رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مدير «إف بى آي» السابق جيمس كومى فى كتابه «ولاء أعلى.. الحقيقة والأكاذيب والزعامة» (1-3)
ترامب خائف من الجميع ولا يثق إلا بأفراد عائلته

لندن ــ منال لطفي
كتابه «ولاء أعلى.. الحقيقة والأكاذيب والزعامة

  • حاكم البيت الأبيض «رئيس غير أخلاقى» مهووس بالسيطرة الكاملة على من حوله

  • الرئيس يعانى عقدة اضطهاد ضمن عقد أخرى

 

يواجه البيت الأبيض من جديد عاصفة عاتية. فلم تمر أشهر على كتاب مايكل وولف «نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض» حتى وجد البيت الأبيض نفسه أمام كتاب ثان كاشف يتحدث عن خبايا ليس بيت ترامب الأبيض، لكن عن شخصية الرئيس بالأساس، وهذه المرة لم تأت الشهادة الصادمة من صحفى قابل المئات من كبار موظفى البيت الأبيض قبل أن يكتب كتابه الناري، لكنها جاءت من المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالى «إف بى آي» جيمس كومى شخصياً.

وشهادة كومى التى وضعها فى كتابه الصادر قبل أيام بعنوان «ولاء أعلي.. الحقيقة والأكاذيب والزعامة»، ليست مقابلات مع مسئولين فى الإدارة، بل هى جلسات خاصة مع الرئيس نفسه، والأدلة فيها ليست «أقاويل» من كبار مسئولى الإدارة، بل مذكرات سرية كتبها كومى بعد جلساته مع ترامب، والتى تحدث خلالها الرئيس الأمريكى مباشرة ودون وسيط، ويتضمن الكتاب الكثير من محتوى تلك الجلسات الخاصة، التى لم ينشرها كومى إلا بعد أن حصل على إذن من وزارة العدل الأمريكية.

يكشف «ولاء أعلي»، الذى أصبح الأكثر مبيعا فى أمريكا وأوروبا، مثله مثل كتاب مايكل وولف، عن رئيس خائف فى البيت الأبيض. خائف من تحقيقات «إف بى آي» فى دور روسيا خلال حملة الانتخابات الأمريكية وعلاقة أركان حملة ترامب بموسكو. رئيس خائف من مسئولى أجهزة التحقيقات الأمريكية ومن أعضاء فى إدارته ومسئولى حملته. رئيس لا يثق بأحد إلا أفراد عائلته، يعانى عقدة الاضطهاد ضمن عقد أخري.

كما يصور كومى الرئيس الأمريكى رجلا غارقا فى الخصومات السياسية والمخاوف من أن البيروقراطيين والمسئولين الحكوميين، بمن فى ذلك من فى مكتب التحقيقات الفيدرالى يحاولون تقويض شرعيته، ويقول كومى إن ترامب كان غارقاً فى تلك المخاوف لدرجة تشتت انتباهه بالكامل عن أداء وظيفته، كما يصف ترامب بأنه «رئيس غير أخلاقي»، و«مهووس بالسيطرة الكاملة على من حوله وبالحصول على ولائهم المطلق».


 

ترامب لم يكن الخائف الوحيد فى الإدارة، فجيمس كومى كان خائفاً أيضاً، مليئاً بالشكوك والتساؤلات حول صواب قراره إعادة فتح التحقيقات فى قضية البريد الإلكترونى للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، التى تراجعت حظوظها بشكل حاد بعد إعلانه قبل 11 يوما فقط من الانتخابات عن إعادة فتح التحقيقات ضدها. فهل كلفها هذا القرار الرئاسة؟

لا يعلم أحد الإجابة بشكل دقيق. وحتى كومى نفسه لا يعلم، لكنه يعتقد أنه بالتأكيد لعب دوراً، لكن حجم هذا الدور وملامحه ربما من المستحيل الوقوف عليها، وهو لا يتردد فى الإعراب عن هواجسه وقلقه خلال فصول الكتاب وصفحاته الـ 304، عن حقيقة أن قرارا من «إف بى آي»، المؤسسة الحكومية المحايدة والمستقلة سياسياً، ربما أدى إلى تأثيرات سياسية وأسهم فى تغيير نتيجة الانتخابات بطريقة أو بأخري. إنه حمل ثقيل لا يحتمله عاتق أى رئيس لـ«إف بى آي».

 

شخصان على طرفى نقيض

بدأ كومى علاقته مع الساكن الجديد فى البيت الأبيض وهو مليء بالتساؤلات والشكوك فى قراره كمدير لـ«إف بى آي» بإعادة فتح التحقيقات ضد كلينتون، وربما بسبب هذا القرار توقع منه ترامب الولاء الشخصى له. فى كل الحالات، كان الصدام بينهما حتمياً، وقد حدث بسرعة كبيرة جداً، فلم تمر خمسة أشهر على عملهما معاً، من يناير 2017 إلى مايو 2017، حتى أقاله ترامب بشكل دراماتيكى مفاجئ خلال تحقيقاته فى «الحلقة الروسية» وعلاقة موسكو مع حملة ترامب الانتخابية، وهو القرار الذى فتح باب الحرب المباشرة والعلنية والتى لم تتوقف بين ترامب وكومي، وما زالت تداعياتها تهز واشنطن.

ولا شك أن أحد أهم أسباب الاهتمام الكبير بالكتاب هو العلاقة المعقدة بين كومى وترامب، فهما على طرفى نقيض فى كل شيء تقريباً، «ولاء أعلي» بهذا المعنى هو أول مذكرات سياسية مهمة للاعب رئيسى فى ميلودراما رئاسة ترامب ودهاليز السلطة فى بيت أبيض مغاير كثيراً للمعتاد، فماذا يمكن أن تضيف شهادة كومى بعد كتاب وولف عن بيت ترامب الأبيض وعن الرئيس نفسه؟. الإجابة: الكثير.

ومنذ صدر الكتاب قبل أيام، قال المقربون من ترامب إنه «محاولة انتقامية تفتقد للقانونية»، يقوم بها كومى رداً على إقالة ترامب المهينة له، لكن الكتاب ليس محاولة انتقامية بالضرورة، بل هو بامتياز عاكس للرؤية التى يراها بعض كبار المسئولين والسياسيين فى واشنطن أو النخبة الليبرالية كما يسميها ترامب وقاعدته، ففى الكتاب يروى كومى مسار اللقاءات الثنائية مع ترامب للحديث عن أكثر القضايا الشائكة التى واجهت الإدارة منذ أيامها الأولي، وهى التحقيقات فى العلاقة المفترضة بين روسيا من ناحية والرئيس وبعض أركان حملته الانتخابية من ناحية ثانية، وقضايا أخرى متعلقة بعلاقات ترامب المفترضة مع نساء أخريات، وتساؤلات حول معاملات مالية، وفى كل هذا يقدم كومى حكما لاذعاً حول شخصية الرئيس والقيم التى تحكمه وتحركه. هذه الأحكام على شخصية الرئيس والقيم التى تحركه هى جوهر الكتاب.


جيمس كومى خلال لقائه أوباما

 

ومع أن ترامب لا يظهر شخصياً حتى الجزء الأخير من مذكرات كومي، إلا أن الفصول الأولى التى يروى فيها كومى مساره المهنى على مدار أكثر من ثلاثة عقود تمهد الأرضية للمواجهة مع ترامب، فهى استكمال للمواجهات التى مر بها كومى منذ كان محاميا ومدعيا عاما، ثم مديرا لمكتب التحقيقات الفيدرالى ضد عصابات المافيا والخارجين على القانون، وخلال شهادته أمام لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ الأمريكى فى يونيو الماضى كان كومى مهذباً خلال كشفه عن لماذا وجد نفسه مضطراً لكتابة مذكرة تفصيلية بعد كل لقاء له مع ترامب (وهو أمر لم يفعله مع الرئيسين السابقين باراك أوباما وجورج بوش الابن). تحدث كومى ساعتها بحذر شديد وبلغة حصيفة عن «طبيعة الشخص الذى كنت أتفاعل معه» أمام كبار مسئولى لجنة الاستخبارات فى الكونجرس، لكن فى كتابه «ولاء أعلي» لا يجد كومى نفسه مضطراً للحذر البالغ، فهو يكشف بصراحة رأيه فى الرئيس الأمريكي، فيقارن بين طلب ترامب منه الولاء الشخصي، وطقوس التعرف على أكبر زعيم للمافيا عرفته أمريكا فى تاريخها وهو كوسا نوسترا «ليسألنى ترامب ما إذا كنت جاهزاً كى أكون جزءاً منهم».

كما يعطى الكتاب كومى منصة للدفاع عن نفسه وتوضيح الملابسات التى دفعته لفتح التحقيقات فى قضية البريد الإلكترونى فى ذلك التوقيت الحساس والحاسم، وهو القرار الذى حاصره وجعله أكثر الشخصيات المكروهة لدى الليبراليين والديمقراطيين ومؤيدى هيلارى كلينتون، ويوضح أنه فى 6 يوليو 2015 تلقى «إف بى آي» إحالة من المفتش العام للاستخبارات، وهو مكتب مستقل تم إنشاؤه فى الكونجرس، برفع مسألة ما إذا كانت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون (خلال إدارة أوباما الأولي) قد أساءت التعامل مع المعلومات السرية أثناء استخدام البريد الإلكترونى الشخصى لها بدلاً من البريد الرسمى للخارجية الأمريكية، وفى 10 يوليو، فتح مكتب التحقيقات الفيدرالى تحقيقاً جنائياً، وعينت وزارة العدل فى إدارة أوباما مدعيا عاما لدعم التحقيق، وعلم كومى بالأمر من نائبه فى «إف بى آي»، فلم تكن القضية ساعتها أهم القضايا على مكتبه، وكانت حقائق القضية واضحة: فقد استخدمت هيلارى كلينتون نظام بريدها الإلكترونى الشخصى لتسيير عملها فى الخارجية الأمريكية، ما يعرض ملفات ومعلومات فيدرالية حساسة للخطر.

وبرغم أن هيلارى وفريقها دافعوا عن أنفسهم بالتأكيد أنه لم يكن وراء الخطوة أى نية أو ممارسة جنائية، إلا أن الـ«إف بى آي» خلال التحقيقات اكتشفت تباعا الكثير من المخالفات كان أسوأها عندما فتشت الكمبيوتر الخاص بأنتونى وينر زوج هوما عابدين، مستشارة هيلارى البارزة فى مطلع أكتوبر 2016، فقد وجد محققو مكتب التحقيقات الفيدرالى فى كمبيوتر وينر رسائل بريدية تنتمى للخارجية الأمريكية تصنف «سرية» و«حساسة». كيف وصلت تلك الرسائل إلى كمبيوتر وينر ولماذا؟ كانت هى الأسئلة التى دفعت الـ«إف بى آي» لإعادة فتح التحقيقات برغم المناخ السياسى وقرب موعد الانتخابات.

ويقول كومى إنه فكر مئات المرات فى قراره الصادر يوم 27 أكتوبر، قبل الانتخابات بأيام، بإعادة فتح التحقيق، فالمعلومات عن مواد حساسة على كمبيوتر وينر كانت لدى «إف بى آي» منذ مطلع أكتوبر، لكن كومي، الذى كان منخرطاً فى قضايا وتحقيقات أخرى لم يطلع على خطورة الرسائل والأوراق على كمبيوتر وينر، وعندما اطلع عليها فى الأسبوع الأخير من أكتوبر لم يكن لديه خيارات كثيرة، فأعاد فتح التحقيق وكانت نتائج ذلك على السباق الرئاسى فورية.

 

عدو الديمقراطيين الأول

يعترف كومى أنه كان يعتقد أن كلينتون ستفوز بالرئاسة بلا شك، ويوضح: «كان قلقى فى المقام الأول هو أن إخفاء فتح التحقيقات سيجعلها رئيسا غير شرعي» عندما تفوز، وبالتالى لم يجد مناصا من الإعلان عن إعادة فتح التحقيقات، لكن هل كان سيتخذ قراراً مختلفاً إذا كانت استطلاعات الرأى تظهر أن ترامب متقدما فى السباق. يرد كومى «لا أعرف».

ويقول كومى فى كتابه: «مثل الكثيرين، فوجئت عندما تم انتخاب دونالد ترامب رئيسا. لقد افترضت من استطلاعات الرأى لوسائل الإعلام أن هيلارى كلينتون سوف تفوز. وقد سألت نفسى مراراً ما إذا كنت قد تأثرت بذلك الافتراض»، يعنى فى القرارات اللاحقة التى اتخذها خاصة فتح التحقيقات فى قضية رسائل البريد الإلكترونى قبل أيام من التصويت.


هيلارى لحظة إعلان هزيمتها وخلفها زوجها بيل كلينتون

 

ويتابع كومي: «لا أعرف.. لكننى سأكون أحمقا لو قلت إن ذلك لم يكن له تأثير علي. فهذا أمر محتمل جداً، لأننى كنت أتخذ قرارات فى أجواء كان من المؤكد ساعتها أن هيلارى كلينتون ستكون الرئيس القادم. وقلقى من جعلها رئيسا غير شرعى (وذلك بإخفاء إعادة فتح التحقيق فى قضية بريدها الإلكتروني) كان له وزن أكبر عندما اتخذت القرار، مما كان سيحصل لو كان المرشحون فى السباق الرئاسى متقاربين، أو إذا كان دونالد ترامب متقدماً فى استطلاعات الرأي. لا أعرف».

ويوضح: «لقد رأيت وقرأت تقارير تذكر أن هيلارى كلينتون تلومني، على الأقل جزئياً، بسبب هزيمتها المفاجئة فى الانتخابات.. لقد عملت معظم حياتها المهنية لتصبح أول امرأة رئيسة للولايات المتحدة، ومفهوم تماما أن الخسارة المفاجئة وغير المتوقعة، سببت لها ألماً شديدا.. لقد قرأت أنها شعرت بالغضب تجاهى شخصياً، وأنا آسف على ذلك. أنا آسف أننى لم استطع أن أشرح لها ولأنصارها لماذا اتخذت القرارات التى اتخذتها».

ويقول كومى إنه بعد الانتخابات والنتيجة المفاجئة، حضر جلسة إحاطة سرية مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين الجمهورى والديمقراطي، وأنه قرب نهاية الاجتماع، الذى لم يكن حول رسائل هيلارى كلينتون الإلكترونية، طرح أحد الديمقراطيين، وهو السيناتور آل فرانكن، ما كان يدور فى أذهان الكثيرين أو «الفيل فى الغرفة»، إذ سأل كومى بحدة لاذعة «ماذا فعلت بهيلارى كلينتون؟». فسأل كومى عضو مجلس الشيوخ البارز ميتش ماكونيل، الذى كان حاضرا أيضا، إذا ما كان بإمكانه الرد. فرد ماكونيل قائلاً: «بالتأكيد. خذ كل الوقت الذى تحتاجه»، (لتوضيح ملابسات قراره حول التحقيق مع كلينتون).

ويوضح كومى فى كتابه: «ما قلته لأعضاء مجلس الشيوخ اننى أتمنى أن يعودوا معى بالزمن للوراء وينظروا إلى ما حدث من وجهة نظرى -أى من وجهة نظر مكتب التحقيقات الفيدرالى كمؤسسة قانونية مستقلة ومحايدة- قلت تعالوا معى إلى 28 أكتوبر (الملابسات والحقائق التى كانت لدى أف بى آي). قلت إننى حتى لو لم أتمكن من إقناعهم بأننى اتخذت القرار الصحيح، فآمل على الأقل أن أستطيع أن أشرح ما كنت أفكر فيه والخيارات ولماذا اخترت الكلام، بدلاً من الإخفاء. لم أتعامل مع كل شيء فى التحقيق على أكمل وجه، لكننى بذلت قصارى جهدى وفقاً للحقائق التى أمامي. كانت تلك هى النقطة التى حاولت إيصالها فى ذلك اليوم. وقد أقنعت واحدا على الأقل من الحضور. فعندما انتهيت من التحدث، جاء السيناتور تشاك شومر وأمسك يدى وقال: أنا أعرفك. أنا أعرفك. لقد كنت فى موقف مستحيل».

ويقول كومى فى كتابه إنه يأمل فى أن ما فعله لم يكن حاسماً فى تحديد نتيجة الانتخابات الأمريكية، وذلك لأكثر من سبب، أبسطها أن زوجته وبناته صوتوا لهيلارى كلينتون وشاركوا فى مسيرة النساء الاحتجاجية فى واشنطن بعد يوم من تنصيب ترامب فى يناير 2016، لكن السبب الأهم أن «إف بى آي» مؤسسة غير سياسية وموظفوها يجب أن يكونوا محايدين، فهم مسئولون عن تطبيق القانون فقط وليس صنع الأخبار السياسية أو التأثير عليها.

ويتابع إن: «مجرد فكرة أن قرارى أثر على نتيجة الانتخابات يصيبنى بالغثيان.. وهذا ليس فقط لأن ترامب مليء بالعيوب كشخص ورئيس.. الأمر يصيبنى بالغثيان لأننى كرست حياتى لخدمة مؤسسات أحبها تحديداً، لأنها لا تلعب دورا فى السياسة، لأنها تعمل بشكل مستقل عن هوى العملية الانتخابية، لكن انتخابات 2016 كانت لا مثيل لها، لقد أعدت تدوير قضية رسائل البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون فى ذهنى مئات المرات، وبخلاف المسالب فى الطريقة التى عرضت بها نفسى فى البيان العام يوم 5 يوليو أمام كاميرات التليفزيون، فأنا مقتنع أنه إذا استطعت القيام بذلك مرة أخرى فسأفعل الشيء نفسه بالنظر إلى دورى وما كنت أعرفه فى ذلك الوقت، لكننى أعتقد أيضاً أن آخرين ربما تعاملوا مع الأمر بشكل مختلف».

ويضع كومى سيناريوهات وتصورات مختلفة لما كان يمكن أن يُتخذ من قرارات، مثل عدم الإعلان عن إعادة فتح التحقيقات فى قضية الرسائل الإلكترونية والتمهل لحين الانتهاء من التحقيقات أولاً. أو التنحى عن التحقيقات كلياً وتعيين مدع عام خاص لتولى القضية، وفى كل الحالات يعترف أنه وفقاً لما كان لديه من معلومات وخيارات فى ذلك الوقت، فإن قراره كان يبدو له الحل الأمثل، وجرت الانتخابات وخسرت هيلارى كلينتون، وحمل الكثير من الديمقراطيين كومى مسئولية خسارتها وشعر هو نفسه أن قرار إعادة فتح التحقيقات معها ربما لعب دوراً، وفى كل الحالات كانت الأسئلة الحائرة تدور فى ذهنه وتؤرقه.

ويتابع: «وفى أواخر نوفمبر، بعد ظهور نتائج الانتخابات، ذهبت إلى المكتب البيضاوى لحضور اجتماع لمجلس الأمن القومى مع الرئيس (باراك أوباما أقوى مؤيدى هيلاري) وكبار القادة. كان لدى الحاسة السادسة، خاصة وسط هؤلاء الذين ربما اعتقدوا أنهم سيواصلون العمل فى البيت الأبيض تحت قيادة رئيس ديمقراطى جديد (يقصد أن موظفى البيت الأبيض كانوا ينظرون إليه بكثير من التوجس والضيق)، لكن الرئيس أوباما لم يكن من بينهم، رحب بى كما كان دائماً. بكل مهنية وود، وكمراقب غير عادى للغة الجسد، ربما شعر الرئيس أوباما أننى أشعر بالأعياء، أو ربما شعر أنه من المهم أن يقول لى شيئاً لأسباب متعددة، فبعد انتهاء الاجتماع طلب منى البقاء. جلست على الأريكة.. كان مصور البيت الأبيض، بيت سوزا، فى انتظار تصوير اللقطة، لكن الرئيس أبعده. فى غضون ثوان كنا نحن الاثنان فقط. انحنى الرئيس أوباما إلى الأمام وساعديه على ركبتيه. وبدأ ديباجة طويلة، موضحاً أنه لن يتحدث معى عن أى حالة معينة أو تحقيق محدد. قال: أريد فقط أن أخبرك بشيء ما. (وكنت أعرف مدى رغبة أوباما فى فوز هيلارى كلينتون بالرئاسة. فقد شارك فى حملتها بلا كلل. وفى بعض الروايات، أكثر مما فعل أى رئيس آخر لمن يريد أن يخلفه فى الرئاسة. كنت أعلم أنه صدم من خسارة هيلاري، مثل كل موظفى البيت الأبيض. لكننى أحترم الرئيس أوباما جداً وكنت منفتحاً للغاية على كل ما كان عليه قوله). قال لى الرئيس: لقد اخترتك لتكون مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى بسبب نزاهتك وقدرتك. ثم أضاف شيئاً أدهشني: أريدك أن تعلم أن لا شيء حدث لتغيير وجهة نظري».

ويتابع كومي:«لم يخبرنى أنه يوافق على قرارتي. لم يكن يتحدث عن القرارات. كان يقول إنه يتفهم سبب تلك القرارات.. كانت تلك هى الكلمات التى احتجت أن أسمعها. شعرت بموجة من المشاعر وتقريبا على وشك البكاء. الرئيس أوباما لم يكن ظاهرياً رجلا عاطفيا خلال هذا النوع من الاجتماعات. لكننى تحدثت معه بشكل عاطفى غير معتاد وقلت: هذا يعنى الكثير بالنسبة لى سيدى الرئيس. لقد كرهت العام الماضي. آخر شيء نريده (فى مكتب التحقيقات الفيدرالي) هو أن ننخرط فى انتخابات. أنا فقط أحاول أن أفعل الشيء الصحيح. فرد على قائلاً: أنا أعلم».

ويواصل كومي: «لم أتمالك نفسي. قلت للرئيس: أنا أخاف من السنوات الأربع القادمة (أى الخدمة كمدير لـ أف بى أى تحت رئاسة ترامب)، لكن من ناحية أخري، أشعر بالضغط للبقاء الآن. لم يقل أوباما شيئاً. لم يكن هناك أى تلميح إلى ما يعتقده فى الرئيس القادم أو مستقبل البلاد.. ربت على كتفي، ثم قام وصافحنى وخرجت من المكتب البيضاوي. قريباً سيكون للبيت الأبيض ساكن جديد»، وقد كان. غادر اوباما، ودخل ترامب، وظل كومى الذى شعر بالقلق العميق من اللحظة الأولى التى قابل فيها الرئيس الجديد، فقد شكل سلوك ترامب فى الأشهر الأولى من حكمه «أسوأ كوابيس» جيمس كومي، فالرئيس أراد رمزياً من قادة أجهزة تطبيق القانون وأجهزة الأمن القومى الأمريكى أن يأتوا «ويقبلوا خاتم الرجل العظيم».

وفى كتابه «نار وغضب فى بيت ترامب الأبيض» يقول مايكل وولف إن ترامب «كان يعتقد أن الناس يجدونه لا يقاوم. وشعر بالثقة فى مطلع حكمه أنه يستطيع أن يخطب ود رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي.. ليجره نحو نوع من الخضوع»، لكن عدم قدرة الرئيس على إدراك الواقع أو تخطى أوهامه النرجسية الخاصة، كما يقول كومي، ستسرع الاصطدام بينه وبين مدير «إف بى آي».

 

فى الحلقة الثانية:

ترامب وكومى وجهاً لوجه

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق