.. وأخيرًا بعد سنوات من الكفاح تكلل جهد البدرى فرغلى رئيس نقابة أصحاب المعاشات بالنجاح، حيث أصدرت الدائرة 11 جزاءات بمحكمة القضاء الإداري، برئاسة المستشار عبد الله عبد النبى نائب رئيس مجلس الدولة حكمًا تاريخيًا، ينتصر لحقوق أرباب المعاشات، ويقضى بإلغاء القرار السلبى لجهة الإدارة «هيئة التأمينات الاجتماعية ووزارة التضامن» المدعى عليها، بالامتناع عن زيادة المعاش عن الأجر المتغير للمحال إلى المعاش، بنسبة 80% من قيمة العلاوات الخاصة »الخمس« الأخيرة من حياته الوظيفية، غير المضمومة للأجر الأساسي، دون تحمله عبء الحصول على حكم قضائي، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته الأصلية دون إعلان. وبهذا الحكم وضع القضاء الهيئة والوزارة فى موقف حرج، لأنه أثبت بالحجة والبرهان القانوني، خطأ تفسيرهما للقوانين 47 لسنة 1984م و102 لسنة 1987م و156 لسنة 2005م، التى تنص على استحقاق المؤمن عليهم معاشات عن العلاوات الخمس الأخيرة، وهو موقف سبق أن أكده حكم المحكمة الدستورية العليا عام 2005م، حين أعتبرت مطالب أصحاب المعاشات مشروعة ويكفلها القانون، وألزم الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بالوفاء بالتزاماتها المقررة قانونًا كاملة، بالنسبة للمؤمن عليهم، والمستحقة حتى لو لم يقم صاحب العمل بالاشتراك عنهم فى الهيئة.
والحقيقة أن موقف هيئة التأمينات الاجتماعية وأيضًا وزارة التضامن محير، ويثير أكثر من علامة استفهام، إذ لم يراع البعد الاجتماعى والظروف الحياتية لأرباب المعاشات، الذين هم أساسًا - مواطنون أفنوا عمرهم فى خدمة بلادهم، ثم عوملوا بأسوأ مما تعامل خيل الحكومة، فالأخيرة على الأقل تطلق عليها رصاصة رحمة، فيما المحالون إلى المعاش يموتون ببطء، من قلة دخل يقابله غلاء ومرض ودواء يعجزون عن تحمل نفقاته.والزعم بأن ظروف الدولة تجعل الخزانة غير قادرة على الوفاء بأية زيادات فى المعاشات، مردود بأن الخزانة العامة لن تتحمل شيئًا، فالأموال المتحصلة عن الاشتركات تكفى وتزيد، حيث تقدر لو استثمرت بسعر الإقراض الحالى بنحو 923،4 مليار جنيه، وليس ذنب أرباب المعاشات أن قرر وزير المالية الأسبق يوسف غالى ضم هذه الأموال إلى أموال الحكومة، والمخاطرة بخسارة بعضها فى البورصة.
فقراره يخالف الدستور الذى نص فى المادة 17 أن «أموال التأمينات والمعاشات، أموال خاصة تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية العامة المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتستثمر استثمارًا آمنًا، وتديرها هيئة مستقلة«.والحكومة ممثلة فى غالى استخفت بهذه المادة الدستورية، حين استولت على أموال المعاشات، تاركة لهيئة التأمينات الاجتماعية جزءًا ضئيلاً منها، لا يتجاوز 73.4 مليار جنيه فقط، تستثمر بصورة مباشرة فى مساهمات فى شركات أو فى صناديق استثمار أو سندات وأذون خزانة عامة، أما باقى الأموال فتوزعت كالتالى 161.8 مليار جنيه مديونية حكومية لا يتم دفع أى عوائد عليها، و235.7 مليار جنيه عبارة عن صكوك مديونية على الحكومة، بفائدة تدور حول مستوى 8.5% أى قرابة نصف سعر الفائدة بالسوق، ونحو 687 مليار جنيه ديونًا مستحقة على بنك الاستثمار القومي. ويبقى الحكم عنوانًا لإنصاف أناس أفنوا عمرهم فى خدمة الوطن، فى شتى مناحى العمل والإنتاج، وقوبلوا بالعقوق فى شيخوختهم دون أدنى اعتبار لحقهم فى حياة كريمة.
لمزيد من مقالات أسامة الألفي رابط دائم: