كادت شرارة حرب أهلية تشتعل فى بلدة الحدث اللبنانية فى اليوم الأخير من الشهر الماضي، على نحو أعاد إلى الأذهان الشرارة التى اشتعلت فى ضاحية عين الرمانة فى 13 أبريل 1975 وأشعلت حرباً أهلية استمرت نحو 14 عاماً. ولكن حكمة القادة اللبنانيين أتاحت احتواء الأزمة قبل أن تنفجر.
كان المشهد فى بلدة الحدث ذروة التصعيد فى الأزمة التى بدأت بتسريب فيديو يعبر عن المدى الذى بلغه الخلاف بين رئيسى التيار الوطنى الحر وحركة أمل. وبدا الاستقرار -الذى صنعه توافق داخلى صعب فى وضع إقليمى عاصف فى مهب الريح لعدة أيام.
ولكن ما حدث فى بلدة الحدث سرَّع بإيقاع التحركات والاتصالات التى جرت منذ بداية الأزمة سعياً إلى احتوائها، وأكد القادة اللبنانيون مجدداً حرصهم على عدم انفلات (الوضع)، ونجح الرئيس ميشال عون مع رئيس الحكومة سعد الحريرى ورئيس البرلمان نبيه برى فى وقت التصعيد0 ورغم أن الأزمة لم تُحل جذرياً، كما هو حال أزمات أخرى سابقة، فقد أُديرت بحكمة وكفاءة. وهذا هو أقصى المستطاع فى ظل التركيبة اللبنانية الراهنة، وفى إطار صيغة التسوية التى انتُخب على أساسها ميشال عون رئيساً واختير الحريرى رئيساً للحكومة. وهذا يكفى لحماية لبنان من تداعيات الاضطراب المهول الذى يعم المنطقة، ويمكن أن يصل إليه فى أية لحظة.
وقد تابعتُ خلال الأيام الماضية الكثير من التقارير والتحليلات حول كيفية احتواء الأزمة التى بدأت فى «فيديو»، وانتقلت إلى الشارع. والاتجاه السائد فى هذه التحليلات أن الأطراف اللبنانية المختلفة اكتسبت قدرات ومهارات عالية فى مجال المساومة السياسية، ونزع فتيل التوتر من أزمات خطيرة، وأن تراكم خبراتها فى هذا المجال هو الذى مكنَّها من احتواء الأزمة الأخيرة.
وهذا صحيح، ولكنه لا يكفى لتفسير نجاح الأطراف اللبنانية فى تجنب مواجهات فى الشارع. ولا يكتمل هذا التفسير بدون إدراك أهمية قدرة هذه الأطراف على استيعاب دروس الحرب الأهلية الضارية التى خرج الجميع منها خاسرين، وصاروا مصرين على عدم تكرارها، أو السماح بإعادة إنتاجها.
كما لا أنسى دور الجيش الوطنى اللبنانى فى الحفاظ على الاستقرار، كما رأيناه فى الأزمة الأخيرة وأزمات سبقتها، يعد فى أحد جوانبه نتيجة استيعاب دروس الحرب الأهلية.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: