رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حكايات من أوراق قديمة:
اضبط.. رجل فى «عربة الحريمات» فى القطار عام ١٨٩٩

أمل الجيار

حكاية هذا الأسبوع رغم أنها طريفة وجميلة ودمها خفيف إلا أنها تؤكد بالدليل القاطع وبالوثائق الرسمية أن مصر زمان كان فيها ضبط وربط ونظام وإحترام وقانون يُطبق بصرامة.. وأن كل من كان يعمل فى مكان حكومى أو حتى خاص كان يخضع للتفتيش طبقاً لسلم وظيفى صارم ومحترم ، فكل موظف يعلوه رئيس يتابعه ويكتب التقارير عن أدائه ويقوم بتقييمه وبالتالى يتم مكافأته أو عقابه تبعاً لأدائه وإجتهاده فى العمل

.......................

ووثيقة هذا الأسبوع هى ورقة رسمية صادرة من قلم الإدارة فى مصلحة السكك الحديد والتلغرافات وميناء الإسكندرية ( كان هذا اسم المصلحة ) هذا نصها:

مستخرج جدول قطر نمرة ٢٣ يوم ٢٣ مارس ١٨٩٩ وكمساريه إبراهيم عبد السيد.. أن الكمسارى لبنها إلتمس مناظرة العربية المعدة للحريم حيث أن أغلبها رجال موجودون بالدواوين الصغار وبعضهم فى وسط العربية مع الحريمات ، وقايمة من مصر بهذه الصفة، ولما نظرنا ذلك حال تحريك القطار من على الرصيف وقد شهدّنا حضرة خشبى أفندى معاون أول المحطة على ذلك وبحال هذا يخالف أصول المصلحة ، كما لا يخفى حضور حريمات بالطريق فأين نُقعدهم.. والإمضاء «باشيلى».

ومن هذه الوثيقة يتبين أن الكمسارى إبراهيم عبد السيد وهو الُمكلف بمتابعة ركاب القطار لدى وصوله محطة بنها إكتشف عند فحصه القطار بوجود رجال فى عربة الحريم وهو المخالف لقواعد السكك الحديد وبالطبع مخالف للأعراف والتقاليد التى كانت تقضى بوجود عربات خاصة للنساء حفاظاً عليهن ولكى يتمتعن بالحرية والخصوصية بعيداً عن أعين الفضوليين خصوصاً فى هذه الأزمنة التى كان فيها للمرأة قدسية وخصوصية لا ينتهك.

وبالطبع وكالعادة فى كل الأزمنة هناك من يحب إختراق القوانين، فاكتشف الكمسارى وجود رجال فى وسط العربة مع «الحريمات» ( يا للهول على حد تعبير تعبير يوسف بك وهبى ) والمشكلة أنه إكتشف إن الرجال موجودون منذ خروج القطار من مصر مما يعنى أن ملاحظ القطار أو المشرف لم يقم بعمله كما ينبغى.. فكتب مذكرة بهذا الشأن وقال فيها إنه من الممكن حدوث مشكلة إذا جاءت بعض الحريم ولم يجدن مكاناً خاليا فى العربة فكيف سيكون التعامل فى هذه المشكلة؟

وبالطبع تعاملت مصلحة السكة الحديد مع هذه المذكرة بمنتهى الجدية وقامت بالتحقيق فيها ، فقال بعض العاملين بالمحطة إن المتبع فى كل الأيام أن هناك قطار رقم ١٨ يصل الى المحطة قبل تحرك قطار ٢٣ ويقوم العامل على القطار ٢٣ بفحص تذاكر ركاب الدرجة الثانية للقطارين وهو ما لم يحدث فى هذا اليوم فتم التنبيه على «جبريان» أفندى أن يلتفت لركاب الدرجة الثانية أمام كمسارى القطار وهو مالم يحدث لذا فـ «جبريان» أفندى هو المدان فى ذلك. وعندما تم التحقيق مع «جبريان» أفندى قال إنه لا يتذكر هذا الحديث وأضاف أنه ليس عليه تفتيش الدرجة الثانية بل الذى عليه هو تفتيش الدرجة الأولى حسب الجدول.. وإن من فتش قطار ١٨ كان عليه تفتيش قطار ٢٣ ، فأنا لا أقدر على تفتيش جميع عربات القطار. وفى النهاية رأت المصلحة مجازاة الخواجة «جبريان» فى وثيقة بتاريخ ١٨ مايو ١٨٩٩ تقول بمقتضى ما توضح تقرر خصم خمسة ( قروش ) من أجرة الخواجة «جبريان» مفتش التذاكر بمحطة مصر لإدانته فى ركوب رجال بعربية الحريمات بقطار يوم ٢٣ مارس ١٨٩٩ ، على أن يتم الخصم بتاريخه … والإمضاء لمفتش عموم السكة الحديد. الطريف فى القصة أن كل هذه التحقيقات والفحص والتمحيص إنتهت بتحديد الجانى وهو «جبريان» أفندى مفتش التذاكر وتم مجازاته وتذكيره بخصم خمسة قروش من راتبه،، فهل كان هذا مبلغا ضخما فى حينه؟ بالطبع أصيب الرجل بحسرة على فقدان الخمسة قروش.. فأى زمان هذا؟

الجدير بالذكر أن مصر تعتبر ثانى دولة فى العالم بعد إنجلترا دخلت السكك الحديدية إلى أرضها، أول خطوط يتم إنشاؤها فى أفريقيا والشرق الأوسط ، حيث بدأ إنشاؤها فى ١٢ يوليه عام ١٨٥١، وبدأ تشغيلها عام ١٨٥٤. وقّع الخديوى عباس الأول عام ١٨٥١ مع البريطانى «روبرت ستيفنسن» عقدًّا بقيمة ٥٦ ألف جنيه إنجليزى لإنشاء خط حديدى يربط بين العاصمة المصرية والإسكندرية بطول ٢٠٩ كيلومترات. وشهد عام ١٨٥٤ تسيير أول قاطرة على أول خط حديدى فى مصر بين القاهرة ومدينة كفر الزيات فى منطقة الدلتا، واكتمل الخط الحديدى الأول بين القاهرة والإسكندرية عام ١٨٥٦، وبعد عامين تم افتتاح الخط الثانى بين القاهرة والسويس، ثم بدأ إنشاء خط القاهرة بورسعيد بعد عامين آخرين، ولم يشرع فى إنشاء خط حديدى فى صعيد مصر إلا فى عام ١٨٨٧. فى عهد الخديوى إسماعيل (١٨٦٣ ـ ١٨٧٩) تم إصلاح أحوال السكة الحديد، وبذل الخديوى إسماعيل جهدًا كبيرًا لمدها فى كافة أنحاء القطر، وذلك لنشر العمران، ولتسهيل حركة التجارة والانتقال بين المناطق المختلفة، وقد امتدت خطوط السكك الحديدية من أقصى جنوب مصر (جنوب وادى حلفا) إلى أقصى شمالها (الإسكندرية) فضلا عن مدن الدلتا والفيوم. فى عام 1898 بدأ إنشاء الخط الحديدى الثالث من القاهرة إلى الأقصر أقيمت شركة خاصة تولت مد خط السكك الحديدية إلى مدينة أسوان فى أقصى الجنوب باسم شركة قنا أسوان للسكك الحديدية.

والله.. الله على مصر وقطاراتها وحكاياتها زمان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق