيل، وما ذكرت، هو الحرص على مستقبل الصناعة الوطنية.
[email protected]لمزيد من مقالات ◀ عمـاد رحيـم رابط دائم: