> المؤسسة العسكرية الأمريكية الراعى الرسمى للبحث العلمى
> العبقرية المصرية تجتاح العالم وعلماؤنا معدنهم أصيل ويحتاجون إلى بيئة صالحة بلا بيروقراطية
الاسم: عبد المعز بيومى.. السن: 63 عاما.. المهنة: أستاذ الهندسة الميكانيكية والطبية بجامعة ساوث كارولينا الأمريكية.. الديانة: مسلم.. الجنسية: مصرى وحاصل على الجنسية الأمريكية. كانت هذه هى البطاقة الشخصية للعالم المصرى المتخصص فى أحد المجالات العلمية الذى قضى سنوات شبابه ورشده فى قاعات المحاضرات والمؤتمرات وخلف جدران المعامل بالساعات ليحصل على نتائج أبحاثه وأبرزها ما يتعلق بأحدث وسائل وطرق تحلية المياه، والعالم يواجه شبح الجفاف وندرة «إكسير الحياة».. وفى دقائق معدودة خاطفة حاول الدكتور بيومى «ابن النيل البار» أن يرسم ملامح صناعة الأمل والثقة فى العقول المصرية سواء المهاجرة أو المدفونة فى المنظومة المصرية الموبوءة بالفاشلين وأساتذة الهدم وتحطيم الأحلام على صخرة البيروقراطية وضعف الوعى بأهمية وقيمة علمائنا وإسهاماتهم التى تحظى بالاحترام والحماية والاستغلال ممن سبقونا بمسافات ضوئية على سلم التقدم والرقى العلمى.. وجاء الحوار مع ضيفنا على هذا النحو:
> كيف بدأ مشوار حلمك كأستاذ جامعى؟
بمجرد تخرجى فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة وتعيينى معيدا لشهور، بدأ احتكاكى بالطلبة من خلال التدريس الذى جعلنى أشعر بالفخر وقيمة أن تربى أجيالا.. وأتاحت لى الظروف فرصة السفر إلى الولايات المتحدة وقدمت أفكارى فى صورة أبحاث فلاقت قبولا واستحسانا من الدوائر العلمية مما دفعنى إلى الاستقرار هناك وفتح شهيتى لمزيد من الأبحاث والنظريات فى مجال تخصصى.
> وما أبرز الدوافع لبقائك فى الخارج؟
عشق التدريس وإنتاج الأبحاث الذى هو سمة المُناخ العام فى المجتمعات المتقدمة والدول التى تقدس العلم وتقدر العلماء وخصوصا عندما يجد أى عالم أن مجهوده وإبداعه يحظيان بالدعم والمساندة طوال الوقت، فيواصل العطاء والتفكير وتقديم كل ماهو جديد ومفيد للبشرية.
> وما شكل الدعم الذى وجدته فى التجربة الأمريكية؟
بداية الباحث فى الخارج محكوم بـ 3 مسارات.. الأول هو التدريس وإعداد الطلبة للبيئة العلمية، والثانى هو البحث وتقديم أطروحات جديدة كل فى مجاله وبما يخدم استراتيجية البحث العلمى وتطورها، والثالث هو التواصل المستمر مع المحيطين بفريق العمل من هيئات وجهات تقدم الدعم والرعاية للإنتاج العلمى، والمسار الأخير هو لُب قضية الباحث، حيث يجد من الجهات الرسمية وغير الرسمية - سواء مراكز بحثية أو مؤسسات مستقلة تهتم بالعلم والابتكار - من يستقبل أفكاره واقتراحاته وتبدأ المساعدة فى تنفيذ هذه الأفكار فى حالة التأكد من جديتها وتميزها من خلال توفير دعم مادى والمال المطلوب لتحويل هذه الأوراق البحثية إلى واقع فعلى وقابل للتطبيق،
> معنى ذلك أن النظام الأمريكى يُعامل الأستاذ الجامعى معاملة خاصة؟
نستطيع أن نقول إنه ينظر إلى الأستاذ باعتباره رئيس شركة يدير مجموعة من زملاء المهنة ويتولى إعداد وتجهيز الكوادر منهم، والحكومة تخصص لأى جماعة أو رابطة علمية ميزانية محددة لتعينها على ترجمة مشروعاتها إلى حقيقة ملموسة والتوصل إلى نتائج عملية تستفيد منها الدولة والمجتمع مستقبلا، وبقدر النجاح فى تحقيق الهدف يحصل الفريق العلمى على المكافأة المادية والمعنوية التى يستحقها وبسخاء.. وتمكنت بالفعل مع المجموعة التى كانت تعمل تحت إشرافى من تخريج 6 مصريين حاصلين على درجة الدكتوراه من بين 19 فردا من مختلف الجنسيات، وهكذا تسير الأمور وفقا لقواعد منهجية واستراتيجيات مرسومة ومنسقة.
> بالتأكيد ثمة مشروعات غازلت حلمك أثناء رحلة العمل الدءوب طوال 20 عاما؟
كثيرة، وأهمها مشروع تحلية المياه، لكننى بدأت الطريق بأبحاث عن الطيران وخصوصا النوع الحربى بالتعاون مع وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» وحصلت الوزارة على نتائج إيجابية للغاية حول تطوير سلاح الطيران وأجهزة العمل بها، مما دفعها إلى زيادة الإنفاق على هذه الأبحاث عندما تيقنت من أن العائد من البحث العلمى يبلغ 20 ضعفا من الميزانية المخصصة له بما يدل على مصداقية وكفاءة وأهمية هذا البحث وبالتالى يستحق المزيد من الدعم، وأجمل ما فى التجربة الأمريكية هو أنك تحظى بالثقة من المؤسسة فى عملك ومصداقيتك وتمنحك أموالها لتطبق نظريتك، وفى نفس الوقت تراقبك وتحاسبك عند التقصير أو فى حالة ضعف المردود بأسلوب مهذب وطريقة آدمية تحفظ لك كرامتك وقيمتك العلمية والإنسانية.. تلك هى القصة.
> هذه الفلسفة لا وجود لها فى المنظومة المصرية؟
قد تكون موجودة.. وإذا لم تكن موجودة فبإمكاننا إيجادها.
> عظيم.. وماذا عن مشروعك «الحلم» الذى عكفت عليه طوال مشوارك؟
كل مشروعاتى وأبحاثى أحلام، وكلها واقع الآن.. وأبرزها ما قدمته فى مجال الطيران الذى فتح الباب أمامى لمعرفة المزيد من المعلومات عن جسم الطائرة وتفاصيلها وآليات تشغيلها وتطويرها.. ثم تبنى من خلال هذه المعلومات توقعاتك عن مستقبل الطائرة والعمر الافتراضى لأجزائها، ولك أن تتخيل قدرتك كعالم على إفادة المسئولين العسكريين بما يمكن أن يحدث للطائرة أو المقاتلة الحربية خلال ساعتين أو بعد مدة زمنية معينة، فتوفر هذه المعلومات للقيادات فرصة وحرية اتخاذ القرار فى الوقت المناسب خصوصا فى أوقات الحرب.
> فى الدراما المصرية، طرح مسلسل «الأصدقاء» فى أوائل القرن الحادى والعشرين فكرة إبطال مفعول السلاح النووى فى مكانه، وذلك كان مجرد خيال فنى.. فهل من الممكن أن يتحول الخيال إلى علم على مستوى تحلية المياه من أى مصدر وفى أى وقت؟
لم لا؟.. الواقع ينبع من الخيال فى الرؤية وخصوبة الأفكار.. وتحلية المياه لها طريقتان.. الأولى هى التسخين ليتحول الماء المالح إلى بخار وتعمل على تحليته ليصبح الماء صالحا للشرب، والطريقة الثانية تتمثل فى دفع مياه البحر والآبار إلى فلاتر لسحب الرواسب منها سواء أملاحا معدنية أو شوائب، وهذا الأسلوب متبع حاليا فى المشروع القائم بين مصر وأمريكا لتنفيذ هدف تحلية المياه فى منطقة البحر الأحمر.
> منذ متى هذا المشروع؟
منذ حوالى عام تقريبا مع مجموعة من العلماء والمتخصصين فى معهد بحوث الصحراء، ونعمل على تحويل كل مادرسناه وقدمناه من أبحاث وخبرات فى مجال الطيران إلى محطات ذكية بما يعنى أن تركيزنا فى المستقبل سينصب على الانتقال من النطاق الحربى والعسكرى إلى مشروعات ذات طابع سلمى وتنموى كتحلية المياه والطاقة الشمسية وطاقة الهواء.. والمحطة الذكية تقوم على المزج بين التكنولوجيا المتاحة وتكنولوجيا المعلومات، وتحقق حالة مثالية من الاتصال بين المعلومات والمعدات وطاقم العمل من البشر والباحثين، وكل هذا يحقق فلسفة وأهداف «الثورة الصناعية الرابعة».
> «الثورة الصناعية الرابعة»؟
هذا العنوان هو ما بنينا عليه عملنا فى مركز الأبحاث الخاص فى أمريكا الذى عملت به منذ 20 عاما لتحويل مسار تجاربنا ومعلوماتنا من الجانب العسكرى ومجال الطيران إلى أغراض أخرى سلمية ونافعة للمجتمعات والدول وفى مختلف مناحى الحياة.. وكل أفكارنا وأبحاثنا وفرت المليارات من الدولارات للبنتاجون والمؤسسة العسكرية الأمريكية بعد أن استفادت عمليا من كل النتائج.
> إذن.. المؤسسة العسكرية الأمريكية صارت «الراعى الرسمى» لنظريات العلماء؟
بالضبط، ولأن الولايات المتحدة «فيدرالية» فمسموح لوزارة الدفاع الاستفادة وتوظيف نتائج أبحاثنا فى مجالات أخرى غير عسكرية أو لوجيستية، وبالتالى الفوائد على الجميع تصبح مضاعفة بفضل عقول وتفوق العلم.
> وتقدير العلماء أيضا؟
طبعا.
> وهل ثمة مؤسسات أخرى ظهرت فى الصورة بخلاف «البنتاجون»؟
مؤكد.. خصوصا بعد النتائج المبهرة للأبحاث المطروحة، مما شجع منظمات وهيئات دولية نحو دعم هذه المشروعات واستثمارها فى علوم الأحياء والكيمياء والرياضيات وتكنولوجيا المعلومات.
> على مدار عملك الطويل فى الخارج، هل تم التواصل مع الحكومة المصرية ليكون لها نصيب من هذه الأبحاث الطموحة؟
الإجابة نعم.. والتقيت منذ عامين باللواء محمد العصار وزير الدولة للإنتاج الحربى لتعزيز التعاون، وأبدى استعدادا كبيرا لاستقبال الأفكار وسرعة تنفيذها، ولضيق الوقت تعذر الاتفاق.
>ولماذا لم تلتقِ بالرئيس عبد الفتاح السيسى؟
المرة المقبلة بمشيئة الله.. نتمنى ذلك.
> وما أكثر المكاسب التى خرجت بها من مشاركتك فى آخر مؤتمر علمى لك فى القاهرة؟
توضيح الصورة الذهنية عن الثورة الصناعية الرابعة وأبعاد تكنولوجيا المعلومات ودورها الحقيقى والمحورى فى عملية بناء المجتمع والمساهمة الفعالة فى خطة الإصلاح الاقتصادى المنشودة والتنمية الشاملة.. والأكثر أهمية فى توصيات المؤتمر هو قدرة تكنولوجيا المعلومات على تطوير منظومة الجراحة فى مصر والعالم أجمع من خلال توفير مادة معلوماتية ومعرفية واسعة عن المخ والأعصاب وعلاج السرطان والأمراض المستعصية بشكل يعين الطبيب على التشخيص السليم وتحديد وسيلة العلاج الناجعة بدقة، وعبر هذه الدائرة يستطيع الجرّاح المقارنة بين العمليات السابقة لأى حالة وبين الوضع الراهن للمريض، وينجح فى بناء توقعاته لمراحل الشفاء والقضاء نهائيا على المرض.
> بصيغة أبسط.. بإمكان تكنولوجيا المعلومات أن تكتب الآن «روشتة علاج»؟
ليس روشتة علاج بالمعنى الدقيق.. وإنما حرية القرار من جانب المعالج لتحديد مصير ومستقبل الحالة، ونطبق الفكرة ذاتها على التمريض وحماية الأطفال حديثى الولادة من أخطاء وأخطار «الحضّانات» التى قد تؤدى إلى الوفاة فى بعض الحالات لنقص المعلومات وعدم الاعتناء بها، ببساطة تكنولوجيا المعلومات كلمة السر فى كل المجالات.
> من الواضح أن قطار «الثورة الصناعية الرابعة» يمر بمحطات عديدة ومهمة.. فأين مصر منها؟
نستطيع بقوة الالتحاق بأولى محطاته لما نمتلكه من علماء عباقرة وأدوات ابتكار وإبداع.
> وما العقبة؟
فيروس البيروقراطية الذى ينهش جسد البيئة العلمية فى مصر.. فالعالم أو الباحث المصرى ذو معدن أصيل وإذا ما تم زرعه فى بيئة صالحة.. صحية.. نظيفة.. يصنع المستحيل ويحقق المعجزات ويصبح قدوة للأجانب وهذا ما رأيته بعينى فى رحلتى مع المعامل والبشر، والعالم فى مصر مظلوم لأنه يحتاج إلى 48 ساعة فى الـ 24 ساعة لإنجاز عمله.. وأنا مازلت مقتنعا بأن بلدنا زاخر بالموهوبين والنابغين والمنتمين إلى ترابه مهما تكن سنوات الغربة.. فقط البيئة والإدارة السليمة، «ولازم نِنِضَفْ» من البيروقراطية.
> وكيف نستفيد من عقولنا ونوابغنا؟
بطريقين.. أولهما مطالبة الباحث ذاته بالعمل دائما.. والعمل الجاد الصعب الذى قد يصل إلى ساعات طويلة دون كلل أو تعب، فهذا من شأنه أن يمهد المسرح لإبداعات وإنجازات علمية مرموقة وفذة.. والطريق الثانى هو مصادر التمويل والإنفاق المفتوح على تجاربنا ومستودع أفكارنا لاسيما أن العائد من هذه المشروعات سيعوض ما تم إنفاقه، بل سيفوقه .. والتجربة أثبتت ذلك بالبرهان والدليل العملى.
> نريد مثالا يا دكتور؟
لدينا معمل واحد فى مركز الأبحاث تكلفته 19 مليون دولار بتمويل من «البنتاجون»، وبعد نجاح التجارب داخله اتجهت إليه مؤسسات وهيئات عالمية لاستغلاله فى مجال الطيران خصوصا عندما تعلم أن معملا كهذا قادر على التحكم فى كمية الطاقة الصادرة عن طائرة من طراز «الأباتشى» واختبارها لتتفادى حوادث الطيران .. فهل تتخيل ذلك؟.. إنه العلم بكل بحوره وأسراره العميقة التى يكشفها ذكاء وعبقرية العقل البشرى.
> بعقلية العالم.. كيف ترى ملف سد النهضة والمخاوف من شبح الجفاف فى العالم؟
الجفاف مشكلة عالمية، وسواء كان السد واقعا أو لا.. المياه ستقل.. ولابد أن يكون تفكيرنا على المدى البعيد، فنحن أغنياء جدا بمياه الآبار فى الصحراء فضلا عن مياه البحرين المتوسط والأحمر، ومن ثم تقتضى الضرورة أن نسخر طاقتنا نحو تحلية المياه، ولانكتفى بمصادر المياه السابقة، بل يجب أن نذهب إلى تحلية مياه الصرف والحمامات فى المنازل وتستغل فى غسيل السيارات ورى المزارع.. والاتجاه يجب أن يكون اتجاه دولة لنحل مشكلة اليوم، و20 سنة قادمة، إلى أن يظهر ما هو جديد ومثير فى العلم.
> بصراحة .. تحلم بـ «نوبل»؟
هذه منحة من الخالق ولايتم التحضير لها.. وأكرمنى الله بجوائز عديدة فى الزمالة العلمية من منظمات عالمية لأكثر من مرة فى التدريس والبحث العلمى واحتفظت بها لأكثر من 15 عاما، وهذا فى حد ذاته أكبر وسام على صدرى.
> أحمد زويل.. مجدى يعقوب.. فاروق الباز.. هانى عازر.. نجيب محفوظ.. أنور السادات.. محمد صلاح .. نماذج مشرفة ونقاط مضيئة.. لماذا قليلة؟
أختلف معك لأنك إذا بحث فى جوجل عن عدد العلماء البارزين والمتميزين فى العالم ستجد نسبة محترمة جدا من نصيب مصر والمصريين.. فى الاقتصاد.. فى الهندسة.. فى العلوم السياسية.. فى كل شئ.. وكلنا منتمون لوطننا، وليعلم المولى عزوجل أننى كنت حريصا على الوجود فى مصر بعد يناير 2011 لأساهم بجزء فى التطور والنمو، وصدقنى، كلما بعدت عن أرض مصر أرى صورتنا الحقيقية المشرفة فى عيون الآخرين رغم كل المحن والضغوط فيتعمق إحساسى بالانتماء والحب لمصر الغالية التى تحتاج إلينا دائما.. ونحن لها دائما.
> فى كلمات سريعة .. كيف تحيا مصر؟
دعم العلماء.. ثقافة العمل و»تفضل تشتغل بجد».. وتطوير التعليم.
> وإذا جمعك لقاء مع الرئيس السيسى يوما ما.. ماذا تقول له؟
نفس الكلمات.
رابط دائم: