لا أدرى لماذا تستدعى ذاكرتى كلما أتابع استشهاد رجال جيشنا الوطنى فى سيناء هذه الأيام موقف الأم الأمريكية التى قتل ابنها الجندى فى أثناء غزو أمريكا للعراق فى مارس عام 2003، فذهبت إلى البيت الأبيض مخاطبة الرئيس «بوش الابن»: لماذا ترسل ابنى ليموت ف العراق؟ ولم تذهب أنت؟!. خاضت مصر حروبا عديدة على مر تاريخها، منذ العصر الفرعونى ومروراً بالعصر الإسلامى ووصولا لعهد الدولة المصرية الحديثة، ومن أشهر الحروب التى عاصرناها أو قرأنا عنها حروب الدفاع عن الوطن وخاض لأجلها جيشنا الباسل حروبا بدأت عام 1948 ثم 1956 وتلتها حرب 1967حتى وصلنا إلى الحرب الكبرى عام 1973، واستشهد فيها جميعا الآلاف من الضباط والجنود، فداء لهذا الوطن.
ورغم ذلك لم نجد على مر التاريخ أما مصرية أو أبا قد ذهبا إلى قصر الرئاسة ليقول لرئيس مصر: لماذا أرسلت ابنى ليموت فى الحرب.
كل فترة زمنية قصيرة، نستقبل نبأ استشهاد ضباط وجنود فى سيناء، ونبتلع «الريق» مراً حزنا عليهم، وتبتلع أسرهم «الريق» نارا، لفراق أبنائهم، وتلف الجسامين فى العلم الرسمى للبلاد، ويذهب كل منهم إلى قريته، وتشيعه الأعداد الغفيرة حتى يوارى الثرى جسده الطاهر.
منذ كنا أطفالا صغارا ونحن نسمع الكبار يتحدثون عن «عقيدة» الجيش المصري، ولم نعرف معنى هذه العقيدة إلا عندما كبرنا، وعرفنا أنها تعنى «الفداء»، أن تكون ـ أنت ـ فداء لوطنك، ولشعبك، ولأهلك، أن تكون فداء لأبويك وأخوتك وزوجتك وأبنائك أن كنت متزوجا، أن تكون فداء لزملائك فى الكتيبة أو السرية، أن تضع روحك على «كفيك» منتظرا الموت فى أى لحظة وأنت راض، ومطمئن، ومسرور بما تفعل. هذه «العقيدة» هى من تجعل الضابط يتقدم جنوده وقت الاقتحام، لا لأنه الأعلى رتبه فيهم، بل ليفديهم بروحه إذا حدث خطر، وهى من تجعل الجندى «يكسر» أوامر قادته، ويتقدم ليحتضن عدوا مرتديا حزاما ناسفا، ليس لأنه جندى «عاق» ولكن ليحميهم من موت شاهده بعينه قبلهم، فوجد من واجبه التضحية بنفسه ليعيش زملاؤه.
ربما أصل إلى حد اليقين، عندما أقول إنه لا يوجد فى العالم أجمع، رجال يتسابقون إلى الموت مثل رجال الجيش المصري، فنجد كل الجيوش الأجنبية والعربية، حريصين كل الحرص على الحياة، ولكن فى مصر يختلف الأمر، فعندما يرتدى المجند أو الضابط «البذلة» العسكرية، تتملكه «شهوة» الموت، أكثر من الحياة، ونرى هذه الأيام «رجال» الجيش الذين يقضون فترة تجنيدهم فى سيناء رغم خطورة الوضع هناك أكثر فخرا من زملائهم فى المحافظات الأخري.
لمزيد من مقالات أحمد عامر عبد الله رابط دائم: