أنا شاب عمري تسعة وعشرون سنة, كنت أحيا فى سعادة وهناء حتى جرفنى الحب الأعمي، وغيّب عقلى تماما, فلقد كنت رياضيا ووسيما ومن عائلة ملتزمة، ولكن عرفت التمرد على أسرتي, وطمحت إلى أن أكون أفضل من الآخرين بغض النظر عن الطريقة التى أحقق بها ما أريد، وتعرفت منذ عامين على سيدة مطلقة تكبرنى بخمس سنوات, ونصبت شباكها حولى وأحكمت سيطرتها عليّ حتى صرت مثل الخاتم فى إصبعها, ونفذت أوامرها دون مناقشة, وكنت وقتها قد التحقت بشركة خاصة وعملت بها مندوب توزيع, وأردت أن أتقدم لخطبتها بشكل رسمي, فقالت لي، ومن أين ستأتى بتكاليف الزواج والمال اللازم لكى تكون جديرا بي؟.. طرحت علىّ هذا السؤال المستفز، وتركتنى أضرب أخماسا فى أسداس، وفى اليوم التالى اتصلت بى وقالت: ماذا ستفعل لكى نتزوج؟، قلت لها ليس بيدى حيلة.. أنا شاب فى بداية حياتى العملية, ولا أملك ما يحقق لك طموحك، فقالت لي: لدىّ الحل! عليك أن تختلس بعض المواد الخام والعلب الفارغة من الشركة التى تعمل بها دون أن يشعر بك أحد.. وأترك الباقى علىّ، فسألتها كيف؟، قالت البضاعة مكدّسة فى المخازن بكميات ضخمة, ولا رقابة عليها, ولو أنك أخذت منها عشرات الكراتين فلن يشعر بك أحد, وأخبرتنى أنها ستقوم بتعريفى على بعض أصحاب المصانع الصغيرة لكى أبيعها لهم.
ووجدتنى دون تفكير أنساق وراءها وأنفذ ما قالته لى بالحرف الواحد.. أما المصانع الصغيرة التى حدثتنى عنها فليست سوى شقق مشبوهة فى أماكن نائية لتعبئة الأدوية المغشوشة، والمدهش أن العبوات المعبأة فى هذه الأماكن يتصور من يراها أنها المنتج الأصلى للشركة دون أن تكون كذلك!
ووجدت سيارات بأسماء شركات عالمية وهمية تتولى توزيع المنتجات المغشوشة، وفى الوقت الذى ازددت فيه اختلاسا للمواد الخام، وثق رؤسائى بى، وجمعت مبلغا كبيرا خلال شهور قليلة, وقلت لأهلى إننى سوف ارتبط بهذه السيدة التى تعلقت بها بشكل كبير، فعارضونى بشدة لكننى تماديت فيما اعتزمته, وواصلت طريقى دون أن أسمع نصيحة أحد، وسلمت خطيبتى الأموال التى جمعتها لكى تعد منزل الزوجية اللائق بها.
وجاء يوم دخلت فيه احدى الشقق التى تم فيها تعبئة الأدوية المغشوشة ورأيت صاحبها وحوله مجموعة من رجال الشرطة فأشار إلى قائلا: «هو ده»! فألقى رجال المباحث القبض علىّ وأحالتنى النيابة إلى القضاء، وحكم علىّ بالسجن المؤبد بتهم متعددة منها الشروع فى القتل والاختلاس والغش التجاري، أما خطيبتى فقد أرسلت إليّ دبلة الخطبة مع شقيقها البلطجي, ولم ينس أن يحذرنى من الزج باسمها أو محاولة الاتصال بها فى يوم من الأيام.. وسمعت حكايات كثيرة عنها فى السجن وأنه سبق لها الزواج بهذه الطريقة مرات عديدة, وأنها جمعت الملايين من احتراف النصب.. اننى وصلت إلى طريق مظلم ولعل كل الشباب يتعلمون الدرس الذى لم أتعلمه، وهو أن الطريق المستقيم هو أقصر الطرق للوصول إلى تحقيق الأمانى والأحلام.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ماذا كنت تنتظر من سيدة مطلقة اشترطت عليك أن تجمع لها المال الوفير الذى يجعلك فى مستواها لكى ترتبط بك؟.. لقد أوقعتك فى شباكها، ثم ضيّقت عليك الخناق شيئا فشيئا حتى استسلمت لها, وأنت تعلم جيدا أنك تلعب بالنار التى لا تحرق إلا من يمسك بها, ولما استنفدت فيك أغراضها، وسقطت فى قبضة العدالة كان طبيعيا أن تلفظك من حياتها لكى تنفى عن نفسها أى شبهة، ثم تسعى إلى تكرار ألاعيبها مع ضحية جديدة، ولو أنك أطعت أهلك وامتثلت لهم, لكان لك الآن شأن آخر، لكنها آفة الثراء السريع التى تسيطر على بعض الشباب وتجرف عقولهم إلى هذا الطريق الذى يندم كل من يسلكه، ولكن بعد أن يكون قد فقد كل شيء وأصبح بين أسوار سجن سوف يفقد فيه زهرة شبابه, وقد تكون نهاية المطاف بالنسبة له فيلقى حتفه فيه.
وليس أمامك الآن سوى أن تبدأ حياة جديدة, وتأخذ لنفسك مسارا صحيحا تكفر به عما اقترفت فى حق نفسك عسى أن يتوب الله عنك وتقضى فترة سجنك وتخرج إلى الحياة, وقد سلمت من الآفة التى ألمت بك وتصبح إنسانا نافعا لنفسك.
رابط دائم: