رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المحليات كمشروع سياسى للدولة

مع إعادة انتخاب الرئيس السيسى لفترة ثانية، طرح بعض المعلقين و المحللين أفكارا ومشاريع سياسية لأجندة الرئاسة الثانية. هناك من تحدث عن تفعيل الحياة الحزبية، أو ملء الفراغ الناتج عن غياب حزب للدولة، وهناك من أشار الى تبنى تعديلات لنصوص دستورية، فى حين طالب آخرون بإعادة تنظيم الساحة الإعلامية، وغيرها من الأفكار التى تستحق الجدل والنقاش.

وجهة نظرى أن المشروع السياسى الأجدر بالصدارة فى المرحلة المقبلة هو مشروع تطوير المحليات. والمقصود هنا ليس مجرد إجراء انتخابات المجالس المحلية، فالمحليات ليست فقط الأجهزة الشعبية المنتخبة، و لكنها تضم أيضا قطاعا تنفيذيا واسعا يتعامل بشكل مباشر مع المواطن فى مجالات مختلفة، والأمر لا يتعلق فقط باستخراج التراخيص، ولكن بتقديم العديد من الخدمات على المستوى المحلى من تعليم و صحة ونقل وغيرها. المحليات هنا هى مشروع سياسى وتنموى فى نفس الوقت، ويمكن أن يحقق أهداف الدولة فى تكوين نخبة سياسية جديدة و تمكين الأحزاب والشباب و المرأة فى المجالس الشعبية المنتخبة، وفى نفس الوقت تحقيق الأهداف المتعلقة برفع معدلات النمو الاقتصادى و تحسين جودة الخدمات. يوجد بالولايات المتحدة تعبير شهير يقول «المحليات أصل السياسة» All politics is local بمعنى أن السياسة تبدأ جذورها من المحليات، والعمل السياسى على المستوى المحلى - سواء بشقه التنفيذى أو الشعبي- هو الأقرب للمواطن والأكثر قدرة على فهم مشاكله و التعامل معها. نقطة البداية فى المشروع السياسى للمحليات يجب أن ترتبط بمفهوم «نقل سلطات» للمحليات وليس «تفويض سلطات».

ففى التجارب السابقة تم الاستناد إلى أسلوب تفويض عدد من السلطات المركزية (للوزراء) إلى المستوى المحلى (المحافظون)، ولكن هذه التجربة لم تحقق النتائج المرجوة منها، لأن التفويض بحكم التعريف هو أمر مؤقت وليس دائما، ومن يمنح التفويض يستطيع وقفه أو انهائه فى أى وقت، واعتمد الأمر فى كثير من الأحوال على طبيعة العلاقة بين الوزير والمحافظ.

البعض يتخوف من مسألة نقل سلطات المحليات، ويرى أنها سوف تضعف الدولة المصرية التى كانت ومنذ إنشائها من آلاف السنين دولة مركزية. والواقع أن هذا التخوف مبالغ فيه، فنقل سلطات للمحليات لا يعنى انتهاء دور السلطة المركزية، فمصر دولة موحدة وليست دولة فيدرالية، وسوف يظل للمؤسسات المركزية التنفيذية والتشريعية دور مهم، ولكن هذا يجب ألا يمنع من نقل جانب من السلطات المركزية، خاصة فى مجالات الخدمات مثل التعليم والصحة والمرافق وغيرها، إلى المحليات، فهى الأقدرعلى تحديد الأولويات، والتنفيذ، والمتابعة والرقابة، وسيؤدى ذلك إلى تخفيف العبء عن الحكومة المركزية، ودفع التنمية للأمام.

النقطة الثانية فى المشروع السياسى للمحليات ترتبط بالتمكين المالي، حيث لا يمكن نقل سلطات مركزية للمحليات دون أن يصاحب ذلك تمكينها ماليا من خلال إعطائها دورا أكبر فى وضع أولويات الموازنات المحلية، وأن يكون لها نصيب أكبر من الضرائب ذات الصفة المحلية مثل الضرائب العقارية، وزيادة قدرتها على تدبير موارد مالية ذاتية، فبدون تمكين مالى للمحليات سوف يظل نقل السلطات إليها مجرد نصوص نظرية.

النقطة الثالثة فى مشروع المحليات ترتبط بتطوير المجالس الشعبية المحلية، من خلال إعادة النظر فى اختصاصاتها والأدوات الرقابية التى تملكها و الطريقة التى يتم بها انتخاب اعضائها ونوعية المرشحين لمقاعدها، وكذلك تحقيق التوازن فى السلطات بين المجالس الشعبية المحلية والمجالس التنفيذية (وهى المجالس التى تضم المسئولين التنفيذيين على المستوى المحلي)، وبحيث لا يطغى دور المجالس التنفيذية على المجالس الشعبية.

وأخيرا، يمكن أن ينطلق المشروع السياسى للمحليات بالدعوة إلى حوار حزبى ومجتمعى لطرح الرؤى المختلفة للتطوير، وبحيث لا يقتصر النقاش على النظام الانتخابى الافضل هل القائمة أم الفردى للانتخابات المحلية، بل يمتد إلى التمكين التنفيذى والمالى والسياسى للمحليات.

ويعقب ذلك تحويل الرؤى التى يتم التوافق عليها إلى نصوص تشريعية فى قانون المحليات الجديد وبعد ذلك يتم الدعوة لانتخابات المجالس الشعبية المحلية، وإعادة تشكيل الأجهزة المحلية التنفيذية وفقا للقانون الجديد. المحليات يمكن أن توفر فرصة لمشروع سياسى يتوافق عليه المجتمع فى هذه المرحلة، ويسهم فى تكوين بنية تحتية سياسية وتنموية جديدة للدولة المصرية.


لمزيد من مقالات د. محمد كمال

رابط دائم: